مدمن يعرض تجربته مع المخدرات

محمد البلوشي يعرض تجربته حماية للشباب من مخاطر الآفة المسمومة. من المصدر

قرر مواطن عرض تجربته كمدمن ومروّج ومهرب مخدرات بلا خوف أو وجل، حتى يستفيد الشباب من قصته التي بدأت فصولها وهو زهرة يانعة على مقاعد الدراسة، لتنتهي خلف القضبان محكوم عليه بالمؤبد، ولم يتنسم الحرية إلا بعد أن تجاوز العقد الثالث من العمر، مؤكداً أن خروجه من السجن كان بمثابة الفصل الأخير لتراجيديا كتب فصولها شباب (قصّوا عليه) وهو طفل يافع، وتنكروا له وهو سجين لا حول له ولا قوة.

بدأ البلوشي حديثه قائلاً: "أنا لا أخش  سوى الله سبحانه وتعالى، وإذا كنت شجاعاً في الباطل، فلن أكون جباناً في الحق، لابد أن أروي رحلتي مع المخدرات، كيف بدأت كمدمن، وإلى أين انتهت"، "نشأت في كنف أسرة كبيرة، يحفظ أغلب أفرادها القرآن كاملاً، وبالرغم من ذلك تعرفت إلى أصدقاء السوء وأنا في الثالثة عشرة من العمر داخل أسوار المدرسة، حيث بدأنا خطوات الانحراف الأولى بتجربة التدخين، والتسيب من الدراسة بالقفز من الأسوار العالية دون وعي أو إدراك بأن هذا السلوك هو بداية النهاية المؤلمة".

وأضاف "مع بداية العام الدراسي، وعندما كنت طالباً في الصف الأول الإعدادي بلغ التحدي بيني وبين أصدقاء السوء ذروته، عندما خيروني بصورة شيطانية باطلة  بين أمرين، إما أن تكون رجلاً وتثبت رجولتك من خلال تعاطي المخدرات، وإما أن تعود إلى حجر أمك وتجلس كالنساء، فقبلت التحدي، وبدأنا نتعاطى العقاقير الطبية كمرحلة أولى من مراحل الضياع، حيث كنا نفتعل الهموم لكي نجد مبرراً للتعاطي، إذا لم يوفر لك أهلك  أقل طلباتك،  فتلك قضية رأي عام ولابد من مناقشتها مع الأصدقاء، ومن ثم إضافتها إلى قائمة الهموم التي تدفعك إلى التعاطي، مع أن واقع الأمر ليس كذلك، فالأهل لا يقصرون في شيء، ولكن لابد من افتعال مشكلة آنية حتى لا نشعر بالذنب ونتمادى في التعاطي".

وأوضح البلوشي خلال حديثه أن أهله أقدموا على تزويجه عندما بلغ الرابعة عشرة من العمر ظناً منهم بأن الزواج قد يسهم في استقراره، ويرغمه على تحمل المسؤولية، ولكن للأسف كان الأوان قد فات، لا سيما أن العلاقة بين أقرانه وبين هذه الآفة تتطورت خلال فترة وجيزة  ليتحولوا جميعاً من متعاطين إلى مروجين أيضاً، ما اضطره إلى ترك مقاعد الدراسة غير آبه بالعواقب الوخيمة حسب قوله: "كنت مفتوناً  بالفكرة الإجرامية حتى آخر نفس، خصوصاً أن المروجين من الشباب كانوا يعيشون حياة كلها ترف وملذات، يمتلكون جميع وسائل الترفيه من سيارات فارهة، ومقتنيات ليست في متناول الجميع، فقررنا تجاوز هذه المرحلة إلى أخرى متقدمة نوعاً ما، لاسيما أن الشباب "قصّوا علينا" حينما أكدوا لنا أن الترويج أمر عادي، وحتى مسألة الضبط من قبل الشرطة لا تخيفهم بل يعتبرونها رجولة، بالفعل كانوا يرددون  في أغلب الأوقات مقولة "السجن للرجال، والجبان مكانه حضن أمه"، ولكي نثبت رجولتنا دخلنا عالم الترويج من أوسع أبوابه، كما بدأنا ونحن في قمة فقدان الوعي، نتخيل مواقف بطولية وهمية نؤكد من خلالها لأنفسنا أننا أفضل الناس، وأشجع الرجال، ما دفعني إلى ارتكاب مغامرة أكبر من الترويج، ألا وهي السفر إلى أماكن زراعة المخدرات وتصنيعها، ومن هناك تعلمت طرق التهريب إلى دولة الإمارات وأساليب إخفائها وترويجها، علماً بأن أغلب الكميات الكبيرة التي كنت أقوم بتهريبها إلى الإمارات لم تكن للاستعمال داخل الدولة، بل كانت ترسل إلى دول مجاورة.

