أكدوا ضرورة الملاحقة القانونية لردع «المواقع المقرصنة»

إعلاميون: استباحــة مواد صحافية مملوكة للغير «إفــلاس فكري»

قال إعلاميون إن مؤسسات صحافية وطنية تواجه حالياً عمليات قرصنة لمحتواها الإخباري، من قبل مواقع إلكترونية (غير مرخصة) تستبيح مواد صحافية مملوكة للغير (تحقيقات، وأخبار، وتقارير ميدانية، ورسوم بيانية)، وتعيد نشرها بإشارة إلى مصدر الخبر أو من دون إشارة، واصفين ذلك بـ«الإفلاس الفكري».

حالة قرصنة

قال رئيس تحرير موقع «24» الإخباري، الدكتور علي بن تميم، إن «الموقع تعرض لحالة سطو على محتوى صحافي خاص به من قبل بعض الحسابات الإلكترونية، ما دفعه إلى التواصل المباشر مع بعض أصحابها، وشرح ما ينبغي فعله، لكن للأسف استمر الوضع كما كان، بل أصر بعضهم على أن ما يفعلونه صحيح، رغم أن هذا النقل العشوائي للأخبار قد يعرّض سمعة الناقلين للخطر، لاسيما إذا وجد الناشر الأصلي خطأ أو أجرى تغييراً في المحتوى، حينها تكون فرصة التراجع ضعيفة جداً لدى المواقع التي تنسخ الأخبار وتعيد نشرها».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/11/562914.jpg

وأضافوا أن تلك المواقع تسعى من وراء هذه التصرفات غير المهنية إلى اجتذاب متابعين لتحقيق أرباح مالية، في الوقت الذي تكبدت المؤسسات المالكة للمحتوى، الذي تم السطو عليه، مبالغ مالية كبيرة في سبيل تقديمه لقرائها بهذا الشكل.

ورأوا أن الملاحقة القانونية لمثل هذه المواقع ستكون رادعة لها، وستضمن عدم تكرار هذه المظاهر السلبية، كما يجب بذل جهود في سبيل نشر الوعي المجتمعي بصون حقوق الملكية الفكرية.

وتفصيلاً، قال رئيس تحرير موقع «24» الإخباري، الدكتور علي بن تميم، إن «المواقع الإلكترونية التقليدية لديها تقاليد وأصول في التعامل مع المحتوى الإعلامي الذي لا تملكه، بينما نعيش، في الوقت الحالي، ظاهرة غريبة تتمثل في خواص النشر التلقائي التي تتسم بها بعض المواقع الإخبارية، بصورة تعكس قلة الخبرة لدى القائمين على هذا العمل، فحسابات وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة بمؤسسات صحافية يفترض أنها تخدم الموقع الإلكتروني الخاص بالمؤسسة نفسها، وليس العكس، كما في الصفحات الأخرى».

ولفت إلى أن «الصحف المحلية تبذل في سبيل صناعة المحتوى، من تحقيقات وتقارير وأخبار، جهداً كبيراً، وتنفق عليها أموالاً طائلة من رواتب لفرق عمل والتجهيزات والمعدات، وهذا الجهد يرتبط بحقوق، ويعتمد على ميثاق إعلامي، وحقوق تتصل بالملكية، ومن الممكن تقبل فكرة نسخ المحتوى، بشروط واضحة، بأن يكون ضمن القواعد والقوانين المعمول بها».

وشرح ما يتبع في مثل هذه الإجراءات قائلاً: «لا يمكن أن يقتصر عمل المواقع الإلكترونية على نسخ وإعادة نشر المحتوى غير المملوك لها، ولا يمكن أن يقرّ أحد الاستيلاء على جهود مؤسسة مهنية، يفترض أنها تسدد اشتراكات دورية إلى وكالات أنباء عالمية، وتوظف صحافيين ومحررين ومترجمين ومصورين».

