خبير اجتماعي: خلل العلاقة مع الوالدين في مرحلة الطفولة أبرز الأسباب

عدوانية الطريق ناتجة عـن اضطرابات نفسية واجتماعية

أكد أخصائي اجتماعي أول في جامعة زايد، حسام عبدالخالق، أن هناك سائقين يمارسون سلوكاً عدوانياً مع الآخرين بسبب اضطرابات نفسية واجتماعية، ناتجة عن خلل في تركيبة حياتهم الأسرية وعلاقتهم بالأبوين خلال مرحلة الطفولة، ما جعلهم أطفالاً «غير موصولين»، أو خلل في التركيبة البنيوية في شخصيتهم التي من الممكن تصنيفها بأنها شخصيات حدّية تقود أصحابها إلى سلوكيات خطرة وغير متزنة، أو نتيجة تقليدهم الأعمى للآخرين، الذي يصبح مع الوقت سلوكاً مكتسباً يستمرون في ممارسته، لإدمانهم شعور اللذة الناتجة عنه، مشيراً إلى أنه يجب الاعتراف بوجود تلك الظاهرة التي تسمى «القيادة غير الاكتراثية»، كخطوة أولى لمواجهتها والحد من آثارها السلبية.

دراسات للحد من الازدحام

أكد المدير التنفيذي في تخطيط النقل الاستراتيجي في هيئة الطرق والمواصلات، ناصر أبوشهاب، أن الهيئة تجري دراسات وبحوثاً في هذا الشأن، وتطلع بشكل دوري ومتواصل على أهم الممارسات والإجراءات المتبعة للحد من أزمات المرور في أكثر البلدان تقدماً، بهدف تطبيقها، إلا أن ذلك يجب أن يتم مع الأخذ في الاعتبار ملاءمته لحاجات وتطلعات السكان.

وأشار إلى أن الهيئة درست بالفعل قراراً يقضي بمرور المركبات ذات اللوحات الفردية في أيام مغايرة لمرور المركبات ذات الأرقام الزوجية، وخلصت بعد دراسة مستفيضة لكل النقاط بما فيها توجهات وقرارات الحكومة القاضية بتنفيذ سياسات هادفة إلى إسعاد السكان، أنه من شأنه التدخل بالخيارات والرغبات الشخصية لأفراد المجتمع.

وتابع أبوشهاب، أن الهيئة بالمقابل تعمل على دراسة حلول ترتبط مباشرة بالبنية التحتية لنظام النقل، بهدف الوصول بمدينة دبي إلى أكثر مدن العالم ذكاءً واستدامة، موضحاً أن من بين تلك الحلول تبني نظام تحكم لإدارة النقل يكفل تحقيق أعلى مستوى من التكامل بين كل أنظمة النقل التي توفرها الهيئة، عبر تطبيق نظام قادر على تحليل وإدارة كل المعلومات المتعلقة بتلك الأنظمة.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/04/8ae6c6c54aa0819a014caec8031c6f36.jpg

 ناصر أبوشهاب.


إعادة النظر في الإجراءات العقابية

أكد المدير التنفيذي لمؤسسة الترخيص في هيئة الطرق والمواصلات في دبي، أحمد بهروزيان، ضرورة النظر مجدداً في مدى فاعلية بعض الإجراءات العقابية، خصوصاً أن بعض ممارسات السائقين الخاطئة تتطلب مزيداً من الحزم والتشدد الموجع، ضارباً مثلاً بوجوب السحب الفوري لرخصة القيادة عند ارتكاب السائقين بعض الممارسات، مثل تجاوز الإشارة الحمراء، لأن حرمان السائق من القيادة لمدة زمنية قد تمتد من ثلاثة أشهر إلى عام، سيترك أثراً أقوى لدى المخالف من دفع غرامة مالية، كما أنه سيعلمه ــ مهما كانت شخصيته ــ التصرف بمسؤولية، تجنباً لمنعه من القيادة.

