إعادة نشر محتوى صحف مرهونة بموافقتها

شبكات إلكترونية تسطو على محـتوى وسائــل إعلام مرخصة.. والعقوبات تصــــل إلى الحبس

صورة

تزايدت، أخيراً، أعمال القرصنة من جانب شبكات إخبارية على محتوى مواقع إلكترونية تابعة لصحف ومؤسسات إعلامية وطنية (بعضها يتبع القطاع الحكومي في الدولة)، إذ تعيد نشره دون الإشارة إلى مصدره، وقد يكون هذا المحتوى تحقيقاً صحافياً أو خبراً أو رسماً بيانياً (إنفوغراف) وغيرها، حسب قراءة لمراقبين إعلاميين، أكدوا أن هذا الأمر يمثل انتهاكاً صارخاً لمبادئ وحقوق الملكية الفكرية.
وأضافوا أن المشكلة تتزايد خطورتها في ظل استحداث وسائط التكنولوجيا الحديثة معايير جديدة لتداول المحتوى عبر الإنترنت، إذ بات من يملك صفحة إلكترونية على موقع للتواصل الاجتماعي، بمثابة محطة بث مستقلة، يقوم عملها على محتوى مسروق من مؤسسات إعلامية معروفة ومرخصة. ورأى المدير العام للمجمع الإعلامي في دبي، محمد عبدالله، أنه «لا محددات واضحة على مستوى الدولة تتعلق بترخيص المواقع الإلكترونية التي تتداول معلومات وأخباراً»، داعياً إلى «التفريق بين المواقع التي تديرها مؤسسات إعلامية محلية، ملتزمة بميثاق الشرف الإعلامي، وبين مواقع إلكترونية تعمل بلا ضوابط».
من جهتها، أكدت الدائرة الاقتصادية في دبي، أنه «لا يجوز نقل المحتوى من وسيلة إعلام ونشره عبر وسائل أخرى من دون موافقة جهة النشر صاحبة هذا المحتوى»، محذرة من أنه سيتم استدعاء أي جهة يثبت قيامها بقرصنة المحتوى الصحافي لوسائل إعلام مرخصة تعمل في دبي.
فيما قال أستاذ في القانون، إن العقوبات المقررة في هذا الشأن، تختلف إذا ما حدث استيلاء على محتوى رقمي دون الإشارة المرجعية لمصدر هذا المحتوى، أو نتج ذلك بواسطة اختراق إلكتروني، أو كان في المحتوى المسروق أخبار مستقاة من جهة إعلامية أخرى، دون الإحالة المرجعية للمالك الأصلي للمحتوى، وتراوح العقوبات بين غرامات مالية أو الحبس الذي يصل إلى خمس سنوات، وقد يصل إلى إغلاق الموقع، والمنع من ممارسة النشاط، لافتاً أن عدم تقديم الجهات المتضررة شكاوى في هذا الشأن فاقم المشكلة.


قالت رئيس لجنة شؤون التعليم والثقافة والشباب والإعلام في المجلس الوطني الاتحادي، ناعمة عبدالله الشرهان، إن «منصات إعلامية صغيرة تستولي على محتوى وسائل إعلام كبيرة في الدولة، دون وجه حق، والإشكالية الرئيسة في ذلك تتمثل في غياب الضوابط».

إعادة نشر

ذكر رئيس شبكة إخبارية على وسائل التواصل الاجتماعي، أنه أنشأ الشبكة قبل أربعة أعوام، وبدأ بنشر صور ومقاطع فيديو للأمطار وجريان الأودية والشعاب المائية، التي لاقت قبولاً من المتابعين، ما شجعه على نشر بعض الأخبار البسيطة كحوادث السير، واعتمد في مصدرها على المتابعين أو أشخاص يثق بصدقيتهم، إلى أن توسع وقرر نشر بعض الأخبار اليومية المهمة المنقولة من الصحف المحلية المعتمدة.

وأضاف لـ«الإمارات اليوم»: «واجهت بعض المساءلات القانونية من بعض الصحف المحلية في الدولة، بعد إعادة نشر أخبارها، بسبب عدم ذكر اسم المصدر مع الخبر».

تنسيق محلي

ذكر المدير العام للمجمع الإعلامي في دبي، محمد عبدالله، أن «المجلس الوطني للإعلام يجري تنسيقاً على مستوى الترخيص والمعايير والنظم للمؤسسات المعنية بالنشر والبث»، مضيفاً «لدينا معايير نحافظ على توافقها مع المعايير العالمية، خصوصاً في تداول معلومات تتعلق بالدين أو العنف أو الجنس أو الأطفال». وأضاف أنه «لا محددات واضحة على مستوى الدولة تتعلق بترخيص المواقع الإلكترونية التي تتداول معلومات وأخباراً»، داعياً إلى «التفريق بين المواقع التي تديرها مؤسسات إعلامية محلية، ملتزمة بميثاق الشرف الإعلامي، وبين مواقع إلكترونية تعمل بلا ضوابط».

