الممثلة الإماراتية.. إبداع خجول بأسماء مستعارة

عذراي في مسرحية «الخلخال»

      

الريم وأشواق وعذاري وإلهام وحتى صوغة البلوشي وغيرها، هي في غالبيتها أسماء مستعارة لجيل جديد من الممثلات الإماراتيات، آثرن أن يبتعدن عن أسمائهن الحقيقية مؤقتا، لأسباب مختلفة، أبرزها الحرج الاجتماعي من لقب ممثلة، حينما يتعلق الأمر بالعائلة التي يرفض أقطابها انضمام إحدى بناتهن إلى الوسط الفني، لتضطر الممثلة في بداية المشوار، إلى استعارة اسم يتم التعامل معه باعتباره «اسماً فنياً» على خشبة المسرح، وحينما تأتي خطوة الدراما التلفزيونية تكون السيادة غالباً لسياسة «الأمر الواقع»، التي تستسلم لها الأسرة، ولكن بشرط ألا تستخدم الفتاة «لقب العائلة».


في هذا الإطار تقول الممثلة الريم التي استقالت من عملها، شرطية في وزارة الداخلية، لتشارك في  أعمال تلفزيونية عدة منها «أبلة نورة»، «بلاليط»، «حظ يا نصيب»، «ايامنا»، «آخر زمن» وغيرها، «في بداية الأمر كان ابرز عوائق قبولي أدوارا فنية يتعلق بمنع تفرضه طبيعة عملي شرطية في جهاز أمني، ورغم أنني استقلت من وظيفتي بهدف التفرغ للتمثيل، فإنني واجهت حرجاً آخر يتعلق بتعليقات سخيفة تقارن بين انجازاتي السابقة بطلة دولية في مجال الرماية، ومهنتي الجديدة التي وجدت فيها ذاتي، فكان اللجوء إلى اسم فني قرارا يهدف إلى ترحيل المشكلة إلى ما بعد تصوير مشاهد الأعمال الأولى، وحتى وقت عرضها تلفزيونيا، لا سيما أن الأعمال المسرحية التي كانت أولى خطواتي لم تكن تشهد تغطية إعلامية تذكر».


لكن الريم التي قالت ان اسمها الحقيقي هو «مريم» ولم تشأ ذكر اسم العائلة قالت انها «قوبلت برفض تام من أفراد الأسرة كافة في بداية الأمر»، مضيفة انها لم تشأ أن تتسبب لعائلتها بأي حرج، فقررت تحمّل مسؤولية قرارها بمفردها، في ظل نظرتهم إلى التحاق إحدى بناتهم بالوسط الفني على أنه أمر معيب. لكن الريم تؤكد أنها الآن على وفاق تام مع أهلها الذين أصبحوا يتابعون بشغف جميع أعمالها، ويصرّون في أحيان كثيرة على متابعتها على خشبة المسرح، وأثناء التصوير .


مصادفة
اما الممثلة الإماراتية أشواق فقادتها المصادفة البحتة إلى عالم التمثيل بعد أن ذهبت بناء على إلحاح صديقة لها من أجل متابعتها في تمارين تمثيلية على خشبة مسرح رأس الخيمة الوطني، قبل أن يفاجئها المخرج بطلب الاستعانة بها في أحد المشاهد البسيطة، لترهن موافقتها بعدم الكشف عن اسمها الحقيقي وهو موزة إسماعيل .


وبعد مسرحية «غناوي بو سيف» التي كانت عملها الأول وجدت أشواق نفسها منخرطة في عالم التمثيل المسرحي والتلفزيوني، وهو الأمر الذي أوقعها في مشكلات كثيرة مع الأهل، لم تثنها عن رغبتها قبل أن تحصل في النهاية على مباركتهم، لتستأنف بعدد كبير من الأعمال، كان آخرها مشاركتها في الأسبوع الثقافي الإماراتي في القاهرة ضمن أسرة مسرحية «علي جناح التبريزي» بالإضافة إلى الفيلم القصير «بنت النوخذة» لخالد المحمود .


«كذبة بيضاء»
لكن «كذبة بيضاء» ـ حسب توصيفها ـ هي التي قادت الممثلة الشابة المعروفة باسم «عذاري» إلى هذا الاسم المستعار حيث تقول «تعرفت إلى فتاة في بداية ارتباطي بالعمل المسرحي، ولم أشأ أن أخبرها باسمي الحقيقي، لينجدني تداعي اسم عذاري إلى مخيلتي، من ورطة الإجابة على سؤالها عن اسمي، لأجد بعد ذلك جميع طاقم أسرة مسرح دبي الشعبي ينادوني بـ«عذاري» الذي لم الجأ إليه خوفاً من بطش الأهل أو تحرجاً من الزجّ باسم العائلة في مجال الوسط الفني كما فعلت أخريات».