وحدد بن تميم معضلة النشر في أنها «تتعلق بضعف المهنية وقلة الوعي»، لافتاً إلى ضرورة «تفعيل سياق واضح يحكم تلك المشكلة، وتدريب فرق العمل الجديدة على أمور تتعلق بحماية وصون حقوق الملكية الفكرية»، مضيفاً: «لا أتصور أن صحافياً مؤهلاً بصورة مهنية يمكن أن ينتهك حقوق الملكية الفكرية، بينما تقتات على الصحف مواقع لا تنتج أخباراً في الغالب».

ونفى أن «يقف وراء مثل هذه التصرفات شخص مهني، ولا ينبغي أن ينظر إلى الأمر من حيث الكلفة المالية فقط، لما يمثله من إساءة للإعلام الإماراتي».

اسم الصحيفة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/11/99406_EY_16-11-2016_p10-p11-1.jpg

الصحف المحلية تبذل في سبيل صناعة المحتوى جهداً كبيراً، وتنفق عليها أموالاً طائلة.

مواقع إلكترونية تسعى من وراء القرصنة على محتوى مملوك للغير إلى تحقيق أرباح مالية.

إلى ذلك، عقد مدير تحرير صحيفة «خليج تايمز»، مصطفى الزرعوني، مقارنة بين وسائل الإعلام الإماراتية ونظيرتها الأجنبية، من حيث حصانة المحتوى من الاقتباس والسرقة، قائلاً: «المؤسسات الصحافية الأجنبية تفعّل اتفاقات لبيع المحتوى، وبمجرد أن يُنسخ خبر منها ترسل الفاتورة في اليوم التالي مباشرة إلى الجهة التي نسخت الخبر، بينما نحن مازلنا نفضل حالة ذكر اسم الصحيفة في الخبر المنسوخ».

وأضاف: «اتخذت المواقع الإخبارية المطورة نماذج للنشر الآلي للأخبار، تحصل على المعلومة بمجرد نشرها في موقعها الأصلي، وتعيد نشرها، وتحصل على أرباح بفعل عدد الزيارات إلى الموقع (ترافيك)، وكل ذلك يحدث من دون التفات إلى معايير حقوق الملكية الفكرية، ويوقع المؤسسات الصحافية التقليدية في خسائر مالية، كونها لم تبرم عقوداً مع هذه المواقع التي تنسخ وتعيد نشر محتواها الأصلي».

وتابع: «وجود مستشارين قانونيين في المؤسسات الصحافية يتابعون ويرفعون قضايا لضمان حقوق الملكية الفكرية، سيضمن عدم تكرار هذه المظاهر السلبية، وربما الردع كذلك»، لافتاً إلى «تعاقد كبرى الصحف في العالم مع مكاتب محاماة بنظام المشاركة في إيراد قضايا الملكية الفكرية، إذ لا تسدد هذه المؤسسات أموالاً إلى المحامين الذين سيحصلون فقط على نحو نصف القيمة المتحصلة من التعويض في القضية».

وعي مجتمعي

من جهته، قال الكاتب الصحافي، علي العمودي، إن «استخدام موقع إلكتروني، أو صحيفة، لمحتوى لا يملكه تصرّف يفتقر إلى المهنية والصدقية»، محملاً «المؤسسات الصحافية جزءاً من المسؤولية، لأنها يجب أن تبذل جهوداً في سبيل نشر الوعي المجتمعي بصون حقوق الملكية الفكرية».

واعتبر العمودي هذه السلوكيات ناتجة عن انعدام الوازع الأخلاقي والمهني والديني أيضاً، مضيفاً «مهما حاولنا تنميق العبارة تظل هذه التصرفات في جوهرها سرقة، فالشخص الذي يفعل ذلك لا يختلف عن أي لص يسطو على مال غيره».

وقال: «هذه الظاهرة تفاقمت كثيراً في الفترة الماضية، وبلغت حدوداً لا يمكن السكوت عنها، وينبغي في سياق موازٍ للتوعية أن يتم ردع المخالفين»، مشيراً إلى أنه «عند الحاجة إلى الاقتباس من نص صحافي مملوك للمؤسسة أخرى لابد من الالتزام بالمعايير المهنية كالإشارة إلى مصدر الخبر».