اتفاقات دولية

قال أستاذ القانون في جامعة الغرير، الدكتور إبراهيم بن داود، إن الدولة وقعت عدداً من الاتفاقات الدولية في مجال حقوق الملكية الفكرية، كان أهمها في مجال حق المؤلف: اتفاقية بيرن بشأن حماية المصنفات الأدبية والفنية في سنة 2004، واتفاقية روما بشأن حماية فناني الأداء ومنتجي التسجيلات الصوتية وهيئات الإذاعة في سنة 2004، واتفاقية «ويبو» لحقوق المؤلف (WCT) في سنة 2004، واتفاقية «وايبو» بشأن الأداء والتسجيل الصوتي (WPPT) في سنة 2005.

وأضافت أن «كثيراً من المنصات تفتقر إلى الصدقية، والأخطر أن شريحة من الناس قد تتفاعل مع خبر غير دقيق، أو محتوى محرف عبر شبكة إخبارية ما، وهو الأمر الذي يفرض ضرورة إيجاد ضوابط واضحة للجمهور، ويحتم على المجتمع أن يكون لديه مزيد من الوعي، كأن يتحقق من موثوقية الجهة التي تنشر أخباراً».

وتترأس «الشرهان» اللجنة البرلمانية، التي ناقشت في وقت سابق الانضباط المهني في ما يتعلق بتداول ونشر المحتوى الإعلامي في الدولة، خصوصاً على الإنترنت، من قبل أفراد يديرون مؤسسات إعلامية في مناطق حرة، أو يبثون ويروجون معلومات عبر منصات إلكترونية مجانية، أو مواقع للتواصل الاجتماعي، دون ضوابط مهنية تذكر، معتمدين على الانفتاح الكبير في وسائل الإعلام، وأدواتها.

يأتي ذلك في وقت أكد مراقبون، أن «شبكات إخبارية على الإنترنت تحصل على معلومات من مواقع إلكترونية تابعة لصحف ومؤسسات إعلامية محلية، وتجري تغييرات في المحتوى والعناوين، فيما قد يسطو بعض هذه المواقع على المحتوى كاملاً، ثم يعيد نشره، دون الإشارة إلى مصدر المعلومة، أو ربما الاكتفاء بإشارة صغيرة ـ تكاد لا ترى - إلى المؤسسة المالكة الأصلية للمحتوى، ما يعد إضراراً بالمؤسسات المتضررة التي تتكبد مبالغ طائلة في سبيل تقديم محتوى إعلامي مستند إلى معايير مهنية»، مشيرين إلى أن «هذه الملاحظات جاءت وفقاً لقراءة استغرقت بضعة أيام».

وتساءلوا عن كيفية انتشار مثل هذه الشبكات الإخبارية دون الحصول على تراخيص من الجهات المعنية في الدولة.وأضافوا أنه «رغم أن هذه الشبكات الإخبارية تمتاز بسهولة حصولها على معلومات وأخبار عن طريق متابعيها، الذين يزودونها بمشاهداتهم وما يرصدونه من وقائع وتجارب يومية يواجهونها، إلا أن افتقارها إلى الاعتماد الرسمي، أو التوثيق من قبل جهات رسمية، يوقعها في فخ نشر أخبار مغلوطة على أنها صحيحة، ويتم تداولها على نطاق واسع من موقع إخباري إلى آخر، ما يجعل من هذه المواقع بيئة خصبة لنشر شائعات وأكاذيب، إضافة إلى أنها تسرق محتوى منشوراً ومملوكاً لمؤسسات أخرى».

مواثيق عمل

من جانبه، أكد المدير التنفيذي لوكالة أنباء الإمارات (وام)، محمد جلال الريسي، أنه «ينبغي رفع مؤشرات الوعي لدى الجمهور، للتأكيد على ضرورة الرجوع إلى المواقع الإخبارية المنتمية لمؤسسات إعلامية موثوقة ومرخصة، درءاً للوقوع في مغبة الاعتماد على وسائل إعلامية مجهولة، أو تلك التي تبتعد عن المهنية، ولا تمتلك مواثيق عمل خاصة بها».

