أخطاء متوفين في بعض الحوادث تثير شبهات الانتحار

«عنصر المفاجأة» يعفي ‬29 سائقاً من مسؤولية حوادث دهس

قال رئيس نيابة السير والمرور في دبي المستشار صلاح بوفروشة الفلاسي لـ«الإمارات اليوم»، إن «تحقيقات نيابة السير في عدد من حوادث الدهس أثبتت خطأ المتوفي»، مشيراً إلى أن النيابة لم تحرك الدعوى ضد ‬29 سائقاً خلال عام ‬2011 بعد ثبوت عدم مسؤوليتهم عن تلك الحوادث، لافتاً إلى أنه ثبت من خلال التحقيقات وتحريات الشرطة في إحدى القضايا التي تعامل معها أن المدهوس قصد الانتحار، ما يثير الشبهات في بعض الحالات.

وكان شاب من دولة آسيوية ألقى بنفسه من أعلى جسر في شارع الشيخ زايد، أخيراً، محاولاً الانتحار، ما أثار علامات استفهام حول مسؤولية كل من السائق وعابر الطريق في حوادث الدهس، وكيفية تحديد ما إذا كان المدهوس قصد الانتحار أو أخطأ في العبور.

وأضاف الفلاسي لـ«الإمارات اليوم»، أن هناك جوانب يتعين أن تكون واضحة للجميع، وهي أن المسؤولية لا تسقط عن السائق حتى إن كان المدهوس قاصداً الانتحار، بل تدرس النيابة احتمالات قدرة السائق على تفاديه، ومدى استعداده للتعامل مع عنصر المفاجأة، وفي حال تيقنت من أنها حالة انتحار حقيقية، وأن السائق لم يكن بإمكانه تفادي المنتحر فإنها لا تحرك الدعوى ضده.

وأشار إلى أن النيابة لم تحرك الدعوى ضد سائقين في ‬29 حالة خلال عام ‬2011 بعد ثبوت عدم مسؤوليتهم عن هذه الحوادث، لافتاً إلى أن «حالة الشاب الذي رمى بنفسه من أعلى الجسر تعد نموذجاً من الحوادث الصعبة، التي يمكن أن يتوافر فيها عنصر المفاجأة حال تعرضه للدهس، لأن السائق لا يمكنه توقع سقوط شخص من أعلى».

شبهات الانتحار

شركات التأمين

قال المستشار صلاح بوفروشة الفلاسي، إن هناك حالات لا يموت فيها الشخص، ويتبين أنه قصد الانتحار، فيحال إلى المحكمة بتهمة الشروع في قتل نفسه. وأضاف أن نيابة السير تتواصل مع شركات التأمين فور وقوع الحادث وحين تحال القضية إلى المحكمة وبعد النطق في الحكم، حفاظاً على حقوق جميع الأطراف.

وأشار إلى أن عقوبة مرتكب حادث الوفاة الحبس مدة تصل إلى ثلاث سنوات، حسب عدد حالات الوفاة، وغرامة لا تزيد على ‬30 ألف درهم، وإيقاف رخصة القيادة مدة تصل إلى سنة، والحرمان من إصدار رخصة قيادة لفترات متفاوتة، والإبعاد في حالات معينة.

وأوضح الفلاسي أنه تعامل شخصياً مع حادث دهس تبين من خلال البحث والتحري أنه حالة انتحار، ولم تحرك دعوى ضد السائق، مشيراً إلى أن الواقعة بدأت حين أحيل إلى النيابة ملف حادث دهس شخص تحت عجلات شاحنة.

وشرح أن تحريات مركز شرطة بر دبي توصلت إلى أن شخصاً آخر هرب من موقع الحادث، وتم التوصل إليه من خلال التحقيقات، وإفادات أصدقاء المتوفى وزملائه في المسكن. وقد أقرّ بأنه كان يخطط للانتحار مع صديقه، لكنه خاف وتراجع في اللحظة الأخيرة، فيما رمى الآخر نفسه ومات فوراً في الموقع، مشيراً إلى توجيه تهمة الشروع في الانتحار إليه، وعدم تحريك دعوى قضائية ضد السائق، بعد أن تبين حدوث خطأ من جانب الشخص المدهوس وتعمده إلقاء نفسه أمام المركبة، كما ترك دليلاً على رغبته في الانتحار وهو صديقه الذي تراجع عن الاتفاق بينهما.

