آراء

مهنة المتاعب

مهنة المحاماة، مهنة المتاعب والمصاعب، يتقاسم فيها المحامي أحزان موكله ويحمل ثقل أدق التفاصيل في قضيته حتى يوصلها أمام المحكمة متقدماً في دفوعه ودفاعه واثقاً بإظهار الحقيقة أمام عدالة المحكمة.

ولا يختلف أحد على أن الحقائق في ملف القضية تكون مريرة وصعبة ربما لعدم قدرة المتهم على إظهار براءته، على الرغم من براءته أو لأن المتهم قد ارتكب الجريمة بكامل أركانها وشروطها، بل واعترف أمام سلطة جمع الاستدلالات وأمام النيابة بارتكابه الجريمة.

فالموقف الأول، على الرغم من صعوبته إلا أنه قد تظهر للمحكمة براءة المتهم بالطرق كافة، وأمام الموقف الثاني قد يقف المحامي حائراً بين صفحات القضية، كيف يبدأ بدفاعه إن وجد، وكيف ينقل موقف المتهم أمام القضاء وتبرير الفعل والبحث في الإجراءات. عندما يقبل المحامي القضية من تلقاء نفسه وبناءً على طلب الموكل، ففي هذه الحالة كان له الاختيار في قبولها أو رفضها، أما إذا تم ندب المحامي في قضية عن طريق المحكمة وطبقاً لنص قانون الإجراءات الجزائية، فهل عليه الاعتذار أم القبول؟

وينقسم الكثير من العاملين في هذه المهنة بين قبول القضايا خصوصاً تلك التي تشكل رأياً عاماً ضد المتهم فيها، ويقبلها محامون ويرفضها آخرون وكلٌ له أسبابه وعذره، لكن السؤال الذي يطفو على السطح هنا، هل اعتذار المحامي عن قضية الانتداب يجدي نفعاً في مراحل المحاكمة؟

تأتي الإجابة هنا بالنفي، كون اعتذار المحامي تلو الآخر سوف يعطل سير القضاء من ناحية، والمحكمة لا تستطيع أن تجبر أحداً على الترافع لأنها تراعي في ذلك ظروف المحامين من حيث قساوة القضية وجسامة الفعل والوازع النفسي والاجتماعي، لأنه في النهاية بشر.

ومن ناحية أخرى فمن الالتزام الأدبي والمهني أنه إذا تم انتداب المحامي لقضية ما فعليه أن يقبلها (ما لم يكن هناك عذر قاهر) لأنه في هذه الحالة قد طبق القانون، وربما يكون المتهم لم يبدِ أي دفاع أو عاجزاً عن الدفاع، وقبول المحامي وحضوره سوف يعزز موقفه. وكثير من قضايا الانتداب كانت نهاية أحكامها بالبراءة.

ودور المحامي حماية الجانب الإجرائي وحماية القانون وتطبيق العدالة، وليس الدفاع عن مجرم معترف أو عن جريمة مكتملة الأركان والشروط، والتسهيل على المحكمة في عدم تعطيل القضية. ولذلك لو كانت قضايا الانتداب تبدأ من المراحل الأولية لجمع الاستدلالات، وحضور جلسات التحقيق لكانت أكثر حيادية وشفافية.

وعلى ما تقدم يجب على من يدافع عن متهم في جناية ان يكون دفاعه حقيقياً وليس شكلياً، بل يجب أن يترتب على دفاعه طبقاً لما يراه في مصلحة المتهم، فإذا وجد أن المتهم معترف اعترافاً صحيحاً بجريمته، كان عليه أن يبني دفاعه على طلب الرأفة.

وإذا كان لدى المحامي المنتدب أعذار أو موانع يريد التمسك بها فيجب عليه إبداؤها من دون تأخير الى رئيس محكمة الجنايات، وإذا قُبلت الأعذار يُندب محامٍ آخر.

تويتر