«دبي للتسوق».. ملتقى بهجة وثقافات

صورة

لا تشبه بداية السنة الجديدة في دبي غيرها في بقية المدن، ففي هذه الإمارة، حيث الحلم مستيقظ وممزوج مع الواقع، أتت البداية محمّلة بأجواء الفرح التي بثتها انطلاقة مهرجان دبي للتسوق في دورته الـ 19، وجبة دسمة من الدهشة، يقدمها المهرجان للمقيمين وزوار الإمارات على مدى 32 يوماً، ليجعل عامهم منذ البداية متألقاً وعابقاً بذكريات لا تنسى، ليس سهلاً على المهرجان مواصلة النجاح والتقدم إلى الناس بحلة جديدة في كل عام، التحدي يكبر، وبات يختزل بأبجدية خاصة تجعل العالم بين يدي كل من يسكنها ويزورها.

سيرك

على الرغم من أن العنوان الرئيسي للمهرجان يضع التسوق ضمن أولى ما يخطر ببال من يسمع عنه أو يذكره أو أتى لزيارة الإمارة خلاله، إلا أن ما يقود الناس إلى مراكز التسوق والفعاليات أكثر من ذلك، الصغار والكبار، النساء والرجال وحتى المسنون الذين يحتاجون إلى مساعدة لجر كراسيهم التي أسرهم بها العجز والتقدم بالعمر، يحضرون الفعاليات التي يقدمها المهرجان ليغرفوا مما يتاح لهم من البهجة، إلى جانب هؤلاء هناك من أتى وباغتته العروض ليقف مستمتعاً بالصدفة التي جعلته يشاهد استعراضاً راقصاً أو عازفاً قد يقوده الى حلم يزيل عن العالم نزعة الواقعية ليزينه بالكثير من الفوضى الجميلة، هذا الحلم يبدأ مع الأطفال وكذلك الكبار الذين استطاعوا أن يدخلوا تجربة لافتة مع السيرك المكسيكي، فكانوا على موعد يومي مع الألعاب البهلوانية والمهرجين الذين يدركون صعوبة رسم ابتسامة على وجوه الناس، فيلونون وجوههم كي يتمكنوا من تلوين العالم بعيون من يراهم، فيصبح الأخير مزركشاً تماماً كملابسهم.

وتستكمل لغة العروض المتطلبة لليونة والتي تحتوي على قفزات الأكروبات مع السيرك الصيني على الجليد والذي جعل كل زوار «دبي مول» يقفون على طوابق المركز من الجهات المطلة على حلبة التزلج على الجليد، ليتمكنوا من مشاهدة العرض الذي يقدم للمرة الأولى في الشرق الأوسط، تتمايل أجساد العارضين الراقصة على الجليد في حركات استعراضية لافتة وخفيفة تحبس أنفاس الحضور، لاسيما الذين يعشقون ممارسة رياضة التزحلق على الجليد، كـ«ريم» الفتاة التي بلغت أعوامها العشرة وشاهدت العرض وهي ترتدي الحذاء الخاص بالتزحلق لأن موعد حصتها سيكون بعد نهاية العرض، والتي كان لديها أمنية واحدة وهي أن تكون قادرة على تقديم هكذا رقصات على الجليد في يوم ما.

وتستكمل متعة الأطفال مع الشخصيات الكرتونية، فهي أكثر ما يرسم الابتسامة على وجوههم، ويمنح الكبار فرصة استعادة بعض من ملامح وذكريات الطفولة، وقد تميزت العروض لهذا العام بتقديم العرض الأول من نوعه للشخصيات الكرتونية في مسلسل فيربي، وكذلك لعروض باربي، هذه الدمية التي تحولت أيقونة في عالم الفتيات الطفولي، بينما أتى مهرجان الطائرات الورقية محملاً بالفرح المعلق بالخيوط والذي حلق عالياً مع الرياح.

موسيقى

«من دون الموسيقى سوف تكون الحياة خطأ»، يعيدنا المهرجان إلى هذا القول لفريدريك نيتشه، حيث أولى وعلى مدار شهر كامل تقديم حفلات غنائية وموسيقية لمحبي الموسيقى من مختلف الجنسيات، فرق استعراضية من العالم، تحمل آلاتها الموسيقية تتجول في مراكز التسوق وكذلك في بعض الشوارع التي شهدت استعراضات، يشعر معها المرء وكأن النوتات الموسيقية تنتشر في أرجاء المكان مخلفة صدى محمل بالثقافات المتباينة التي أتت منها.

