التربية على القسوة
يستغرب الأب لأمر هذا الطفل الذي لا يستجيب لتوبيخاته، ويحيره أمره، كيف لا وهو يسعى لجعله رجلا صلب الطباع، قادرا على تحمل المحن، وكل أنواع القسوة كما بيـَّن الوالد ذلك.
واضح أن هذا الأب سيطرت على عقله تجاربه الماضية، وحاصرت مآسيه فؤاده، فلم تترك له فسحة لينعم بالتمـَلي بتفاصيل شخصية ابنه وجمالياتها؛ بل شُغل عنها باندفاعاته تحت وطأة القسوة التي تعرّض لها. ويبرّر لنفسه إخضاع الطفل الصغير لها، بدعوى أنه يقصد من جراء ذلك تربيته على القسوة، وتعويده عليها حتى يتمكن من تحملها. يغفل كثيرون ـ أو يتناسون ـ أن المهر الصغير لا يربونه على تدريبات شاقة قبل نضجه. ويعلم القائمون على تربية الخيول أن التدريبات على اختبارات التحمل والقدرة تكون تدريجيا، وبعدما يكتمل النمو على جميع المستويات، فهل يعقل أن نحمل طفلا عمره أربع سنوات أثقالا بقصد تعويده على حمل الأثقال؟ لا شك في أن هذا السلوك الأخرق سيؤدي إلى كسر ظهره، وتحطيم كل قدراته قبل نموها.
إن الأبوين هما النبع الذي تتفجر منه ينابيع الماء العذب الزلال، الذي يسري دفئا وحنانا في عروق الأبناء، فلا يجوز أن تسقي الأم رضيعها علقما لتعوده على مرارة الحياة، كما لا يعقل أن يـُشَرد الوالد ابنه ليعلمه المسؤولية والاعتماد على النفس.
ليست القسوة مهارة تكتسب بل هي تـَبـَلـّد الوجدان؛ ينبغي التسلح بكل الحيوية المتأصلة في جذور الإنسان لمواجهتها، وشَـتَّان بين الرجل الشجاع الذي عنده جلد على تحمل أعباء الحياة، وتخطي الأهوال والصعاب؛ والشخص القاسي الذي لا يفقه إلا تعنيف ذويه، والتهور في مواجهة المآسي؛ فيسيء من حيث يدري أو لا يدري، ويتوهم أن قسوته تحميه، بينما هي نار يكتوي بها قبل غيره، فتحطم إنسانيته ليصبح فاقدا للإحساس، فارغ الفؤاد، عديم الضمير، متحجر الكيان، لا يلوي على شي. |
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news