طالبت بقانون دولي موحّد تحت مظلة الأمم المتحدة خاص بالشبكة العنكبوتية

دراسة قضائية تدعو إلى تعاون عالمي لمكافحة جرائم الإنترنت

صورة

دعت دراسة قضائية، عنوانها «المشكلات القانونية التي يثيرها الإنترنت في مجال القانون الجنائي والحلول المقترحة»، إلى تعاون دولي لمكافحة جرائم الإنترنت من خلال تطبيق نظام مرن لتسليم المجرمين في قضايا الإنترنت، وجعل الاختصاص القانوني والقضائي للدولة الأكثر اتصالاً بالجريمة، وتفعيل الإنابات القضائية الدولية، وكذا تضمين قانون الإجراءات الجزائية جواز استخدام تقنية «الفيديو كونفرانس» في التحقيق، بما يسمح بالخروج عن قواعد تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان، واصدار قانون دولي موحد تحت مظلة الأمم المتحدة خاص بشبكة الإنترنت والمشكلات الناتجة عن الاستخدام غير المشروع لهذه التقنية.

جرائم الانترنت

استعرض رئيس محكمة كلباء الاتحادية الابتدائية، القاضي الدكتور عمر عبيد محمد الغول، في دراسته، عدداً من الجرائم التي تُرتكب عبر الإنترنت، وأهمها جرائم الاعتداء على المصلحة العامة، والتجسس على الحاسبات الآلية، وجرائم الأموال والأشخاص، وجرائم الإتلاف عن طريق نشر الفيروسات، التي يترتب عليها إتلاف العديد من أجهزة الحاسوب بما عليها من بيانات.

ولفت إلى أن من أشهر القضايا في هذا السياق قضية «Morris» الذي كان يدرس في إحدى الجامعات الأميركية، واستخدم موقعه الخاص على الإنترنت في تطوير برنامج خاص يهدف إلى إثبات عدم فاعلية الإجراءات الأمنية القائمة، التي يتم بمقتضاها حماية أجهزة الحاسوب المختلفة، وقد أطلق على هذا البرنامج اسم الدودة.

وأشار إلى أن من أهم جرائم الأموال كذلك، سرقة أرقام بطاقات الائتمان وتزويرها واستعمالها بعد ذلك لسحب أموال طائلة من أرصدة البنوك، وجرائم الاعتداء على الملكية الفكرية، ومن أكثر الجرائم وقوعاً على الإنترنت جرائم التحريض على التمييز العنصري، وجرائم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة، والجرائم المخلة بالآداب العامة، وجرائم الاستغلال الجنسي للأطفال، وجرائم تعريض الأطفال للانحراف، وجرائم التشهير والسب والقذف، والتحريض والمساعدة على ارتكاب الانتحار، وغسل الأموال، والاتجار في العقاقير المخدرة.

وتفصيلاً، ذكر مُعد الدراسة رئيس محكمة كلباء الاتحادية الابتدائية، القاضي الدكتور عمر عبيد محمد الغول، إن تنامي ظاهرة الجرائم المعلوماتية عبر الوطنية، وتخطي آثارها حدود الدول، أفرز جملة من التحديات القانونية تجسدت في المقام الأول في بعض الصعوبات والعقبات التي تواجه الأجهزة القضائية والأمنية في سبيل مباشرة بعض الإجراءات عبر الحدود، مثل المعاينة والتفتيش والضبط في نطاق البيئة الافتراضية، بالإضافة إلى مشكلة تنازع الاختصاص بصدد هذه الجرائم، باعتبار أن آثارها تتجاوز حدود الدول، الأمر الذي يجعل الحلول الوطنية غير مجدية، وتظل مشوبة بالقصور.

