«دائرة التخطيط»: تصـاعد الإيجـــــارات أزمة حقيقية للاقتصاد

 
كشفت دراسة أعدتها دائرة التخطيط والاقتصاد بأبوظبي أنه مع استثمار الإمارة للمزيد من إيراداتها النفطية الاستثنائية في المشروعات الاقتصادية والبنية التحتية، أصبحت الزيادة المفرطة والمستمرة في أسعار السلع والخدمات بفعل عوامل داخلية وخارجية معقدة، تتطلب تحركات جماعية وحلولاً غير تقليدية تستند إلى إحصاءات ومؤشرات دقيقة وحديثة. مشيرة إلى أن ارتفاع الايجارات هو السبب الرئيسي وراء صعود التضخم.

 
وبينت أنه «في الأسواق التنافسية يكون التضخم إما ناتجاً عن زيادة تكاليف عوامل الإنتاج، وإما عن زيادة الطلب على السلع والخدمات، أما بالنسبة لإمارة أبوظبي، فإن التضخم ناجم عن الاثنين معاً، ولكن بدرجات متفاوتة». 

 
منوهة بأن «استمرار تصاعد الإيجارات لفترة طويلة مقبلة على المنوال الحالي نفسه سيشكل أزمة حقيقية تؤثر في تكاليف الإنتاج في القطاعات المختلفة داخل الدولة».

 

عوامل داخلية وخارجية

وأوضحت الدراسة أن «الأسباب العامة وراء هذه الظاهرة في إمارة أبوظبي ناجمة عن عوامل داخلية وأخرى خارجية، حيث يشكل ارتفاع الإيجارات وأسعار الوقود وحجم السيولة في السوق المحلية عوامل رئيسة في زيادة مستويات التضخم، بينما يتسبب انخفاض قيمة الدولار في صدمات تضخمية متعددة الوجوه ناجمة عن انخفاض قيمة الدرهم مقابل العملات الأخرى وارتفاع أسعار السلع المستوردة من الدول خارج نفوذ الدولار، وهي دول تشهد هي الأخرى ضغوطاً تضخمية بسبب ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية».

 
وقالت «تسعى دائرة التخطيط والاقتصاد في إمارة أبوظبي بالتعاون مع جهات اتخاذ القرار وعلى أعلى المستويات لوضع حلول جذرية للتضخم؛ وفي ظل غياب الإحصاءات الاقتصادية الدقيقة، والتباين الكبير في التوقعات والتقديرات بشأن الحكم على حجم التضخم، وضعف صيغة سلة المستهلك وأوزانها المستخدمة حالياً في احتساب مؤشر الأسعار الاستهلاكية، تعمل الدائرة للوصول إلى سلة من السلع والخدمات مقدرة بطريقة أكثر شمولاً وتتيح إمكانية احتساب مؤشر الأسعار الاستهلاكية بالدقة اللازمة، ما يُعد خطوة كبيرة في اتجاه الإدارة الفاعلة للتضخم والتحديات المتصلة به خلال المرحلة المقبلة. كما أن الدائرة بصدد تطوير منهجية دقيقة لاحتساب جميع المؤشرات الرسمية المتعلقة بارتفاع الأسعار على مستوى إمارة أبوظبي، ونشر هذه المؤشرات فصليا على الأقل، إذ إن الفهم الدقيق والشامل للتضخم هو المدخل الصحيح لاتخاذ القرارات والتدابير الصائبة لتحجيم هذه الظاهرة».

 
ارتفاع الإيجارات
وتشير المعطيات الإحصائية المتاحة إلى أن ارتفاع الإيجارات هو السبب الرئيس وراء صعود التضخم إلى مستواه الحالي، ومن خلال الدراسات التي أجرتها الدائرة خلال الفترة المنصرمة من هذا العام، تبين أن المسكن والإنفاق على السكن يمثل نحو 45% من إجمالي إنفاق المستهلك في إمارة أبوظبي، بحسب نتائج المسح الميداني الذي أجرته الدائرة.  وطبقاً لمعطيات دراسة أعدتها إدارة الدراسات في الدائرة بطلب من المجلس التنفيذي مطلع هذا العام، فقد أسهم ارتفاع الإيجارات وحده بنحو 58% من إجمالي معدل التضخم العام خلال عامي 2006 و.2007