وكان البلوشي كما أوضح من عشاق المغامرات، كما كان ملماً بالطرق الجبلية الوعرة كافة، قائلاً "كنت أستخدم وسائل مواصلات مختلفة للتهريب، وكان التهريب عادة ما يكون بكميات ضخمة لحساب كبار التجار، وبعد فترة وجيزة أصبح لدي زبائن وخبرة كافية، وبما أن عالم المخدرات بلا أخلاق مهنية تحولت من مهرب إلى تاجر ما أثار حفيظة أحد التجار الآسيويين الذين كنت أعمل لحسابهم، ومثلما (قصّ علَيْ) بعض الشباب وزين لي عالم المخدرات، يرى غيري من الضحايا بأنني (قصيت) عليه كذلك عندما بعته حفنة من المخدرات، علماً بأنني تحولت  خلال هذه الفترة إلى مدمن هيروين ، بعد أن بدأت مشروع تهريب هذا النوع من المخدرات بكميات تجارية  بغرض البيع والاستعمال الشخصي، كما كنت اختار الأسماء الرنانة كهيروين صباح الخير، ومساء السعادة، إلى آخره من هذه الأسماء".

من جانب آخر يؤكد البلوشي أن الشعور بالذنب يراود المتعاطين من حين إلى آخر، ولكن  دون أن يكون هناك أي رد فعل، وبدلاً من التوقف، يتعاطى المدمن من جديد منعاً لهذا الشعور، خصوصاً أن الإدمان يجعل المدمن يعيش في عالم آخر لا يشعر فيه بالمكان أو الزمان، ولا بمن حوله من الناس، باستثناء رفقاء السوء، موضحاً أنهم كانوا يستخدمون صغار المدمنين الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة عشرة والثامنة عشرة لتهريب المخدرات داخل أجسادهم من بلد المصدر عبر المطارات مقابل تحمل مصاريف سفرهم، وإعطائهم كمية قليلة من المخدرات لكي يعودوا إليهم مرة أخرى كنوع من الابتزاز، مضيفاً أن تجار المخدرات لا ضمير لهم، ولا أخلاق، كما أنهم لا يعرفون سوى المثل القائل: "أنا ومن بعدي الطوفان"، لهذا السبب كنت ضحية انتقام أحد التجار الذين كنت أعمل لحسابهم، وعندما عرف أنني أصبحت تاجراً مثله، ولم أعد بحاجة إليه، وجه إليّ صفعة قوية وأبلغ المخبر السري عني، حدث ذلك  بعد مرور 3 سنوات على دخولي في مجال التهريب، وبالرغم من جميع الاحتياطات، إلا أن القدر كان يتربص ليوقعني في قبضة الشرطة، وفي تلك اللحظة المرعبة  تأكدت أن عالم المخدرات لا أمان له، وأن من غدرت به يوماً لابد أن يعاملك بالمثل.

ويستطرد البلوشي موضحاً كيف التفّت اليد الطويلة حول عنقه، وذلك بقوله: "أبلغ التاجر المذكور المخبر السري عن نشاطي، فجاء الأخير طالباً 50 كيلوغراماً من الحشيش فوافقت على الفور غير أن الشك بدأ يراودني، ما دفعني إلى القيام بالعديد من المناورات حتى لا أقع في قبضة الشرطة، آخرها كان تغيير مكان التسليم من الفندق إلى المطار، وهناك حكم القدر، حيث أدركت أن القدر عندما يحكم يكون أمره نافذاً، مهما كانت درجة ذكائك ولابد أن  تواجه مصيرك المحتوم، بالفعل وقعت في قبضة الشرطة، التي استعانت بعناصر مكافحة المخدرات التابعة للمطار لحظة التسليم، وتم نقلي إلى التحقيق حيث حاولت  بشتى الوسائل إنكار التهمة، ولكن الأدلة كانت ثابتة فحكم عليّ بالسجن المؤبد، وتم تخفيضها إلى 15 عاماً بعد الاستئناف، وقد شعرت خلال هذه الفترة  بفقدان الأمل، ما دفعني إلى القيام بمحاولة انتحار فاشلة فقد تم إسعافي داخل السجن.

