قانونيون يطالبون بقسم لتلقي بلاغات الاعتداء عليهم.. ويؤكدون أن التحرش الافتــــراضي لا يقلّ فداحة عن الواقعي

التغرير بالأطفال عبر الإنترنت « هـــتك عرض بالإكراه »

أكد قانونيون لـ «الإمارات اليوم» أن الاستغلال الجنسي الإلكتروني للطفل لا يختلف عن الاعتداء عليه في الواقع، لافتين إلى أن «القانون يعتبر الجريمة، في الحالين، هتك عرض بالإكراه».

وطالبوا بتخصيص قسم لتلقي بلاغات الاعتداء على الأطفال في المحاكم، من دون أن ترد إلى مراكز الشرطة، وقبل انتقال الدعوى إلى المحكمة، لحماية خصوصية الطفل وعائلته.

كما دعوا الجهات المعنية في الدولة إلى التكاتف لتوعية الطلبة بمخاطر التسكع في الإنترنت، وحثّ الأسر على رقابة أطفالها، ومتابعتهم، خصوصاً من يستخدمون أجهزة تحتوي على إمكان الاتصال بالإنترنت، محذرين من أن واقع الجرائم التي حدثت كشف غفلة أهالي الضحايا عن أبنائهم.

وكانت الإمارات قد شهدت تزايداً في حالات التحرش الجنسي بالأطفال عبر الإنترنت، خلال السنوات الأخيرة، ترافق مع زيادة انتشار وسائل الاتصال الحديثة والهواتف الذكية فيها. وسنت الدولة تشريعات تجرم هذا السلوك، واتخذت إجراءات تهدف إلى تحصين الأطفال، وحمايتهم، والحيلولة دون وقوعهم ضحايا لهذا النوع من الجرائم.

وتفصيلاً، قال مدير معهد دبي القضائي، القاضي الدكتور جمال السميطي، إن الاستغلال الجنسي الإلكتروني للطفل لا يقلل من فداحة الجريمة، لأنه لا يختلف عن الاعتداء عليه في الواقع، لافتاً إلى أن «الجريمة واحدة». وشرح أنه «حتى في حال اختلفت الوسيلة التي استخدمها الجاني للتغرير بالطفل، يكون الفعل الناتج في النهاية واحداً، ويجرمه القانون، وهو هتك العرض بالإكراه».

وأوضح أنه في السابق كانت الوسائل تقليدية في استغلال الأطفال، كلقاء في مركز تجاري، أو عند المدارس، لكن الوضع اليوم اختلف كثيراً في ظل الطفرة المعلوماتية، إذ يبدأ اللقاء بين الجاني والضحية (الطفل) في وسيلة تواصل اجتماعي، مثل «فيس بوك» وبعدها يستدرجه الجاني، ويبتزه، مضيفاً أن «ضعف الإدراك لدى الطفل، وعدم قدرته على التمييز يجعلان ابتزازه والتغرير به سهلاً، لأن أجهزة الاتصال بالإنترنت تقدم بيئة سهلة للجرائم الموجهة ضده بسبب صعوبة وقوعها تحت رقابة الأسرة».

تهديد طفل

سجلت محاكم دبي قضايا استغلال جنسي ضدّ الأطفال عبر الاتصال الإلكتروني، من أشهرها قضية استغلال موظف لطفل لم يبلغ الـ14 من عمره. وكشفت وقائعها أن المتهم (26 عاماً) استخدم الإكراه في اللواط مع الطفل، بأن كان يهدّده دائماً بإخبار والدته بما فعله فيه، ويهدّده بضربه، وكان يرسل إليه رصيد هاتف، واستعمل سيارته لتسهيل إتمام جريمته. وأفاد المجني عليه في تحقيقات أجرتها نيابة ديرة، بأنه تعرف إلى المتهم عبر انترنت الهاتف المحمول، وبعدها تبادلا الأرقام، واعتادا تبادل الرسائل النصية القصيرة، وكان المتهم يقول له إنه يحبه، ويرغب في أن يلتقي به ليمارس معه اللواط، غير أنه كان يرفض ذلك.