 
وأوضحت الدراسة أن «السبب الرئيس لارتفاع الإيجارات يعود في المقام الأول إلى نقص المعروض من الوحدات السكنية والتجارية لمواجهة الطلب المرتفع، خصوصاً من جانب أصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة والوحدات التجارية، حيث إن الزيادة في مستوى الإيجارات بلغت في المتوسط نحو 17% خلال الربع الأول لهذا العام، مقارنة مع مستوياتها خلال العام الماضي».  وأشارت إلى أن «من الأسباب الأخرى التي أدت إلى استمرار ارتفاع الإيجارات في أبوظبي، النمو الكبير في عدد الوحدات التجارية، بينما تستقطع الوحدات التجارية باستمرار من إجمالي الوحدات المعروضة لأغراض السكن، وذلك بسبب ارتفاع القيمة الإيجارية للوحدات السكنية أكثر من ثلاث غرف، وعدم قدرة الكثيرين على تحمل القيمة الإيجارية، ما يدفع أصحاب هذه الوحدات إلى عرضها كوحدات تجارية، الأمر الذي يعني ارتفاع المعروض من الوحدات التجارية على حساب المعروض من الوحدات السكنية ويؤدي إلى استفحال المشكلة، ومن خلال مسح المساكن والمنشآت لإمارة أبوظبي للعام 2005، تبين أن أكثر من 10 آلاف وحدة سكنية استخدمت لأغراض غير سكنية (تجارية)».

 

الاقتصادي والفاخر

وقالت الدراسة «بالنظر إلى مكونات الطفرة العقارية التي تشهدها إمارة أبوظبي خاصة، ودولة الإمارات عامة، يتبين أن هذه الطفرة وبمكوناتها الراهنة لا تلبي إلا جانبا صغيرا نسبيا من النمو المتصاعد في الطلب الفعلي على الوحدات السكنية، حيث بدا واضحا، من خلال الإحصاءات التي توافرت عن إمارة أبوظبي خلال العامين الماضيين، أن سوق الوحدات السكنية في الإمارة ينقسم إلى قطاعين منفصلين تماماً، الأول قطاع الإسكان الفاخر الذي يراوح عائد الاستثمار فيه ما بين 20% و25%، على أساس نظام التمليك ضمن مشروعات التطوير العقاري الكبرى، والثاني قطاع الإسكان الاقتصادي المخصص لتلبية احتياجات أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة على أساس نظام الإيجار، يراوح عائد الإيجارات فيه ما بين 10% و15%، الأمر الذي أدى إلى نمو العرض ضمن القطاع الأول ونمو الطلب ضمن القطاع الثاني، ونجم عنه بالتالي ارتفاع في إيجارات الشقق والمساكن رغم النمو الكبير في حجم الاستثمار العقاري، ولهذا تتصاعد الإيجارات في دولة الإمارات بشكل عام، رغم الاستثمارات الضخمة التي ظلت تصب في القطاع العقاري طيلة السنوات الماضية».

 
وأضافت «رغم أن الارتفاع في أسعار الأراضي ومواد البناء أسهم في تضخم الإيجارات، حيث تضاعفت أسعار مواد البناء والأراضي بأكثر من 100% خلال السنوات الأربع الماضية، فإن العامل الأهم الذي أدى إلى ذلك هو تركز الاستثمارات العقارية الجديدة في قطاع الإسكان الفاخر من خلال مشروعات التطوير العقاري الكبرى التي تتوجه إلى أصحاب الثروات والدخول المرتفعة من داخل الدولة وخارجها، في حين يتركز نمو الطلب في المقابل ضمن فئات الإيجار للإسكان المتوسط والمنخفض المستوى الذي يلبي متطلبات أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة الذين يشكلون 85% من إجمالي المشتغلين في منشآت القطاع الخاص في الدولة بشكل عام».