حكايات وقصص خلف القضبان، تجار ومهربين، ومدمنين جمعتهم الأقدار، وفرقت بينهم الأحكام التي تراوحت بين المؤبد، والأربع سنوات، وبالرغم من ذلك نِشأت بينهم علاقة حميمة كان محورها يدور حول كيفية التأقلم مع الوضع الراهن، الأمر الذي دفع رجلاً مسناً تجاوز الخامسة والثمانين من عمره إلى نصح  البلوشي عقب محاولة الانتحار بأن ينسى نفسه، وأن يسقط عائلته من حساباته حتى يحافظ على ما تبقى لديه من عقل، حول هذا النصيحة يقول: لاقت هذه النصيحة هوى في نفسي فقطعت الاتصال بالأهل، ومنعتهم من زيارتي، كما بدأت افتعل المشاكل مع السجناء والسجّانين، بالإضافة إلى الهروب من الواقع، وفي الوقت نفسه بدأت تدوين قصص وحكايات، وتجارب المدمنين، وإرسالها إلى الصحف، ومن بينها صفحة "شباب الخليج"، كما كنت أقدم النصح للشباب عبر تلك الصحف بضرورة الابتعاد عن هذا العالم المظلم؛ وقد لاقت كتاباتي صدى واسعاً بين الشباب، لا سيما أنني كمجرب كنت أؤكد أن التعاطي أوله لذة وآخره ندم؛ فلا تكن عبداً للمخدرات.

وكانت الكتابة في الصحف نقطة التحول التي أسهمت في تغيير حياة البلوشي من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وذلك حينما سأل نفسه ذات مرة "أنت تقدم النصح للآخرين فلماذا لا تبدأ بنفسك، وكيف تكون كالشعراء الذين يقولون ما لا يفعلون" هذا السؤال كان نقطة التحول من الانحراف إلى سواء السبيل، لهذا تحسنت علاقته بإدارة المؤسسة العقابية والإصلاحية، كما بدأ ينظم الفعاليات، ويشارك في جميع المناسبات كاليوم الوطني وغيره من المناسبات، خاصة أن إدارة السجن وفرت له جميع المستلزمات من أقلام وأوراق، كما أصبحت لديه زاوية ثابتة في صحيفة "الخليج" تحت عنوان "من خلف القضبان" بالإضافة إلى ذلك حفظ البلوشي القرآن، وتحول من طالب إلى محفظ بعد نجاحه في امتحان حفظ القرآن، وبعد أشهر قليلة تم الإفراج عنه بعفو شمل  حافظي القرآن.

من جانب آخر لم يكن خروجه من السجن الفصل الأخير من فصول آلامه، ومتاعبه موضحاً "خرجت من السجن بلا سند من الأبناء أو الأهل،  مكسور الخاطر، ضعيف البنية، حيث كنت أعتمد على العصائر نتيجة للأعراض الإنسحابية الناجمة عن إدمان المخدرات، ولكن ظهوري في الصحف أسهم في تأمين مصدر دخل بسيط، علماً بأنني عدت إلى منزل والدي خالي الوفاض، وبالرغم من ما كسبته من ملايين، فالحرام  يذهب من حيث أتى، وبالرغم من ذلك قررت أن أبدأ حياة شريفة فدخلت في مجال العقارات، ولكن لم أنجح في هذا المجال، كما فشلت أيضاً في مجالات أخرى لعدم وجود رأس المال، مما دفعني إلى العودة مرة أخرى للتعاطي، ولكن عدت إلى رشدي بعد شهرين وتعالجت من الأعراض الانسحابية، وقررت التوقف نهائياً لاسيما أن جميع رفقاء السوء إما توفوا بجرعة زائدة، أو انتحروا، ولم يتبقَ منا سوى اثنين، أنا وشخص آخر، فالمخدرات هي مثلث الرعب إما سجن أو موت، أو انتحار، والآن أعيش حياة طبيعية خالية من السموم والهموم، باستثناء هَم البحث عن وظيفة شريفة لتأمين احتياجاتي اليومية.

 يختتم البلوشي حكايته الممهورة بالألم مؤكداً أن حملة وزارة الداخلية "قصّوا علَيْ" لها مردود طيب، ولكن الأهم من ذلك كله إيجاد وظائف للتائبين عن الإدمان حتى لا يعودوا مرة أخرى إما بسبب الفراغ، أو الحاجة إلى المال، لافتاً إلى أنه يمكن الاستفادة منهم كمرشدين، أو موجهين للموقوفين بجريمة التعاطي لتوعيتهم بمضار المخدرات، والنهاية المحتومة لهذا الطريق الوعر.
 

تويتر