وأضاف المجني عليه أنه أثناء وجوده في مركز تجاري ورده اتصال من المتهم، أخبره فيه بأنه موجود خارج المركز، طالباً منه الخروج لملاقاته، فخرج إليه، ثم ركب سيارته، فوضع المتهم حاجب الرؤية على الزجاج الأمامي للمركبة، وقبّله على خدّه، ثم لاط به، وكرّر فعلته أكثر من مرة خلال شهر واحد.

وتابع أنه لم يكن يرغب في استمرار العلاقة، لكن المتهم كان يهدّده برسائل نصية بإبلاغ والدته، ويدفع له 100 درهم في كل مرّة يلوط به.

وقال والد المجني عليه إن زوجته أخبرته بأنها شاهدت شخصاً في مركز تجاري ينظر إلى ابنهما المجني عليه، فتوجهت إليه وسألته عن علاقته بابنها، فقال إنه لا يعرفه، وعند عودتها إلى المنزل صارحها ابنها بما حدث بينهما.

وورد في كشف مرفق بملف الدعوى، قدمته نيابة ديرة، من مؤسسة الإمارات للاتصالات، أن المتهم كان يتصل بالمجني عليه مرات عدة يومياً في أوقات مختلفة، لمدد طويلة. وكان يرسل إليه رسائل نصية قصيرة، يتغزل فيه بها، وأحياناً يهدّده، فيما ورد كشف بالرسائل النصية المرسلة من المجني عليه إلى المتهم، مفادها أنه كان يخبره بأنه لا يريد الذهاب معه، ويطلب منه عدم الاتصال بوالدته، وأنه لا يستطيع التواصل معه درءاً للمشكلات، ويطلب منه عدم اللحاق به.

وأكد ارتفاع نسبة تعرض الأطفال للاستغلال الجنسي في الآونة الأخيرة، نتيجة استخدامهم الإنترنت وأجهزة الاتصال الحديثة مثل الهواتف التي تحوي اتصالاً بالشبكة العنكبوتية، وتالياً يكون تعرضهم لجريمـة الاستغلال أكثر، ومن دون أن يشعروا بذلك.

وبدوره، طالب رئيس نيابة ديرة في دبي المستشار يوسف فولاذ، الأسر بإخضاع أطفالهم إلى الرقابة والمتابعة المستمرة، خصوصاً أنهم بدأوا في استخدام أجهزة الهواتف المحمولة الحديثة التي تحتوي على اتصال بالإنترنت «ما يدخلهم في العالم الافتراضي الذي لا يعرف أحد فيه أخلاقيات الطرف الآخر، ما يسهل استغلالهم، والتحرش بهم في ظلّ انعدام الرقابة».

وأكد أن «هناك أشخاصاً مرضى، يعرضون أفلاماً جنسية على الأطفال، أو يحرضونهم على تصوير أجسادهم وإرسال الصور إليهم، مقابل مبالغ مالية، أو أشياء أخرى مغرية لهم، كرصيد إضافيّ للهاتف، أوحقيبة ماركة عالمية للبنات المراهقات».

ولفت فولاذ إلى أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات الاتحادي يعاقب كل من أنتج أو أعدّ أو هيأ أو خزن بقصد الاستغلال أو التوزيع أو العرض على «حدث» عن طريق الشبكة المعلوماتية أو إحدى وسائل تقنية المعلومات ما من شأنه المساس بالآداب العامة، بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر، وغرامة لا تقلّ عن 30 ألف درهم، ضارباً مثالاً على ذلك بأن «مجرد عرض صورة خادشة للحياء على طفل يؤدي إلى حبس من عرضها أكثر من ستة أشهر مع الغرامة».