 
خطر مستقبلي
وأشارت الدراسة إلى أنه «بقدر ما يؤدي الاختلاف الكبير في النمو بين فئات الطلب وفئات العرض إلى ضغوط على مستوى الإيجارات، فإنه يحمل أخطارا أكبر على صعيد مستقبل الاستثمار العقاري في الدولة في حال وصول العرض للوحدات السكنية الفاخرة التي تطرح للتملك إلى مرحلة الفائض وتراجع عائدها الاستثماري إلى مستويات قد تؤثر سلباً في القطاع العقاري، ويمتد تأثيرها بالتالي إلى معظم قطاعات الاقتصاد الوطني بحكم دور الاستثمار العقاري كمحرك رئيس لعجلة الاقتصاد، ما يتطلب معالجة فنية شاملة لأوضاع السوق العقاري، وهو ما يستوجب من المطورين العقاريين لعب دور إيجابي في تخفيض الإيجارات، من خلال تخصيص نسبة من استثماراتهم العقارية لتوفير شقق سكنية منخفضة الإيجار لتلبية احتياجات أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة». 

 
منوهة بأنه «لابد أيضاً من خطط ومبادرات حكومية لتشجيع القطاع الخاص وجهات التمويل المختلفة على الاهتمام بالاستثمار في الإسكان الاقتصادي، وإقامة مشروعات سكنية تخدم أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة، وتشجيع المؤسسات والشركات وجهات العمل على الاستثمار في العقارات لتوفير السكن للعاملين فيها، وإلا فإن استمرار تصاعد الإيجارات لفترة طويلة مقبلة وعلى هذا المنوال سيشكل أزمة حقيقية تؤثر في تكاليف الإنتاج في القطاعات المختلفة داخل الدولة».

 

عوامل الطفرة العقارية

وبينت الدراسة أن «هناك العديد من العوامل التي أسهمت في الطفرة التي يشهدها قطاع العقارات في إمارة أبوظبي ودولة الإمارات، منها النمو الاقتصادي، ونمو الطلب المحلي على العقارات، وارتفاع مستوى دخل الفرد، والنمو الذي تشهده القطاعات الاقتصادية الأخرى، خصوصاً القطاع السياحي، وتزايد الاتجاه نحو الترويج للدولة في المحافل الخارجية بوصفها منطقة جذب سياحي، وزيادة الإنفاق الحكومي على مشروعات البنية التحتية، وارتفاع معدل النمو السكاني، وارتفاع حجم السيولة الفائضة التي تبحث عن فرص استثمارية مجزية، والدعم الحكومي الكبير لهذا القطاع، وتحفيز القطاع الخاص للاستثمار فيها، وتنافس المصارف الوطنية وفروع المصارف الأجنبية على تمويل المشروعات العقارية وبأسعار فائدة متدنية، إضافة إلى ظهور مؤسسات متخصصة للتمويل العقاري. كما شهدت البنية التشريعية لقطاع العقارات إصلاحات مهمة خلال الفترة الماضية، كان لها الأثر الواضح في فتح آفاق جديدة للاستثمار العقاري بما يؤدي إلى تنشيط الطلب وزيادة العرض واستقرار السوق».
وأضافت «رغم أن تأثير بعض هذه العوامل في القطاع العقاري قد يظل ايجابياً لفترة مقبلــة، فإن المستويات الحالية للأسعار، والإيجارات ستؤدي في مرحلة لاحقة إلى ظهور عدم التــوازن بين العرض والطلب، في ظل الإقبال الكبــير للمؤسسات والأفراد على الاستثمــار العقاري، الذي بات يحقق أعلى معدلات الربحية بين القطاعات الاقتصادية المختلفة، حيث تشير الإحصاءات إلى أن العقار في أبوظبي يسترد قيمته من الإيجارات خلال فترة لا تتجاوز الخمس سنوات». 

 

تناقض تام

وقالت «إن الارتفاع المتواصل في إيجارات المساكن رغم النمو الكبير في الاستثمار العقاري بشكل عام خلال السنوات الماضية يفصح عن خلل ما، هو نفسه الذي أدى إلى اختلاف التوقعات ووجهات النظر بشأن مستقبل الإيجارات إلى حد التناقض التام، وهو الذي أربك أيضا حسابات المؤسسات الاقتصادية الدولية بشأن توجهات القطاع العقاري في إمارة أبوظبي ودولة الإمارات، ودعت الدراسة إلى «ضرورة التعجيل بمعالجات هيكلية تدعم مسار القطاع العقاري وتصححه، من خلال سياسات اقتصادية ومالية تعمل على التأثير في مؤشرات اقتصادية محددة في جانبي العرض والطلب، وتدفع السوق نحو الاتزان الآلي، من خلال العديد من الوسائل والطرق، على ألا تخل مثل هذه السياسات بقواعد الحرية الاقتصادية، ولكنها في الوقت نفسه توقف أي مبالغات غير مبررة لرفع الإيجارات، وتعود بها إلى مستويات معقولة تضمن ازدهاراً معتدلاً ودائماً للقطاع العقاري».
 