وأشار الغول إلى أنه على الرغم من الجهود التي بُذِلت ولاتزال تُبذل، فإن هذه التحديات تبقى عصيّة على الحل في كثير من الأحيان، في غياب استراتيجية واضحة للتعامل مع هذه الطائفة من الجرائم ومرتكبيها، لاسيما في الدول التي لم تبادر بعد إلى تعديل تشريعاتها بما يكفل تجاوز القوالب القانونية التقليدية التي لم تعد تناسب هذا العصر.

وقال إن هناك تحديات تواجه مكافحة جرائم الإنترنت، مثل صعوبة تحديد مرتكب الجريمة في أغلب الحالات، وصعوبة تحديد النطاق الإقليمي للقانون الجنائي، موضحاً أن الإنترنت، كوسيلة لارتكاب الجرائم، يعد ظاهرة جديدة، تصعب مواجهتها بطرق تقليدية، إذ المنطق يقتضي أن تواجه الظاهرة غير التقليدية بحلول غير تقليدية كذلك، أو الركون إلى الحلول التقليدية، ولكن مع إضفاء قدر من المرونة عليها، بحيث يمكن عن طريقها مواجهة هذه الظاهرة الجديدة.

واعتبر الغول أن المشكلة الأساسية في جرائم الإنترنت تتمثل في ارتكابها عبر الحدود الوطنية، بحيث يمكن اعتبارها مرتكبة في عشرات الدول في الوقت نفسه، لذلك كان المهم اختيار القانون والقضاء الأكثر ملاءمة للنظر في الجريمة، أي ضرورة البحث عن تركيز أو توطين الجريمة في نطاق إقليمي معين، حتى تتسنى الملاحقة والمحاكمة دون احتجاج من دول أخرى، ولا شك أن التعاون الدولي في هذا المجال يعد اللبنة الأساسية لهذه المجابهة، فالاتفاقات الدولية، مع وضع الآليات لتنفيذها، هي وحدها التي يمكن أن تجابه هذا الإجرام الجديد.

ودعت الدراسة إلى إعادة النظر في قواعد الاختصاص الجنائي لتتلاءم مع الواقع الجديد الذي نعيشه، وعقد اتفاقات دولية لمعالجة السلبيات التي تنشأ عن تطبيق القوانين الوطنية على جرائم الإنترنت، ومنها تعدد القوانين والقانون الواجب التطبيق، وغيرها من المشكلات التي قد تظهر نتيجة استخدام هذه التقنية الحديثة.

وأكدت أهمية وجود تعاون عربي في هذا المجال، وذلك لتأهيل وتدريب العاملين في الجهات المختصة، وتبادل الخبرات للتصدي لجرائم الإنترنت وما ينشأ عنها من مشكلات عملية.

كما دعت الدراسة الدول العربية إلى إصدار تشريع عربي تحت مظلة جامعة الدول العربية، يتضمن الإجرام المعلوماتي وكيفية التصدي له، والجهة القضائية والقانون الواجب التطبيق الذي يخضع له مرتكب هذا النوع من الإجرام.

وأكدت أهمية التعاون الدولي والاتجاه نحو الوحدة القانونية الجنائية، والتنازل عن الأفكار التقليدية في ما يتعلق بتطبيق القانون الجنائي من حيث المكان، وإعادة صياغة مفهوم إقليم الدولة، وذلك عبر تجمع دولي يقود في النهاية إلى عولمة لمفهوم الإقليم على غرار العولمة الاقتصادية والسياسية، وعقد اتفاقات دولية تحت مظلة الأمم المتحدة للاعتراف بالقوة الإيجابية للأحكام الجنائية الأجنبية.

ونبهت الدراسة إلى أهمية التعاون الدولي، سواء بصفة جماعية أو ثنائية، لمواجهة هذا النوع من الجرائم، وذلك من خلال تطبيق نظام تسليم مرن للمجرمين، وجعل الاختصاص القانوني والقضائي للدولة الأكثر اتصالاً بالجريمة، وتفعيل الإنابات القضائية الدولية.

تويتر