وأشار إلى أنه من واقع ما حقق من قضايا اكتشف أن بعض الأهالي غافلون عن مراقبة أبنائهم، واستغلال طفل عبر الإنترنت يكون لغرض استدراجه بلقاء، أي الانتقال من العالم الافتراضي إلى الواقعي، وهو الأشدّ عقوبة بالنسبة للفاعل، موضحاً أن القانون نفسه عاقب كل من حرّض ذكراً أو أُنثى من «الأحداث» أو أغواه لارتكاب الدعارة أو الفجور أو ساعده على ذلك باستخدام الشبكة المعلوماتية، أو إحدى وسائل تقنية المعلومات، بالسجن مدة لا تقل عن خمس سنوات والغرامة. وضرب فولاذ أمثلة على الإغواء بتحريض طفل على عرض جسمه وأماكن عفته بالصور، على الإنترنت، أو التحريض بارتكاب أعمال الفجور، أو الدعارة، خصوصاً لمن هم في سن الـ12- 14 عاماً.

وأشار إلى أنه «في حال تجاوز الاستغلال حدّ الحديث عبر الإنترنت، أو طلب عرض الصور، وامتدّ إلى لقاء واقعي، فإن هتك عرض طفل، باللمس أو التحرش أو النظر إلى مناطق العفة أو التقبيل، يعاقب الجاني عليه بالسجن المؤقت مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على 15 سنة، وإن كان برضا الطفل»، مضيفاَ أنه ما دام سنّ المجني عليه دون الـ14 عاماً فهو يعدّ مُكرهاً، وفق قانون العقوبات الاتحادي، متابعاً «أما إذا امتد التحرش إلى اعتداء جنسي على الطفل، باغتصاب طفلة أو اللواط بطفل، فإن تلك الجريمة مُعاقب عليها بالإعدام».

ورأى المحامي ياسر النقبي أن تحريض طفلة عبر الإنترنت بلقاء، ثم تشغيلها في أعمال الدعارة يدخل في جريمة الاتجار في البشر، معتبراً أن «فئة الأطفال لا تدرك مخاطر الفعل الناتج عن علاقة مع غريب عبر الإنترنت، وبعدها ترتيب لقاء، خصوصاً أن الأطفال حالياً يترك لهم حرية الانتقال والحركة والاتصال باستخدام الوسائل المعلوماتية، لذلك ينقص الطفل المردود المالي، ويضعف عندما يأتيه شخص ويغريه بأنه سيكسب المال جراء عمل ما، غير مدرك أنه عمل غير أخلاقي يُشكل جريمة».

وأضاف النقبي أن دور الأُسر هنا يتعين أن يُكثف من ناحية متابعتها لأبنائهم، فطرق تربية الأطفال في السابق لم تعُد مُجدية في هذا الوقت، كون المغريات زادت عن ذي قبل.

صعوبة الرقابة

ويرى المحامي يوسف بن حمّاد أن الجاني يعتبر المسؤول الوحيد عن أي فعل غير أخلاقي يشكل جريمة ما بحق الطفل، ولا تتحمّل أُسرة الطفل نفسه أيّ مسؤولية جنائية جراء ذلك، فلا أحد يُؤخذ بجريمة غيره، لافتاً إلى أن «من ارتكب الفعل يتعيّن معاقبته وحده، وتشديد العقاب لأنه وقع في حق طفل بريء، كان الأجدى على الفاعل أن يعطف عليه وألا يستغله».

واعتبر بن حمّاد أن «جهاز الكمبيوتر ثابت ويمكن للوالدين مشاهدة ما يفعله الطفل عليه، لكن المشكلة أن الأطفال في هذا الوقت يمتلكون هواتف محمولة متنقلة معهم، أينما ذهبوا، بعيداً عن أعين ذويهم، وتلك مشكلة، فالرقابة من الناحية العملية لا تصل إليهم». وقال المحامي سعيد الغيلاني، إنه «من الصعب أن يجبر أي شخص طفلاً عن طريق الانترنت أو الهاتف المحمول، على فعل شيء إذا لم تكن للمتلقي رغبة في ذلك»، متسائلاً «لماذا يُجاريه الطفل؟»، موضحاً أن التربية السليمة تلعب دوراً في هذه القضية، «فالطفل الذي يتعاطى مع أشخاص غرباء عنه، ويلمس منهم ضرراً سيشعر بالخوف ويبلغ ذويه فوراً، ويقطع الحديث مع الغريب».

ورأى أن إكراه الطفل يحدث في مواجهته، لكنه لا يحدث عبر الهاتف أو الإنترنت «فلا سلطة للطرف الراغب على المجني عليه».