حلول لمشكلة الإيجار  
 وضعت الدراسة التي أجرتها دائرة التخطيط والاقتصاد بأبوظبي حلولاً لمشكلات الإسكان والإيجار على المديين قصير الأجل وطويل الأجل، كالآتي:

على المدى القصير 
 وضع مستويات محددة للإيجار في مدينة أبوظبي، وتقسيم المدينة إلى مربعات (أحواض) حسب الفئات الإيجارية، وتحديد حد أدنى وحد أعلى للقيمة الإيجارية العادلة للشقق استناداً إلى الموقع، وسنة البناء، ومساحة الشقة (المتر المربع)، ونوعية البناء.  و اتخاذ قرار بعدم رفع القيمة الإيجارية على المستأجر قبل مرور ثلاث سنوات على عقد الإيجار، ووضع سقوف لمستوى الإيجارات بحسب البند السابق بالنسبة للوحدات السكنية التي ستطرح في السوق خلال الفترة المقبلة. 

 تكوين لجنة فنية وقانونية من الدوائر والجهات المحلية ذات الاختصاص لمعالجة الشكاوى المقدمة من المؤجر (المستأجر) والمالك.

 النظر في إمكانية منح أراضٍ تضم خدمات لبناء وحدات سكنية بالمناطق الموجودة على أطراف الإمارة مجانا أو بأسعار رمزية للمطورين العقاريين، الذين يقومون بخفض القيم الإيجارية لوحداتهم السكنية القائمة بالفعل بواقع 50%، بشرط أن تكون هذه الوحدات السكنية مخصصة لأصحاب الدخول المنخفضة والمتوسطة.

 دراسة وضع المكاتب العقارية من حيث أدائها ومدى ملاءمة عددها إلى حاجة اقتصاد الإمارة، إذ إن ازدحام السوق بهذه المكاتب إحدى الظواهر السلبية المؤثرة ليس فقط في ارتفاع القيم الإيجارية من خلال (تضليل سوق الطلب) ولكن في اقتصاد الإمارة.

على المدى الطويل 
إعادة هيكلة القطاع العقاري نفسه بالتركيز على القطاعات العقارية المهمة، وفي مقدمتها السكن الاقتصادي والفنادق، وإعادة تفعيل قوى السوق العقاري على أساس توجيه الاستثمارات وفقاً لنمو الطلب الفعلي.

 تحفيز المطورين العقاريين على تخصيص نسبة من استثماراتهم العقارية لتوفير شقق سكنية منخفضة الإيجار، لتلبية احتياجات أصحاب الدخول المحدودة والمتوسطة، وتحديد مستويات الإيجار بناء على التكلفة الحقيقية للمشروع العقاري.   ت إنشاء مراكز حكومية للتسوق في المناطق المختلفة، لتخفيف الضغط على الوحدات غير السكنية والسكنية، حيث يوجد في أبوظبي أكثر من 10 آلاف وحدة سكنية مستخدمة لأغراض غير سكنية (تجارية).

 تحقيق شراكة قوية بين الحكومة والقطاع الخاص تهدف إلى تحقق استقرار في القيم الإيجارية على المدى الطويل من خلال: 

1- القيام بإنشاء وحدات سكنية لذوي الدخول المنخفضة والمتوسطة على أراضٍ مملوكة للحكومة.  
 
2- إقامة تجمعات للوحدات التجارية داخل مبانٍ مستقلة بذاتها يراعَى فيها التوزيع الجغرافي للإمارة.   ارتفاع الإيجارات أسهم وحده بنحو 58% من إجمالي معدل التضخم.
 
تويتر