كفلاء يتهمون «عصابات متخصصة» تعمل من الدول المرسلة

٪30 من الخادمات الهاربات «اختـفين» في الأيام الأولى

الخادمات يحصلن على معلومات غير صحيحة عن الدولة قبل وصولهن إليها. أرشيفية

كشفت بلاغات هروب قدمها مواطنون ومقيمون ضد خادمات هاربات في أبوظبي ودبي، عن تسجيل حالات هروب خلال الايام الاولى من وصول الخادمة الى الدولة، الامر الذي اعتبره كفلاء مؤشراً إلى وجود «عصابات متخصصة» في تهريب الخادمات، تبدأ عملها من الدول المرسِلة.

وقال مسؤولون في مكاتب متخصصة في جلب العمالة، إن «20 إلى 30٪ من الخادمات الهاربات يختفين من منازل كفلائهن في الأيام الأولى بعد دخولهن الدولة».

وتتخذ هذه الظاهرة أشكالاً غير مألوفة، بعد دخول أسباب جديدة على قائمة الأسباب المعروفة، التي تشمل سوء معاملة الكفيل، أو تأخيره الراتب، أو غير ذلك من الأسباب التي دأبت سفارات الدول المصدرة لهن على اعتبارها مسوغات لهروبهن. وتتعلق الأسباب الجديدة بطرق جلب الخادمة من بلادها، عن طريق وكالات تشغيل غير مسؤولة، لا تهدف سوى للربح.

وأفادت مصادر في إدارات الجنسية والإقامة في كلّ من دبي وأبوظبي، بأن هناك بلاغات شبه يومية عن هروب الخادمات خلال الأسابيع الأولى من التحاقهن بالعمل.

وأكّدت أن مكاتب الخدم لا تقدم ضمانات للكفيل ضد هروب الخادمات، وهو ما يلقي عليه بالمسؤولية كاملة.

وأوضحت المصادر أن نسبة كبيرة من الهاربات من كفلائهن خلال الأيام الأولى من التحاقهن بالعمل يلجأن للعمل مخالفات بالساعة لدى الأسر التي لا ترغب في كفالة خادمات، أو التي عانت هروب خادماتها.

مكتب خدم

وتفصيلاً، قالت أميرة مصطفى، موظفة، إن إحدى صديقاتها نصحتها بعدم الاعتماد على خادمة من داخل الدولة، بعدما تكررت حوادث هروبهن لديها، باعتبار أن الخادمة التي تأتي من بلدها مباشرة ليس لديها أقارب أو أصدقاء داخل الدولة يشجعونها على الهرب، ولا تعرف من يساعدها على مخالفة القانون.

وعلى الرغم من أن جلب الخادمة من بلدها ينطوي على زيادة في التكاليف، فقد وافقت على الاقتراح، وتعاقدت مع أحد المكاتب المحلية، وأصدرت تأشيرة دخول على كفالة زوجها. وبعد دخول الخادمة بأيام قليلة هربت إلى مكان غير معلوم، فأبلغت إدارة الجنسية والإقامة عنها، حتى لا تغرّمها 50 ألف درهم في حال تم ضبطها.

وقال علي أحمد درويش، موظف حكومي في أبوظبي، إنه لجأ إلى الطريقة نفسها في جلب خادمة من الفلبين، عن طريق قريبة لها تعمل في منزل أحد معارفه في أبوظبي. وعلى الرغم من أنه لم يلجأ إلى مكتب خدم في اختيارها، إلا أن السفارة أرغمته على التعاقد مع مكتب عمالة محلي، يقوم بدوره بجلب الخادمة المعنية عن طريق وكالة تشغيل فلبينية.

ورأى أن هذه الوكالة هي التي تشكل أساس المشكلة، لأنها تدفع الخادمة للحصول على دورة تدريبية مدتها ثلاثة أيام على الأقل، يتم خلالها تدريبها على بعض المهارات، وأساليب التعامل، لكن الأمر الخطر هو ما تبثه هذه الوكالة من معلومات كاذبة لدى الخادمات، إذ توجههن إلى اللجوء إلى سفارة بلادهن عند مواجهة أي مشكلة مع الكفيل.

وأضاف بعد التحاق خادمته بالعمل في منزله، طالبت بالحصول على راتب شهر مقدماً، نظراً لاضطرارها للاقتراض في بلدها حتى تتمكن من المجيء إلى الإمارات. وفي يوم جمعة كانت عائدة من إجازتها، ونظرا لتأخرها في ذلك اليوم طلبت منها زوجته تفتيش حقيبتها، ففوجئت بوجود ملابس داخلية لها داخل الحقيبة، وعرفت أنها تقيم علاقة غير شرعية، فأخبرتها بأن هذه الأفعال مجرّمة داخل الدولة، وبعد ساعات، فوجئت بهروبها وذهابها إلى السفارة. وتابع: «عندما تحدثت مع مندوب السفارة، أخبرني بأن الخادمة تطلب تغيير الكفيل، فرفضت، وعممت عليها في إدارة الجنسية والإقامة، بينما ظلّت الخادمة مقيمة داخل السفارة في أبوظبي 25 يوماً، وبعدها قام مندوب السفارة باصطحابها لتقديم شكوى ضدي لإجباري على تسفيرها إلى بلادها».