حقوق الطفل

وطالب رئيس لجنة الطفل في جمعية الإمارات لحقوق الإنسان عبدالرحمن غانم، بتخصيص قسم لتلقي بلاغات الاعتداء على الأطفال في المحاكم، من دون أن ترد إلى مراكز الشرطة، وقبل انتقال الدعوى إلى المحكمة، مثلما يحدث في قسم التوجيه الأسري الذي ينظر حالات الخلاف بين الأزواج، معتبراً أن «الحرص على الحفاظ على سرية العلاقة بين الأزواج، يتعين أن يقابله حرص على أن ينشأ الطفل نشأة سوية»، وشدد على ضرورة أن يكون القائمون على هذا القسم أخصائيين نفسانيين، يُعدّون تقريراً بالحالة، ويُحال فيها الجاني إلى المحكمة، وينتهي التحقيق مع الضحية عند هذه المرحلة. وتابع أن «من يحقق مع أي طفل ضحية حالياً في المراكز، هم رجال الشرطة، وهذا غير صحيّ، فالطفل يتعين أن يُحظر عليه دخول المراكز»، معرباً عن أسفه لعدم وجود وسيلة اتصال حتى الآن يمكن أن يبلغ الطفل من خلالها ذويه أو المُدرس عن تعرضه لاعتداء أو استغلال جنسي، لأن الوعي مفقود لدى الأُسر والمدارس.

ولفت غانم إلى أن اللجنة نظمت ورش عمل في عدد من المدارس التابعة للمناطق التعليمية في إمارات دبي والشارقة والفجيرة وعجمان ورأس الخيمة، وتطرقت فيها لاستغلال الراشدين للأطفال، من خلال تنبيه المدرسين والأخصائيين الاجتماعيين إلى هذه المسائل وهم بدورهم ينقلون الصورة إلى الطلبة.

تصويرهم عُراة

وأكدت المستشارة الأسرية في هيئة تنمية المجتمع في دبي وداد لوتاه، أنها استقبلت حالات، كان فيها طلاب راسبون قد اصطحبوا زملاء لهم أصغر منهم سناً، إلى أماكن متوارية، خلف المدرسة، وصوروهم عراة، بعد إجبارهم على خلع ثيابهم، ثم عرضوا صورهم على الإنترنت، ووزعوها على الـ«بي. بي».

وطالبت الجهات المختصة بأن تتكاتف لزرع القيم في نفوس الطلبة منذ مراحلهم الدراسية الأولى، وتوعية الأُسر التي غاب دورها في الفترة الأخيرة، وحثها على رقابة الأطفال ومتابعتهم.

الأثر النفسي

وحذر الطبيب النفسي الدكتور علي الحرجان، من الأثر النفسي لتعرض الأطفال لمواد جنسية عبر شبكة الإنترنت، قائلاً إن ذلك «يخلّف أثراً سلبياً في الأطفال والمراهقين، وبعضهم يصاب بالدهشة والخوف والصدمة النفسية التي تتمثل في الخوف من الكبار، وتجنب النشاط الاجتماعي، ما ينجم عنه انطواء الطفل على النفس، ودخوله في دوامة الاكتئاب وعدم الشعور بالأمان والراحة النفسية في بيئته المدرسية، وتخلفه في دراسته، وقد تصيبه اضطرابات شديدة عند النوم وفقدان الشهية بالأكل، والتفكير القهري والوسواس والتفكير بالعنف والانتقام».

وأشار إلى أن «بداية مرحلة المراهقة، أي الفترة التي يصل الطفل فيها إلى سن ما بين 10 و12 عاماً تكون بمثابة فترة حرجة في حياته، وبدايات خروجه من البيت، وانتقاله إلى المجتمع، واختلاطه بالآخرين، لكن ذلك الفعل الإجرامي يجعله يرتد إلى الوراء، وبدلاً من أن تبدأ شخصيته بالبناء، نراه ينطوي على نفسه ولا يخرج من البيت، فيُصبح في اتجاه معاكس للاتجاه الطبيعي».

تويتر