«دراسة» تؤكد أن غياب الرقابة أبرز الأسباب.. والجريمة مصحوبة بالتهديد والإغواء أو الضرب والاعتداء

«الحدّ من الجريمة»: ثلثا المتحرشين بــالأطفال من القائمين على رعايتهم

صورة

كشفت دراسة أعدتها إدارة الحد من الجريمة في الإدارة العامة للتحريات والمباحث الجنائية في شرطة دبي، حول التحرش الجنسي بالأطفال، أن الطفل يكون عرضة للتحرش في سن صغيرة تبدأ من عامين كما أن ثلثي المتحرشين يكونون أقرب من يتولون رعايته مثل المربية والسائق والخادم والمراهقين والجيران والأقارب، وأن غياب الرقابة الأسرية أبرز أسباب الجريمة، وهي مصحوبة بالتهديد والإغواء أو الضرب والاعتداء.

واعتمدت الدراسة على بعض الحقائق العالمية أهمها أن ‬33٪ من حالات التحرش تحدث في إطار العائلة، وثماني حالات تحرش يرتكبها المتهم قبل ضبطه، وثلثي الحالات تحدث أثناء رعاية الأطفال، و‬75٪ من المعتدين معروفون للضحية، سواء كانوا أقارب أو خدماً.

وأشارت الدراسة التي اعتمدت على عينات من الأسر والخبراء الاجتماعيين وسجلات ورجال الشرطة، إلى أن «الطفل من سن خمسة إلى ‬12 عاماً يكون عرضة للتحرش من كل من يختلط بهم دون رقابة من الأسرة.

وقال مدير إدارة الحد من الجريمة، العقيد أحمد ثاني بن غليطة، إن «الدراسة تركز على حقائق مهمة، منها أن الطفل الذي يتعرض لهذه الجريمة يتحول في حالات كثيرة إلى متحرش بغيره، وإن لم تنكشف ميوله الجنسية، كما يصاب بما يعرف علمياً باسم «الإفاقة الجنسية المبكرة»، فتتضاعف رغباته في سن صغيرة».

وأشارت الدراسة إلى أن أهم عوامل انتشار ظاهرة التحرش الجنسي بالأطفال غياب الرقابة من جانب الأبوين، وعرض مشاهد الجنس في الإعلام بصوره وأشكاله، والثقة الزائدة ببعض المقربين للطفل من الخدم أو الأقرباء، وعدم تثقيف الأطفال وتوعيتهم وخوف الطفل من إبلاغ أبويه .

ولفتت إلى أن من العوامل كذلك غياب الوازع الديني أو الخلقي، وخوف الأسرة من الفضيحة أوالإبلاغ عن مثل هذه الجرائم، ما يشجع الجاني على تكرار جريمته، فضلاً عن عدم تطور اللوائح القانونية في بعض الأماكن لمتابعة شكل هذه الجريمة وتقييمها».

وأوضحت الدراسة أن التحرش الجنسي لا يستهدف أو يزيد لدى جنسية بعينها، لكن تتعرض له جميع الجنسيات في الدولة، وتختلف النسبة من مجتمع لآخر، حسب درجة الوعي، كما أنه لا يميز بين نوع، وإن كانت الإحصاءات تفيد بأن الإناث أكثر تعرضاً، ولا يرتبط الأمر بالمستوى الاقتصادي أو الاجتماعي للأسر.

ملاطفة جسدية

دراسة ميدانية

كشفت دراسة ميدانية موازية أجراها مدير إدارة التوعية الأمنية في شرطة دبي، شملت ‬110 أسر مواطنة، و‬20 طبيباً، و‬17 أخصائياً اجتماعياً، و‬65 رجل شرطة، أن أكثر من ‬77.3٪ من الأسر الإماراتية لديها خدم في المنزل، وأن ‬54.6 ٪ لديهم أكثر من خادمة. وأشارت إلى أن ‬22.7٪ لديهم سائق أو طباخ أو مزارع، و‬84.5٪ من الأسر ممتدة أي يوجد أقارب يعيشون في المنزل نفسه.

وأوضحت أن أغلبية الأسر الإماراتية بنسبة ‬80.4٪ تعتمد على الخدم المربيات بشكل واضح ورئيس، وثلثاها بنسبة ‬63٪ تشرك الأقارب بشكل واضح في رعاية الأطفال.