دور السفارات

وقالت المواطنة (أم حمد) إن أحد مكاتب الخدم أخبرها بأن لديه خادمات فلبينيات يردن نقل كفالاتهن، فذهبت لاختيار إحداهن. وعندما عادت بخادمتها الجديدة إلى بيتها، فوجئت بهروبها من المنزل في اليوم التالي.

وأشارت (أم حمد) إلى أن مكاتب الخدم تعلم أن كثيراً من الخادمات اللواتي يدخلن الدولة للمرة الأولى يرغبن في العودة إلى بلادهن، لكنها تطلب منهن الانتظار حتى انتهاء فترة الضمان، وهي 90 يوماً، حتى لا يكون المكتب ملزماً أمام الكفيل بجلب خادمة بديلة، وهو ما يؤدي إلى هروب الخادمة، ولجوئها إلى السفارة.

وأكّدت أن «السفارات تلعب دوراً سلبياً في مسألة هروب الخادمات، نظراً لاحتوائها على أماكن مخصصة لإيوائهن، وتشجيعهن على الهرب»، داعية المسؤولين في هذه السفارات إلى تحري الحقيقة أولاً.

أما المواطنة (ميساء.ج) فقالت إن الكفيل أصبح بين خيارين، الأول هو محاصرة الخادمة، وقطع وسائل الاتصال كافة عنها، وعدم السماح لها بالحصول على إجازة أسبوعية وتكوين صداقات أو معارف داخل الدولة، خصوصاً من أبناء جنسيتها، وهو ما يشكل ضغطاً نفسياً عليها، ويؤثر سلبا في سلوكها.

والخيار الثاني هو السماح لها بإجازة أسبوعية، وتركها تتصرف بحرية تامة، على الرغم من المعرفة بأنها قد لا تعود إلى المنزل.

وقالت إن «الوكالات الخارجية تلعب الدور الأبرز في مشكلة هروب الخادمات في الأيام الأولى من دخولهن الدولة، لأنها تجمعهن قبل السفر، وتخبرهن بمعلومات غير صحيحة عن الدولة، وطبيعة العمل، وقوانين الانتقال، وهو ما يحفز الخادمة على التعرف إلى أعداد كبيرة من الخادمات قبل دخولها الدولة».

وتابعت أنها عندما ذهبت لإحضار خادمتها من مطار أبوظبي فوجئت بأن لديها أعداداً كثيرة من أرقام الهواتف لأشخاص داخل الدولة، على الرغم من أنها المرة الأولى التي تدخل فيها الإمارات.

ورأت المواطنة فريدة العبدالله، أن السبب الرئيس لهروب الخادمات، هو الكفيل، «فالخادمة تعمل طوال النهار من دون توقف أو أخذ استراحة، ولا تنام حتى ينام أهل المنزل».

وأشارت فريدة إلى أن «الخادمة مطالبة أيضاً بالعمل في منزل أهل الكفيل، في عطلة نهاية الأسبوع، وهذا ما يدفعها للهروب، بسبب عدم قدرتها على تحمل ضغوط العمل».

خطر على المجتمع

أما المواطنة (أم سيف) فقالت إن كثيراً من الخادمات يفاجأن بحجم الأعباء التي تنتظرهن، إذ تصبح الخادمة مربية للأطفال، وطباخة، وأحياناً سائقة».

وقالت نورة الكتبي إن «الخطأ لا يقع على الكفيل وحده، وإن الدلائل كلها تؤكد أن هناك عصابات متخصصة في التعامل مع الخادمات الهاربات، تمارس عملها من داخل الدول المرسلة».

وأكدت المواطنة (أم أحمد) أن هروب الخادمة من منزل مخدومها يشكل خطراً كبيراً على المجتمع.

من جهته، قال مدير المجموعة العالمية المتحدة لجلب العمالة، أيسر السامرائي، إن الشركة أوقفت عملها في مجال جلب الخدم، خصوصاً من الفلبين، بعد ازدياد حجم المشكلات التي تنتج عن جلب هذه العمالة، وأهمها الهروب من الكفلاء.

