حوّلوا حارة الزيتون المدمَّرة إلى مكان حافل بالحياة

غزّيون يزيلون ذكريات الحرب بالألوان

إحدى سيدات حي الزيتون تحمل فانوساً رمضانياً احتفالاً بالشهر الفضيل. من المصدر

القادم إلى الحارة القديمة في حي الزيتون، شرق مدينة غزة، يظن للوهلة الأولى أنه يوجد في شارع البندقية بإيطاليا، فقد تزينت جدران الحارة بألوان زاهية تبعث روح الحياة والأمل، فيما تنتشر بين أزقتها العتيقة الزخارف والديكورات الهندسية الجذابة، وهو ما تفتقده أحياء القطاع التي تعاني حصاراً طويلاً ودماراً مريراً.

علاج

أسهمت الألوان والزخارف التي تزين الحارة، بحسب الصعيدي، في علاج الأطفال الذين عانوا من أزمات وصدمات نفسية بفعل الحروب والحصار، فالابتسامة لم تفارقهم يوماً، وهو يقضون أيامهم داخل الأزقة الملونة التي تبعث في نفوسهم حب الحياة. وأثناء تنقلنا داخل أزقة الحارة الملونة، استقبلنا المواطن حامد نايف بابتسامة عريضة يرحب بها بكل من يدخل حارته قائلاً إنها «أصبحت أجمل بعد تزيينها، ففي السابق كانت الجدران متشققة، وكل شيء في الأزقة كان متناثراً، لكن اليوم بات الواقع مختلفاً، حيث نجتمع في كل ليلة على أبواب منازلنا ونقضي أوقاتاً ممتعة، ونذهب إلى أعمالنا بكل نشاط وحيوية».

ويضيف: «لقد كسرنا الروتين اليومي، وتحدينا الواقع المرير، وأوصلنا للعالم أننا نحب الحياة، على الرغم من الظروف القاسية التي نعيش فيها».

وما يزيد الأمر غرابة أن هذه الحارة أصيبت بأضرار مختلفة خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة، وتجرع سكانها مرارة قاسية بفعل اعتداءات الاحتلال ضد القطاع، وهو ما دفعهم وبوساطة أناملهم، وما يملكون من إمكانات بسيطة، تغيير واقعهم المرير، ليقضوا شهر رمضان المبارك هذا العام بأجواء تختلف عن المآسي التي عاشوها في الشهر ذاته العام المنصرم.

«الإمارات اليوم» تجوّلت بين أزقة الحارة الملونة، حيث الألوان الزاهية التي تكسو الجدران، وتجذب الأنظار، ومشاهد الأطفال وهم يجلسون على أبواب منازلهم وفي أيديهم فوانيس رمضان التي تضيء عتمة ليلهم مع انقطاع التيار الكهربائي، وفي ركن آخر اجتمع الرجال من سكانها ليتسامروا ويقضوا أوقاتاً مسلية يشحنون بها أنفسهم قبل أن يصحوا في اليوم التالي على قهر جديد تولده الأزمات التي تعصف بهم.

وبدأت فكرة تلوين حارة الزيتون، التي تعد من أعتق الأحياء في غزة، بمبادرة أحد سكانها، وهو محمد الصعيدي (58 عاماً) بتزيين منزله المتضرر بألوان غريبة تدخل البهجة والسرور إلى قلوب أطفاله، وبعد نجاحه في ذلك، نقل الفكرة تدريجياً إلى منازل الحارة وأزقتها، ليطلق عليها بعد ذلك الحارة الملونة.

ويقول الصعيدي لـ«الإمارات اليوم»، وهو يجلس أمام باب منزله الملون عقب صلاة التراويح: «أردنا أن نقضي رمضان بنكهته الجميلة، لنزيل ذكريات العام الماضي الأليمة، حيث مشاهد القتل والتشريد التي حرمتنا من أجواء الشهر الفضيل، ولأجل ذلك زينت الجدران بالألوان الزاهية لإدخال الفرحة والسرور إلى الكبير والصغير من سكان الحارة».

ويضيف: «بفعل تلوين حارتنا، اتجهنا نحو حب الجماليات كردة فعل للحالة المأساوية التي نعيشها، كما أوصلنا من خلال ذلك رسالة لكل من يدخل الحارة بأن غزة رغم الدمار إلا أنها بالألوان أجمل، وأننا شعب مثلما نقدم شهداء نصنع جمالاً، وكما نحب الشهادة في سبيل الله نحب الحياة بجمالها».

ويوضح الصعيدي، الذي يعمل في مهنة الطلاء والتصميم، أن «الديكورات والزخارف التي تزين الحارة هي عبارة عن أدوات بسيطة مثل الصناديق الخشبية المهملة، وإطارات السيارات المهترئة، إضافة إلى الأحجار الصخرية، فيما حوّلت بأنامل السكان إلى لوحات ورسومات فنية جذابة».

تويتر