وأضاف عبدالخالق، لـ«الإمارات اليوم»، أنه أجريت دراسات وأبحاث عدة على مستوى العالم، حول السلوكيات البشرية المتسمة بالخطورة، خصوصاً في الفئة العمرية بين 15 و23 عاماً، وكشفت عن علاقة وثيقة بين تلك السلوكيات وخلل في البنية النفسية والاجتماعية للفرد، التي تؤدي بدورها إلى ظهور اضطرابات تظهر في شكل تصرفات غير متزنة ومؤذية للنفس والغير.

وتابع: «الأشخاص الذين يفتقدون العاطفة والاهتمام خلال طفولتهم، يختزنون في نفوسهم في الكبر قدراً كبيراً من الحنق، والقناعة بأنهم غير مهمين للآخرين، بما أن الوالدين وهما أقرب الناس إليهم لم يهتموا بهم، ولم يحتضنوهم عاطفياً ونفسياً، وتالياً يتصرف هؤلاء الأشخاص لاشعورياً بطريقة لا تعير أي اهتمام لمشاعر أو حقوق الآخر»، لافتاً إلى أن هؤلاء يطلق عليهم علمياً «أطفال غير مرتبطين، أو منتمين» (unattached children).

وأوضح أنه خلال مرحلة الطفولة ــ تحديداً في السنة الأولى من حياة الإنسان ــ يتعلم كيف يرتبط نفسياً وعاطفياً بأهم مصدر للرعاية والعاطفة في حياته، وهما الوالدان، إلا أنه إذا فشل في ذلك لأي سبب، سيكون عندما يكبر عاجزاً ليس فقط عن الاهتمام بالآخرين، بل أيضاً عن تكوين الضمير الإنساني كأداة رادعة عن التفكير أو ارتكاب أي فعل يؤذي الذات والآخرين على حد سواء.

وأشار عبدالخالق إلى أن هؤلاء الأفراد يتصفون ببعض الصفات التي تنم عن شخصيتهم، أهمها عدم القدرة على العطاء أو تلقي الاهتمام، والميول إلى تدمير الذات وإيذائها، وهي صفة تؤدي في حالة القيادة غير الاكتراثية إلى إيذاء وتدمير حياة الآخرين، كما أن شخصياتهم غالباً تتسم بالقسوة الشديدة في التعامل مع الآخرين، ولا يمكنهم تكوين صداقات أو علاقات إنسانية حميمة، إضافة إلى أنهم يعانون مشكلة في التعامل مع السلطات والقوانين الصادرة عنها، كنوع من التمرد، وهذ الصفات مجتمعة أو بعض منها يفسر القيادة بشكل جنوني وغير مسؤول.

وأكد أن هناك نموذجاً آخر من الشخصيات غير السوية التي يمكن أن تقود المركبة بشكل متهور وغير اكتراثي، وهم غالباً أفراد مصابون باضطراب الشخصية الحدية، ويتصرفون بسلوك اندفاعي يظهر في تعاطيهم المخدرات أو الكحول أو اضطرابات الأكل أو التهور في القيادة، كما أنهم يتصرفون باندفاعية، لأنها تمنحهم شعوراً بالارتياح الفوري من آلامهم الانفعاليّة، دون تفكير في العواقب على المدى الطويل، وهذا التصرف الاندفاعي يزيد من معاناتهم بالشعور بالخزي والندم جرّاء تلك التصرف، أي أنهم يقعون ضمن حلقة مفرغة تبدأ بشعورهم بألم انفعالي، ينتج عنه سلوك للتخلّص من ذلك الألم، ثمّ الشعور بالندم.

وأوضح عبدالخالق، أن النموذج الثالث من متهوري القيادة يكون لشخصيات تتبع التقليد الأعمى للآخرين، أو انتقل إليهم هذا السلوك بالتعلم، إلا أنه مع مرور الوقت يصبح عادة خاصة به، وتصير القيادة المتهورة سلوكاً يمنحه شعوراً باللذة والنشوة، معتبراً أن نظام الثواب والعقاب المتبع في التعامل مع السائقين في الدولة يحتاج إلى مراجعة وإعادة نظر لتعزيز مزيد من الفاعلية.