عذاري في محاولة منها لتأكيد موقفها قالت «اسمي آمنة السويدي، وإخفاء الاسم أو استبدال آخر مستعارا عنه لا طائل من ورائه لمن تخشى عاقبة الالتحاق بالوسط الفني، لأنها في حال نجاحها واستمرارها فسوف يكون انتشار خبر التحاقها بالتمثيل معروفاً للجميع».

 

ولم يخرج التحاق «عذاري»  بعالم الدراما عن «المصادفة» ايضاً حيث تقول «أثناء تسوقي في أحد المراكز التجارية سألني مقدم برنامج على هامش مهرجان التسوق حول هوايتي، فأخبرته بأنني أتمنى أن أعمل مذيعة، لأفاجأ بعرض بتحقيق الأمنية فور انتهاء تصوير البرنامج»، مضيفة «أثناء عملي في تقديم فقرات تغطي مهرجان دبي للتسوق عرض عليَّ الفنان عبدالله بن لندن المشاركة في أحد أعمال فرقة مسرح دبي الشعبي».

 
  
صوغة البلوشي                         أشواق                                 الريم 
 

لا أتخفّى
لم تخف صوغة البلوشي أنها واجهت معارضة حازمة من قبل الأهل، في بداية التحاقها بمجال التمثيل المسرحي، لكنها أكدت أن تغيير اسمها من مريم عبدالله إلى صوغة البلوشي  «لا يهدف إلى التخفي أو ستر حقيقة التحاقها بالمجال الفني»،حسب قولها، مضيفة «كان إخوتي الكبار أكثر المعارضين لقبولي عروض اشتراكي في أعمال مسرحية وتلفزيونية، لكن الأمر ما لبثت أن تغيرت بعدما لمسوا بأنفسهم عدم تأثري بأي أجواء سلبية، وأصبحوا أشدّ المفتخرين بأعمالي التي كان آخرها مع الفنانة القديرة حياة الفهد في مسلسل «الداية».

 

وذكرت صوغة أنها استبدلت باسمها الحقيقي هذا الاسم «الذي كانت تسميتها به رغبة قديمة لوالدتها لم يحققها الأب الذي وضعها في الأوراق الرسمية (مريم).

 

وقالت صوغة التي لم تستكمل دراستها لتكتفي بما حصلته حتى الصف السابع من التعليم الأساسي «لا أخجل من لقب فنانة، وأعتقد أن أي ممثلة تشعر بأي حياء من انتمائها للوسط الفني أولى بها أن تتركه، لا سيما أن تغيرات اجتماعية إيجابية لحقت بالمجتمع الإماراتي، تجاوزت الصعوبات التي عانت منها الممثلات الإماراتيات المخضرمات».

 

معارضة الأعمام
من جانبها قالت الفنانة الشابة إلهام المازم التي عرفت في بداياتها فقط باسم إلهام ان «المعارضة الشرسة التي جابهتها في هذا المجال جاءت عن طريق أعمامي، لكنني أصررت على التمسك بخياري، لا سيما أنني حظيت بتشجيع ومباركة والديَّ اللذين يتابعان عروضي الفنية بشغف كبير». وترى إلهام ان «من لا تملك شجاعة الإصرار على الانتماء إلى الوسط الفني، فإن الأولى بها أن تسعى إلى إيجاد ذاتها في مجال آخر بدلاً من الدخول في إشكالية الاسم المستعار الذي آجلاً أو عاجلاً سينكشف، لأن العمل الفني الناجح لا يقع خارج دائرة الضوء والإعلام، خصوصا مع طفرة صناعة الدراما التي تعيشها الدولة حاليا».

 

إلهام التي قادت شقيقتها الصغرى أمل أيضاً إلى العمل المسرحي والتلفزيوني تساءلت «لماذا يفرق البعض بين عمل الطبيبة والمهندسة وغيرهما من ناحية، وبين أهمية الرسالة التي تسعى إلى إيصالها الممثلة؟». مشيرة إلى أنه «ليس ثمة وسط ملائكي، وجميع مجالات الإبداع والعطاء البشري تحوي نماذج إيجابية مشرفة وأخرى سلبية، فلماذا يتم حصر المنتمين إلى الوسط الفني في الأخيرة فقط ؟».