وتابع أن السائق المتسبب في حادث الدهس يقول للنيابة في بعض الحالات، إن المدهوس هو الذي رمى بنفسه أمامي، مؤكداً أن «النيابة لا تبني الدعوى على مجرد أقوال، لكنها تدقق في كل الجوانب، مستعينة بتخطيط خبراء الحوادث في الإدارة العامة للمرور في شرطة دبي، والتقارير الفنية الموثقة بإفادات الشهود، وتسجيلات الكاميرات، وغيرها من الأدلة التي تدرسها بشكل متأن، لأنها متعلقة بحقوق الناس وأرواحهم، وتبحث في خطأ كل طرف، وتتخذ إجراءاتها بناء على نتيجة التحقيقات، سواء بتحريك دعوى ضد السائق أم عدم تحريكها».

عنصر المفاجأة

وأكد الفلاسي أن عنصر المفاجأة من أهم العوامل التي تنتبه إليها النيابة عند التحقيق، وهناك التزام قانوني على السائق بضرورة الانتباه إلى حالة الطريق، ومراعاة عنصر المفاجأة، لأن من الوارد أن يصادفه انحراف مفاجئ من سيارة أخرى بسبب نوم سائقها، أو غفلته، أو انشغاله بحديث في الهاتف، أو ربما يمرّ عابر مخمور من أمامه، لافتاً إلى أن «كل هذه حالات واردة، وتحدث كثيراً، وتحقق فيها النيابة دائماً، وتنظر ما إذا كان بإمكان السائق المتسبب التعامل مع عنصر المفاجأة من عدمه».

وشرح مسؤولية كل طرف من خلال حادث حقق فيه أخيراً، مبيناً أن شخصاً عبر طريق الشيخ محمد بن زايد، واستطاع الوصول إلى المسرب الثالث لكن سيارة دهسته وقذفته إلى الأعلى، فسقط في المسرب الرابع، ودهسته سيارة أخرى، ومات على الفور.

وفسر أن سائق المركبة الأولى أنكر مسؤوليته عن وفاة الرجل وقال إنه مات تحت عجلات المركبة الثانية، لكن النيابة فحصت الواقعة بشكل متأن مستندة إلى تخطيط حادث السير بواسطة خبراء المرور وشهود العيان، وخلصت إلى نتيجة واضحة وهي عدم انتباه السائق الأول وتحميله جزءاً من المسؤولية وعدم تحريك دعوى قضائية ضد السائق الثاني، لأنه لم يتخيل سقوط شخص أمامه بهذه الطريقة.

وأشار الفلاسي إلى أن النيابة تدرك جيداً أهمية هذه المسألة، خصوصاً في ظل تكرار حوادث الدهس، لافتاً إلى أن هناك مؤشرات تدل على مسؤولية الداهس أو المدهوس مثل التزام الشخص بالعبور من المناطق المخصصة للمشاة أثناء تحول الإشارة إلى اللون الاخضر، فإذا تعرض لحادث دهس في هذه الحالة فإن السائق يتحمل المسؤولية كاملة. وتابع أنه في حال السير في منطقة سكنية يفترض أن يلتزم السائق بسرعة الطريق في ظل وجود بيوت يمكن أن يخرج منها أطفال أو أشخاص يقودون دراجات هوائية، لافتاً إلى أن سرعة بعض الشوارع تكون ‬40 كيلومتراً في الساعة ويقع حادث دهس، فيقول السائق إنه كان يسير على سرعة ‬60 على اعتبار أن هذا هو الحد الأقصى لعدم المخالفة، لكن لا يدرك أن الوضع يختلف عند وقوع الحادث، لأن السائق في هذه الحالة لم يراع حالة الشارع، وفي حال إثبات أنه تصرف بنوع من الإهمال فمن الوارد أن تحيله النيابة بتهمة القتل الخطأ.