وأكد أن الرادع المالي ليس كل شيء، ويجب التركيز على الثواب وليس العقاب فقط، بالتوازي مع برامج وقائية تحد وتقلل من نسبة تلك السلوكيات من الأساس، مقترحاً أن تكون تلك البرامج جزءاً من المنهاج المدرسي، وقد طبقت تلك التجربة في بعض الولايات الأميركية في محاولة للتصدي لظاهرة إدمان المخدرات، وأثمرت عن نتائج مرضية، لاسيما أنها تسهم في منع نسبة غير قليلة من الأفراد من اكتساب تلك السلوكيات، كما تعمل التوعية والتنفير من عواقب الأمر إلى دفع الأشخاص إلى التفكير جدياً قبل الإقدام على تلك الأفعال.

وقال عبدالخالق، إن معظم الذين يقودون بطريقة متهورة من المراهقين أو الشباب، ومن السهل الوصول إليهم من خلال المدارس والجامعات، مشيراً إلى أنه لو كانت نسبة تأثير تلك البرامج إيجابية بنحو 50% فإن ذلك يستحق بحث التجربة وتعميمها.

وتساءل عن الأسباب التي تحول دون تطبيق مجموعة من الممارسات العالمية التي تخفف من حدة الازدحام المروري، الذي يعد سبباً رئيساً في توليد مستوى عالٍ من التوتر والضغط العصبي لدى السائقين، إلى جانب ما يعانونه بسبب نمط الحياة العصرية المتسارعة المليئة بالأثقال الاقتصادية والاجتماعية، لافتاً إلى أن هناك عدداً من الممارسات المتبعة في بعض الدول المتقدمة التي تحدد عدد المركبات المسموح بانتقالها بشكل يومي، مثل السماح لأصحاب اللوحات المنتهية أرقامها بعدد فردي باستخدامها أياماً معينة في الأسبوع، فيما يسمح لأصحاب اللوحات المنتهية بعدد زوجي باستخدامها في أيام مغايرة، وبذلك ينخفض عدد المركبات في شوارع المدينة بنسبة 50%.

من جهته، قال المدير التنفيذي لمؤسسة الترخيص في هيئة الطرق والمواصلات في دبي، أحمد بهروزيان، إن العنف في القيادة لا يقتصر على القيادة بسرعة جنونية بل يضم أيضاً كثيراً من تصرفات غير مسؤولية تنم عن أنانية وعدم اكتراث بمصلحة وحياة الآخرين، مثل تعمد عدم ترك مسافة أمان كافية مع المركبة الأمامية أو عدم إفساح الطريق لأحد السائقين للمرور إذا اتخذ قرار تغيير المسار متأخراً، مشيراً إلى أن القيادة بالأساس هي ترجمة لصفات شخصية إما تكون حميدة أو بغيضة.

وعن مقترح تطبيق برامج وقائية توعوية طويلة الأمد، أوضح بهروزيان، أنه بالنسبة للجزء المتعلق بعمل المؤسسة، فإن التركيز على تلك المفاهيم يتم من خلال المحاضرات النظرية التي تمثل جزءاً مهماً من منهج التدريب على القيادة، مؤكداً أنه يتم تعديل محتويات تلك المحاضرات والمنهاج وفق مراجعات دورية تأخذ في الاعتبار التقارير والملاحظات التي تتلقاها الهيئة من شركائها، وعلى رأسهم شرطة دبي، ومعاهد تعليم القيادة، وهما جهتان على تماسّ مباشر مع السائقين.

وشدد على ضرورة مراجعة نظام الثواب والعقاب في التعامل مع السائقين، معتبراً أن التركيز كان دائماً على العقاب بشكل أكبر، وأن الثواب رغم حضوره في كثير من المبادرات إلا أنه لم يكن على مستوى الأفعال الايجابية، مقارنة بحجم الجزاء المادي والمعنوي الذي يتلقاه السائق في حال ارتكابه أخطاء، معتبراً أن الغرامة المالية ليست حلاً ولا رادعاً للتخلص من ممارسات القيادة العدوانية والعنيفة، لأنها ببساطة تدخل ضمن نظام حياة الأشخاص المرتكبين لتلك الممارسات، وتصبح جزءاً من ميزانيتهم الشهرية والسنوية، فلم تعد مشكلة بالنسبة إليهم ولا تثنيهم عن ممارساتهم.

 

 

تويتر