في المقابل كان محبو النجوم على موعد مع بعض الحفلات التي حضرت خصيصاً ضمن فعاليات المهرجان، فكانوا على موعد مع رابح صقر وديانا حداد، فيما كان محمد منير ونانسي عجرم من أبرز النجوم الذين استضافهم المهرجان، محمد منير هو الفنان الذي يتمتع بجماهيرية واسعة ليس من النخبة الذين يبحثون عن أغنيات مميزة فحسب بل من الجيل الجديد الذي يحب أغاني الراب أيضا، أما نانسي فهي الفنانة التي استطاعت أن تكون حديث الناس في حضورها، فهي تحمل شهرة واسعة جعلتها قريبة من الناس بروحها الخفيفة وشخصيتها الطفولية حتى للذين لا يستسيغون النمط الغنائي الذي تقدمه.

هذه الموسيقى التي تعتبر غذاء الروح وسبب سكونها لم تقتصر على الحفلات الخاصة، فقد امتزجت مع الفن البصري والألوان التي امتدت على طول شارع الفنون الذي جمع محبي الفن والباحثين عن متعة ممزوجة بنفحة ثقافية. وجدوا في المعرض الذي أقيم في الهواء الطلق على وقع العزف الموسيقي متعتهم في مشاهدة الرسوم على الحافلات وكذلك اللوحات، حيث تداخلت الألوان الصارخة مع الهادئة لتعكس أجواء من الحياة اليومية البسيطة، حيث تبدو التفاصيل البسيطة مرسومة بعناية على وقع الموسيقى.

موضة

الموضة والتسوق اللذان يرتبطان ببعضهما بعضا جاءا خلال المهرجان تجربة حقيقية تعكس شعاره «التسوق بكل روائعه»، إذ قدمت مجموعة من الفعاليات الخاصة بالموضة وكان أبرزها «حاويات الأزياء» التي أخرجت التسوق من الصورة النمطية التي يتمتع بها، لتدخله في نطاق مستحدث يقوم على تقديم الأزياء في حاويات معاد تدويرها ليقدموا منتجات صديقة للبيئة.

ويستكمل مشهد الأناقة ضمن مجموعة من الفعاليات الفريدة، وكذلك عروض الأزياء إلى جانب العروض الترويجية التي تجعل الإمارة محط أنظار محبي التسوق من حول العالم.

حضارات

أما المزيج الثقافي والخليط المنوع الذي تكتسبه دبي من خلال الجنسيات المتعددة المقيمة على أرضها فهو الذي أفرز نسيجاً خاصاً بحياة تقوم على ربط الحضارات، هذا التنوع يترك لدى من يزور المدينة أثراً لا يمكن إلا وأن يحمله معه أينما رحل، كما أن هذا الربط بين الحضارات أتى في المهرجان من روح البادية، من قلب الحياة الصحراوية لمجموعة من البلدان العربية، فتوثيق الحاضر بالماضي هو الجسر الوحيد للعبور نحو مستقبل واعد، تبرز حياة البادية ببعض التفاصيل التي تجذب زوار شارع السيف الذين يحبون تناول الشاي المغربي، ومنهم الشباب الذين لم يكونوا على معرفة ببعض الطقوس الخاصة بإعداد الشاي وطرق تقديمه في المقابل، تقدم بعض الأطباق الشعبية التي تحمل رائحة الإمارات، فهنا حيث الزعفران يمتزج برائحة الدهن البلدي (دهن خنين الذي تستخدمه المرأة التي تعد الأكلات التراثية البلدية)، إلى جانب شاي الكرك الذي تفوح منه رائحة «الهيل» والذي ارتبط بالثقافة الإماراتية على مدى السنوات بسبب شيوع تقديمه. مشهد الثقافة الإماراتية لا يقتصر على جانب الطعام، بل يستكمل في حي الشندغة مع الأجوبة التي يتيحها المشهد التراثي لكل من يبحث في تاريخ الإمارات، حيث تقدم الرقصات الشعبية الفلكلورية وكذلك بعض الأنشطة التي ارتبطت بالزمن الجميل؛ إذ كانت النساء تقوم بهذه الأشغال اليدوية، وأبرزها الخوص المصنوع من سعف النخيل.

هذا الامتزاج الثقافي ينعكس بروح مميزة يحملها المهرجان تقوم على الانفتاح وتقبل الآخر في عالم باتت فيه العودة إلى هذه القيم حاجة ملحة، إذ يشهد العالم الكثير من التمزقات والتفتت بين أبناء شعب البلد الواحد، تستطيع دبي ومن خلال مهرجانها أن تؤكد على مضيها في تعزيز ثقافة نبذ التعصب واحترام الآخر حيث السلام الحقيقي والعيش المشترك.

بعد أيام سيسدل الستار على الفعاليات التي يصح تشبيهها بمسرح ترفيهي متنقل رافق الناس طوال شهر كامل، ليعود جميع أفراد العائلة من صغارهم إلى كبارهم، وكل الجنسيات الموجودة في البلد ليعودوا إلى ممارسة روتينهم المعتاد، ومنها التسوق الروتيني الذي لن يكون بالحقيبة الخضراء والحمراء التي تجمع صور أفراد العائلة، تسوق روتيني لا يحمل كل هذه «الروائع».

تويتر