واعتبر أن «السمة المشتركة بين جميع المخالفين، تتمثل في الابتعاد عن المهنية، أو الانتماء إلى مدارس غير واضحة التوجهات، وإذا كانت تلك النوافذ الإلكترونية تمتلك نظام عمل واضحاً، أو ميثاقاً أخلاقياً، فإنها لن تلجأ إلى مثل تلك الأساليب».

وأكد الريسي، أن «الدولة لديها منصات إعلامية محترفة، وأخرى في محيط التواصل الاجتماعي، تتمتع بقدر عالٍ من الصدقية، وتشير في معظم الأحوال إلى مصدر المعلومة أو الخبر عندما تنقله، وتالياً يمكن الوثوق بها، كونها تعمل بمسؤولية».

ودعا الجمهور إلى «ضرورة الانتباه إلى خطورة الاعتماد على المواقع غير الموثوقة في استقاء المعلومات والأخبار، لأنها قد تلجأ إلى نشر معلومات صحيحة، وتدس بينها أخباراً مغلوطة، وهو أمر منتشر في الآونة الأخيرة، ولا يحقق في الوقت نفسه مبدأ صيانة حقوق الملكية الفكرية للناشر الأصلي للمحتوى»، مضيفاً: «من يلجأون إلى ذلك في الغالب يفتقدون الخبرة اللازمة للتعامل مع مثل هذه المسائل».

عقوبات قانونية

قانونياً، هناك عقوبات بشأن الاستيلاء على محتوى رقمي أو إعلامي دون الإشارة المرجعية لمصدر هذا المحتوى، أو كانت في المحتوى المسروق أخبار مستقاة من جهة أخرى، دون الإحالة المرجعية، وتراوح بين غرامات مالية للتعويض عن الضرر، أو الحبس الذي يصل إلى خمس سنوات، وقد يصل إلى غلق الموقع، والمنع من ممارسة نشاطه، حسب أستاذ القانون في جامعة الغرير، الدكتور إبراهيم بن داود، الذي أوضح أن «هذه المسألة تكييفها القانوني هو استيلاء وسرقة واعتداء، بموجب كل القوانين، سواء المطبقة في الإمارات أو الاتفاقات الدولية التي وقعت عليها الدولة خلال الأعوام الماضية، أو المراسيم بقوانين معنية بحماية الحقوق الأدبية والفنية، وهو البند الذي يتعلق بالمحتوى الإعلامي المتداول».

وأضاف: «كل النصوص القانونية والاتفاقات الدولية تجرّم القرصنة والاعتداء على المحتوى الإلكتروني لوسائل الإعلام، وكان تكييفها القانوني في السابق أنها أعمال سطو غير مشروعة، بينما الآن أصبح (المساس بالمحتوى المعلوماتي)»، لافتاً إلى أنه في كثير من الأحيان لا يشكو المتضررون تعرض محتواهم للقرصنة، ما أدى إلى استساغة هذه الأفعال من قبل المعتدين وتزايدها أخيراً.

واعتبر بن داود أن «الشكاوى تؤدي إلى الحد من تلك الظاهرة، فعندما تمتلك الوسيلة الإعلامية التأصيل المعرفي المتمثل في السبق والانفراد المبني على جهود مهنية، فإنه أمر لا يجوز السطو عليه».

ودعا «المؤسسات الصحافية والإعلامية إلى أن تتخذ زمام المبادرة في الإبلاغ عن الممارسات السلبية التي تتعرض لها من أفعال سرقة وقرصنة للمحتوى الخاص بها، لاسيما أن الإمارات لديها نصوص قانونية واضحة، وعلى المؤسسة الإعلامية أن تدرك أن لجوءها إلى القضاء سيزيد من نسبة الاحترافية في سوق الإعلام محلياً، كما أن الأمر لم يتوقف عند حدود محلية فقط، فقد تطور إلى حماية جنائية للملكية الفكرية، يشارك فيها البوليس الدولي (إنتربول) والشرطة المحلية وغيرهما من الجهات ذات العلاقة».

وحسب القانون الإماراتي رقم (7) لسنة 2002، في شأن حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، فإن المادة (2) تنص على أن «يتمتع بالحماية المقررة في هذا القانون مؤلفو المصنف وأصحاب الحقوق، من بينها: الكتب والكتيبات والمقالات وغيرها من المصنفات المكتوبة، وبرامج الحاسب وتطبيقاتها وقواعد البيانات، وما يماثلها من مصنفات تحدد بقرار من الوزير، والمصنفات الفوتوغرافية وما يماثلها، والصور التوضيحية والخرائط الجغرافية والرسومات التخطيطية والمصنفات ثلاثية الأبعاد».

تويتر