وأكّد أن هناك نسبة ترواح بين 20 و30٪ من الخادمات الهاربات يهربن من كفلائهن في الأيام الأولى بعد دخولهن الدولة، وهو ما يعني أن السبب ليس سوء معاملة الكفيل، وإنما وجود علاقات للخادمة مع أشخاص داخل الدولة، أو اتفاقات سابقة تمت في بلدها.

وأكّد السامرائي أن مكاتب الخدم في الدول المرسلة للعمالة تلعب دوراً بالغ الخطورة في السلبيات التي تعانيها سوق العمالة المنزلية داخل الدولة، من خلال المعلومات المضللة التي يزودون بها الخادمات، التي تتضمن إمكان نقل كفالاتهن، وتغيير الكفيل، بمجرد دخول الدولة.

وأفاد بأن «إجراءات ضبط الخادمات المخالفات تلعب أيضاً دوراً سلبياً في زيادة هروب الخادمات، لأن بعضهن يهربن من كفلائهن بعد دخول الدولة مباشرة، للعمل في أعمال منافية للآداب والأخلاق، وبعد سنوات تكون فيها الخادمة قد جمعت أموالا عن طريق هذه الأعمال تسلم نفسها للأجهزة المختصة، وتطلب العودة إلى بلادها، وبعدها يتم استدعاء الكفيل لشراء تذكرة عودتها، وتمنع من دخول الدولة مرة أخرى، دون أن تتم محاسبتها عن الفترة التي عملتها مخالفة داخل الدولة».

غرامة مالية

وذكر مسؤول أحد مكاتب الخدم في أبوظبي أن الهروب ليس عليه ضمان أساساً، نظرا لارتباط المكاتب الموجودة في الدولة بمكاتب الدول المصدرة، فهي التي تفرض عدم وجود ضمان الهروب، مشيراً إلى أن المكتب وسيط بينه وبين صاحب العلاقة.

وأضاف أن «السبب الرئيس لهروب الخادمات يعود في بعض الأحيان إلى سوء معاملة الكفيل والمكتب»، مشيراً إلى أن هناك أسباباً عدة، منها كثرة أفراد العائلة، وفرض العائلة ساعات عمل طويلة على الخادمة.

وقال: «نحن المسؤولين عن مكاتب الخدم ليس لدينا دراية دقيقة بأسباب الهروب، لكن الحل من وجهة نظرنا هو إلزام الخادمة بغرامة مالية بعد القبض عليها، لأن ذلك يحدّ من ظاهرة الهروب».

وفي ما يتعلق بالتنسيق بين مكاتب الخدم والجهات المعنية والمسؤولة، أكد أن هناك جهوداً تبذلها إدارة الجنسية والإقامة في أبوظبي مع مكاتب الخدم، وتعقد اجتماعات دورية للتباحث حول ظاهرة هروب الخادمات، ومحاولة معالجتها، من خلال أخذ جميع البيانات من جميع الأطرف.

وقال مدير مكتب المستقبل لخدمات توريد العمالة في دبي، سهيل أحمد، إن «الكفيل هو السبب الأكبر لهروب الخادمة»، مشيراً إلى «سوء معاملتها، وتأخير راتبها، وإنفاذ خصومات من الراتب في حال ارتكابها أخطاء. كما يلعب التحرش الجنسي دوراً مباشراً في زيادة نسبة الظاهرة».

وأشار سهيل إلى أن سبب عدم تحمل مكاتب الخدم مسؤولية الهروب، هو أنها مرتبطة بالمكاتب المصدرة للخادمات، التي تعمل من داخل بلادهن، وهي ترفض تغطية نفقات الهروب.

ورأى أن «هناك حلولاً ناجعة لهروب الخادمات، متمثلة في حسن معاملة الكفيل للخادمة، وإعطائها حقوقها، إضافة إلى مكافآت من الكفيل للخادمة، ما يشجعها على البقاء مدة أطول».

من جانبها، أفادت مصادر في إدارات الجنسية والإقامة في كل من دبي وأبوظبي، بأن هناك بلاغات شبه يومية يتم تسلمها من كفلاء حول هروب الخادمات خلال فترة الأسابيع الأولى من التحاقهن بالعمل، ويتم اتخاذ الإجراءات القانونية المتبعة بتعميم بلاغ الهروب. كما يتم تسلم شكاوى شبه يومية أيضاً حول رغبة خادمات في السفر والعودة إلى بلادهن، وأغلبهن خادمات من دون خبرة، دخلن الدولة للمرة الأولى.

وأشارت إلى أن بعض الخادمات يلجأن إلى سفارات بلادهن، وبعد استدعاء الكفيل للحصول على جواز سفر الخادمة، يتم تسليمه لمندوب السفارة حتى تتكفّل بإعادتها إلى بلادها بموجب اتفاقية بين الجنسية والإقامة وهذه السفارات، ثم يتم السماح لها بإيواء الخادمة حتى موعد سفره

تويتر