وتابع: «على اختلاف السلوكيات المهنية، يجب أن ينتبه الناس إلى أن الصورة الصحافية أو النص جاءا بعد جهد كبير، سواء من الصحافي أو المصور، وأنفقت المؤسسة المشغلة لهما أموالاً بطرق غير مباشرة ليخرج المحتوى بهذا الشكل»، متسائلاً: كيف بعد كل هذا يأتي شخص، أو موقع، ويسمح لنفسه بالحصول على كل ذلك مجاناً؟

وركز العمودي على أنه «يجب التركيز على الجانب التوعوي للناس لأنهم من يتعاملون مع تلك المواقع، ونتطلع كذلك إلى تكثيف الجهد المهني بما يمكن وما لا يمكن اتباعه من سلوكيات، فلا يمكن أن نظل في حالة افتراض حسن النية هذه طويلاً، خصوصاً عند التكرار».

إفلاس فكري

وقال عضو مجلس إدارة جمعية الصحافيين، الإعلامي سعيد البادي، إن «هذه الممارسات تدخل تحت بند السرقة الأدبية، وهي لا تقتصر على الصحف، بل وصلت إلى شعراء ومفكرين، وأصبح البعض يستبيح نشر مقال لشخص ويذكر اسمه، لكن لا يذكر اسم المؤسسة الأصلية التي نشر فيها المقال».

وأضاف: «في المؤسسات الغربية لا نجد مثل هذه الممارسات، فلديها مواثيق أخلاقية ومهنية لا يمكن المساس بها، وتعاني المواقع التي تلجأ لهذا الأسلوب مما يمكن وصفه بـ(الإفلاس الفكري)، وانعدام الرؤية».

وتابع: «ينبغي أن تسير جهود موازية مع القانون، كأن تتولى الصحف تثقيف الجمهور بحقوق الملكية الفكرية، أو أن يضطلع المجلس الوطني للإعلام، وهو الجهة المنظمة للأمر على المستوى الاتحادي، بوضع ضوابط للنشر من عدمه».

ودعا البادي إلى بدء حملة توعية مجتمعية بحقوق الملكية الفكرية، وإبراز مخاطر السرقة الإلكترونية للمحتوى، ومواجهة فكرة الاستسهال التي بدت في المشهد الإعلامي المحلي، فالمواجهة من كل الاتجاهات وسيلة حل جيدة ولها تأثير فعلي.

ولفت إلى أنه يمكن توسيع مفهوم لجنة أخلاقيات المهنة في جمعية الصحافيين، لتشمل رفع مؤشرات ثقافة الصحافيين والعاملين في هذا القطاع، سواء كانوا ملاكاً أو موظفين، بصورة قد تقلص من هذه المسألة، وتجعل من المحرر رقيباً على نفسه، ويراعي ضوابط المهنة عند النشر والتناول.

أرباح

قال مدير تحرير صحيفة «خليج تايمز»، مصطفى الزرعوني، إن «تغريدة واحدة على الصفحة الخاصة بأحد المواقع الإخبارية في تطبيق (إنستغرام) بلغت 8000 درهم، رغم أن هذه الصفحة لا تقدم أي محتوى إخباري مصنوع لديها، وإنما فقط تنسخه وتعيد نشره.

وقال الزرعوني إن تغريدة واحدة على تطبيق مجاني، لجمهور مجاني، تعادل قيمتها إعلاناً على مساحة ربع صفحة في صحيفة وطنية، وهنا نستطيع الوصول إلى البعد الخفي الذي تقاتل من أجله هذه الصفحات الإخبارية».

وتابع: «وجدنا منافسة قوية أثناء الانتخابات البرلمانية الماضية، فكانت هناك صفحات تعلن لمرشحين بقيمة مالية لا تتجاوز 250 درهماً، وأخرى 1000 و2000 درهم، وكل هذه الصفحات غير معنية سوى بالأموال بصورة أكبر بكثير من مراعاة المهنية أو حقوق الملكية الفكرية».

تويتر