وكشفت أن هناك أشكالاً كثيرة للتحرش الجنسي، منها ملامسة أو ملاطفة جسدية مباشرة، وكشف الأعضاء التناسلية، ودفع الطفل إلى لمسها، والتلصص على الطفل لرؤية جسده ولمسه أو تصويره، ومنها كذلك عرض صور ومواد إباحية أمام الطفل وأعنفها الاعتداء عليه.

وأوضح بن غليطة أن المعتدي يلجأ إلى أساليب معينة للسيطرة على ضحيته منها تخويفه وتهديده بالضرب أو بذبح شقيقه الصغير أو ترهيبه برد فعل والده إذا علم أنه تورط في تصرف مثل هذا.

وأشار إلى أن هناك معتدين يلجأون إلى استدراج الطفل بالحيلة، مثل إخراج صورة أو فيلم إباحي له ويطلب منه (ذكر أو أنثى) تقليد المشهد الذي يراه، لافتاً إلى أن من الأساليب أيضاً إقناع الطفل بأنه مسؤول عن ما حدث مثل القول إنه لو كان مؤدباً ما فعل ذلك، وأنها هي التي بدأت بلمسه أولاً.

وشملت الأساليب التي عرضتها الدراسة قيام المتحرش بإقناع الطفل بمساعدته، مثل طلب إرشاده إلى منزل شخص ما، أو نقل صناديق من السيارة، أو مشاركته اللعبة التي يمارسها، موضحة أن «المتحرشين يلجأون أحياناً إلى إدعاء الوحدة والخوف، ويطلبون من الطفل مؤانستهم واحتضانهم والجلوس معهم».

وكشفت أن التحرش يبدأ بالاستدراج من خلال التودد والملاطفة واستخدام الهدايا والرشوة، ثم الاختلاء بالطفل في مكان بعيد عن عيون الناس، ومداعبته حتى يصل إلى مرحلة يمكن استغلاله فيها جنسياً.

ضيق ونفور

وأفادت بأن الطفل يكره ما يفعله المتحرش، ويشعر بالضيق والنفور، ويرفض تكرار ذلك، خصوصا إذا كان المتحرشون من الأقارب، فيلجأ المجرم إلى ترهيبه بإفشاء السر أو تهديده بالاعتداء والتوقف عن حبه وعدم أخذه إلى أماكن يحبها.

وأكدت الدراسة أن الاعتداء يتم عادة بسرية تامة، إذ يلجأ المعتدون إلى إقناع وترهيب الأطفال بضرورة إخفاء الموضوع وعدم الكشف عنه، ونادراً ما يلجأ المعتدي إلى استخدام القوة مع الضحية حتى لا يترك آثاراً.

ولفتت إلى أن هناك أعراضاً للتحرش الجنسية منها الحكة في منطقة الرقبة أو في الأماكن الحساسة، وظهور رائحة أو إفراز غير طبيعي من المناطق الحساسة، ووجود ملابس داخلية ممزقة أو ملطخة بالدماء والشعور بألم يصاحب استخدام دورة المياه (أثناء الجلوس أو المشي)، ووجود دم مع التبرز أو التبول وإصابات في المنطقة الحساسة.

ويتبع أعراض التحرش الجنسي قضم الأظافر والتقيؤ والحمــل في بعض الحالات، ومن أبرز الدلائل التي قدمتها الدراسة محاكاة الأفعال الجنســية، خصوصاً الفموية منها، وزيادة معرفة الطفل عن الجنـــس ورسم إيحاءات جنسية عند الرسم أو الكتابة، والتصرف بطريقة جنسية مع الأطفال الآخرين أو البالغين.

ومن أعراضه كذلك الخوف أو رفض الذهاب إلى الوالدين أو الأصدقاء والأقارب من دون سبب واضح، وتغير السلوك تجاه شخص معين في الأسرة، وتجنب الوجود معه في المكان نفسه، وعدم الثقة بالنفس أو الآخر والعدوانية والانطواء ورفض خلع الملابس أو الاستحمام والكوابيس والعناد والحاجة إلى الاهتمام والعاطفة أكثر واضطرابات في الأكل ومحاولة التحرش بأطفال آخرين، وتدني المستوى التعليمي، وإهمال الذات والمظهر وتصل في بعض حالات الأطفال الأكبر سناً إلى إيذاء النفس ومحاولة الانتحار.