وضوح الرؤية

وأكد الفلاسي أن من العوامل التي تنظر إليها النيابة حالة الطريق من حيث الإضاءة ووضوح الرؤية، لتحديد درجة انتباه السائق إذا كان الشخص الذي تعرض للدهس ارتكب خطأ مشتركاً، لافتاً إلى أن هناك حالات يكون الخطأ من المدهوس لكن في المقابل لا يكون هناك أي رد فعل من السائق، فلا يحاول تهدئة السرعة أو تفادي العابر، ما يدل على أنه لم يكن منتبهاً حين وقع الحادث.

وذكر أنه لا توجد مطالبات مادية إذا ثبت عدم مسؤولية السائق سواء سجلت الواقعة انتحاراً أو تحمل المدهوس الخطأ بمفرده، مبيناً أن على السائقين إدراك حجم مسؤوليتهم على الطريق، لأن فئة منهم للأسف ليس لديها إحساس الطريق، فيتصرفون بطريقة كارثية حين يتعرضون لمفاجأة، لذا تنبه النيابة دائما إلى ضرورة الانتباه وعدم الانشغال بغير الطريق أثناء القيادة.

ورأى رئيس نيابة السير والمرور أنه ليس من الضروري أن تكون الدية الشرعية ‬200 ألف درهم، رغم أن النص القانوني يتضمن ذلك، إذ تحددها المحكمة وفق ظروف الواقعة وعدد حالات الوفاة، مشيراً إلى أن المحكمة قضت بـ‬50 ألفاً فقط في بعض الحالات، و‬100 ألف في حالات أخرى رأت أن المسؤولية كانت مشتركة من الطرفين. ولفت إلى أنه في حال قررت النيابة عدم مسؤولية السائق الذي قام بالدهس ولم تحرك ضده دعوى قضائية، يحق للطرف الآخر أن يعترض على قرار النيابة أمام النائب العام أو محكمة السير، مؤكداً أن النيابة لا تصل إلى قرار إلا بعد دراسة مستفيضة وتحقيق دقيق.

هاجس للجهات المعنية

وأكد بوفروشة أن حوادث الدهس باتت تمثل هاجساً للجهات المعنية، إذ تصدرت مخالفة عدم تقدير مستعملي الطريق من المارة قائمة الأسباب المؤدية إلى وقوع حوادث بليغة خلال العام الماضي، بواقع ‬301 حادثاً، أسفرت عن وفاة ‬40 شخصا وإصابة ‬314 شخصا، من بينهم ‬42 أصيبوا بإصابات بليغة و‬97 متوسطة و‬135 بسيطة، فيما سجلت الإدارة العامة للمرور في شرطة دبي نحو ‬41 ألف مخالفة لأشخاص لم يلتزموا بالعبور من المناطق المخصصة للمشاة. ولفت إلى أن عدد المخالفات مثير للقلق، ويعكس أن أضعاف هؤلاء عبروا الطرق بشكل مخالف، لكن هذا في حدّ ذاته مؤشر إلى أهمية انتباه السائقين إلى الطريق، حتى لا يفاجئهم أحد هؤلاء ويكون السائق عرضة لارتكاب حادث بسبب عدم انتباهه أو إهماله حتى لو كان المدهوس مخالفاً. وأكمل أن هناك شكوى من السائقين على الطرق السريعة، مثل شارع الشيخ محمد بن زايد، أو الإمارات، من صعوبة تفادي شخص قرر العبور من طريق سرعته ‬140 كيلومتراً، ويتكون من خمسة مسارات أو أكثر، معتبراً أن هذا بلاشك ظرف استثنائي وصعب، لكن من المهم أن يتوقع السائق أي شيء أثناء القيادة. وأشار إلى أن هناك خللاً بالتأكيد في الثقافة المرورية لدى فئة من العمال البسطاء التي لا تدرك خطورة تصرفاتها، وتعتقد أن السائق يستطيع التحكم في هذه المركبة ويوقفها بالإشارة، وهؤلاء يحتاجون إلى تثقيف في ما يتعلق بطريقة العبور وتوقيته، والأماكن المناسبة.

تويتر