 
فخر
في المقابل نجد البعض حريصاً على الظهور باسمه ولقبه الحقيقيين منذ البداية، لا سيما الممثلات اللائي ينتمين إلى آباء عاملين في الوسط نفسه، وهو ما ينطبق على الفنانة فاطمة جاسم التي بدأت إطلالتها على الشاشة الصغيرة عام 1992 عبر بعض الأدوار الطفولية على تلفزيون دبي الذي عمل فيه والدها، وهي خطوة قادتها إلى المشاركة في أعمال مسرحية على  خشبة  مسرح الشارقة الوطني، بدأت بأدوار «كومبارس» وامتدت لتصل إلى أدوار رئيسة، ثم الاشتراك في عدد من المسلسلات كان آخرها «الداية» مع النجمة الكويتية حياة الفهد، وهي أعمال تصفها فاطمة بأنها «كانت مبعث فخر لوالدي وإخوتي الذين لا يترددون في الإشارة إلى انتمائي إلى الوسط الفني بكامل الاعتزاز، وفي رأيي فإن عدم اكتمال الوعي المجتمعي بأهمية دور الفنان، هو سبب تعرض العديد من الفتيات إلى اضطهاد من قبل أسرهن لإثنائهن عن إكمال رسالتهن الفنية»، مشيرة إلى ان ذلك «يضع الفتاة أمام خيارين: إما الرضوخ إلى تلك الضغوط والانسحاب من الحياة الفنية، وإما الإصرار على الموقف وتحدي رغبة المنع برغبة أكبر في الاستمرار وهو ما يوقعها في صدامات تتفاوت قسوتها من أسرة إلى أسرة».

 

وتعتقد فاطمة جاسم ان البعض يلجأ الى الأسماء المستعارة ومواصلة التمثيل بعيداً عن أعين الأهل «مرجئات المشكلة إلى حين اكتشاف أمرهن، فيما يكون هذا الحل الوسط أحياناً باتفاق بين الأهل والفتاة تحت تأثير مزاعم الخوف على لقب العائلة».

 

اما الممثلة أشجان التي يتعامل معها   المنتجون والمخرجون ووسائل الإعلام أيضا، على أنها إماراتية، رغم حملها جواز سفر إيرانياً أيضا، فلجأت إلى إخفاء اسمها الحقيقي بشكل تام جعل حتى زملاءها المقربين يجهلونه مبررة لـ «الإمارات اليوم»: «اسمي الحقيقي غير فني ويصعب استساغته من قبل الإعلام والجمهور، لذلك اخترت في بداية مشواري الفني اسم «اشجان» لدرجة أن لا أحد الآن يتذكر اسمي الثابت في جواز السفر سوى أجهزة الدولة الرسمية».  

 

غياب الحافز
فسرت الفنانة سميرة أحمد رئيسة قسم الهوية بوزارة الثقافة والإعلام وتنمية المجتمع  ظاهرة تخفي الممثلات المبتدئات تحت أسماء وهمية أو مستعارة «بغياب الدعم المؤسسي لتشجيع صاحبات المواهب الحقيقية في الالتحاق بالمجال التمثيلي». مضيفة ان هناك «حالة غياب شبه تام للدور التحفيزي للمؤسسات الرسمية ومؤسسات النفع العام لجذب الإماراتية المبدعة لهذا المجال الذي تتسبب ندرة المواطنات المجيدات المنتميات إليه، في خلل يصيب أحد أهم أشكال الإبداع وهو المنتج الدرامي بشقيه التلفزيوني والمسرحي»، الأمر الذي ترى سميرة أحمد انه «فرض وجود ممثلات غير مواطنات يجسدن دور المرأة الإماراتية ما يفرز بدوره نماذج فنية مشوهة، سواء من حيث اللهجة المحلية أو العادات والملابس وغيرها من الخصائص النفسية والمظهرية للإمارتية».

 
واستهجنت الفنانة الاماراتية اتجاه البعض إلى الاستعانة بأسماء مستعارة أو إخفاء لقب العائلة، في عصر حديث ومنفتح نسبيا، مضيفة «في الوقت الذي كنا نتشرّف نحن جيل الرواد من الممثلات الإماراتيات في الحياة المسرحية والدراما التلفزيونية الإماراتية، بانتمائنا إلى الوسط الفني، ولم يفكر أحد في ذلك الوقت باللجوء إلى أسماء وهمية أو غير ذلك من السلوكيات الهروبية، إلا أن الظاهرة في الوقت الحالي بعد مرور عقود على الانطلاقة الأولى آخذة في التزايد».

    

تويتر