 سجلات الأطباء

واعتمدت الدراسة على حالات واقعية من سجلات الأطباء النفسيين والشرطة والنيابة العامة، منها تعرض فتاة في ليلة زفافها إلى حالة هستيرية، بسبب تعرضها للتحرش عندما كانت طفلة.

وحالة طفل ينام مع والديه في سريرهما لمدة سنتين بعد تعرضه لتحرش من قبل أحد الخدم، وشاب يكره عمه بسبب تعرضه للتحرش منه وهو طفل.

وشملت الحالات التي عرضتها الدراسة حالة طفل مواطن عاد إلى منزله وكان يبصق باستمرار، فسألته الخادمة عن ذلك، فأجاب بأن السائق قبلّه من فمه، وعند عودة والدته من العمل، طلب منها أن يسر لها أمراً في أُذنيها، فأخبرها بأن المتهم أخرج له عضوه التناسلي، وتحسس جسده وقبّله، وقضت المحكمة بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الإبعاد.

وتضمنت حادثة أخرى وقعت في متجر خاص بأدوات التدليك، حين اصطحبت أسرة طفلتها التي لم تتم الـ‬14 عاماً من عمرها، وفي أثناء انشغال الأهل بتفحص الأجهزة، اقترب البائع من الطفلة وأخذ يتحسس أجزاءً من جسدها والضغط عليها، وكلما حاولت الفرار منه أخفقت في ذلك، وعند الوصول إلى المنزل كانت المجني عليها ترتعد من الخوف والبكاء، فصارحت والدتها بما حدث، فحُكم عليه بالحبس عاماً مع الإبعاد.

وطفلة أخرى لا يتعدى عمرها تسع سنوات حملت سفاحاً من ابن عمها الذي اغتصبها أثناء غياب ذويها، واكتشفت والدتها حملها مصادفة، عندما شكت من آلام حادة في البطن، وعند عرضها على الطبيب أكد أنها تعاني آلام الحمل، الأمر الذي خلّف صــدمة عميقة لدى ذويها الذين اكتشفوا لاحقاً أن ابن عمها اعتاد ممارسة الجنس معها في أثناء غياب والدتها، وابتعاد والدها عن المنزل بسبب ظروف عمله.

ومن الحالات كذلك قضية طفلة قام مندوب مبيعات بهتك عرضها في منزلها، مستغلاً انشغال والديها بتجربة جهاز يبيعه للأسرة، وحكم عليه بالسجن والإبعاد.

تدليك

وتتكرر كذلك حالات التحرش من جانب العمال في متاجر البقالة التي توجد أسفل المنازل، ومنها حالة طفلة تعرضت للتحرش في المصعد من جانب عامل، وعلم والدها مصادفة حين عرضت عليه ابنته سبع سنوات عمل مساج لها، وحين سألها، أين تعلمت ذلك أبلغته بأن عامل البقالة اعتاد تدليكها، وألقي القبض عليه بعد محاولة هروبه.

وقال مدير إدارة الحد من الجريمة، العقيد أحمد ثاني بن غليطة، إن «هناك سبلاً للوقاية يتعين على الأسر الالتزام بها، منها خطوات قبل وقوع الجريمة وتشمل تثقيف الطفل ببعض المعلومات البسيطة عن التحرش، وتعويده دخول الحمام منفرداً من دون مساعدة أحد، وتنبيهه إلى عدم مرافقة الغرباء أو الذهاب إلى أماكن بعيدة ومشبوهة، وإحاطته بالحب والرعاية، وتشجيعه دائما على الحديث عن أي شيء يتعرض له».

وأضاف أن الوقاية قبل الجريمة تشمل كذلك مراقبة غرف الدردشة الإلكترونية، ومعرفة أصدقائه الكبار، ومتابعتهم في المدرسة، وفحص أجسادهم بشكل مستمر، وملابسهم الداخلية وعدم ممارسة العلاقة الجنسية من جانب الوالدين أمامهم. وأشار إلى أن سبل الوقاية بعد الجريمة، عدم التكتم والتعتيم واعتباره نوعاً من العار حتى ينال المجرم جزاءه، ويعاقب بشكل رادع، لأن عقابه يعطي الضحية شعوراً بالأمان والاطمئنان، ويؤكد للطفل أنه ضحية وليس مذنباً، كما يجب مراقبة الطفل كذلك لاحقاً.

تويتر