أكبر الجزر اليونانية وتضم قلاعاً وقصوراً ومساجد وأديرة

ريثيمنون.. ملتقى الشرق والغرب

صورة

تعد جزيرة كريت من أكبر الجزر اليونانية، وتشتهر بمبانيها التاريخية والأثرية، التي تضم قلاعاً وقصوراً ومساجد وأديرة ومعابد وكنائس قديمة. وتُعد مدينة ريثيمنون، ثالث أكبر مدن الجزيرة، بمثابة ملتقى الشرق والغرب؛ حيث تمتاز المدينة بتراثها الفينيسي والعثماني العريق الذي يُشكل أبرز ملامحها السياحية؛ إذ تعلو مآذن المساجد إلى جانب أبراج الكنائس. كما تتمتع الحرف اليدوية بمذاق خاص في هذه المدينة الخالدة.

وبينما كانت ساعة برج الكاتدرائية تدق بصوت مدوٍ معلنة انقضاء ساعة من عمر الزمن، كان كونستاس غيابيتسولو يسير عند المنعطف. ويزهو رئيس هيئة الآثار بمدينة ريثيمنون بالكنوز التاريخية والأثرية التي تمتاز بها مدينته ويفتخر بها بشدة، ويقول: «لاتزال المدينة تحتفظ بنحو 90% من تراثها المعماري حتى اليوم».

ويتولى كونستاس غيابيتسولو منذ سنوات مسؤولية الحفاظ على سلامة المباني القديمة والمنشآت القيمة في هذه المدينة التي يقطنها نحو 30 ألف نسمة، حتى لا يتم هدمها بسهولة، ويضيف: «لم ينتشر الوعي بالتراث المعماري في البداية إلا بمشقة بالغة».

ويتجول غيابيتسولو في الأزقة والحارات الضيقة في البلدة القديمة، التي تشبه شبكة الطرق المعقدة بمدينة البندقية أو فينيسيا الإيطالية. وليس من قبيل المصادفة أن استخدم البنادقة جزيرة كريت على مدار قرون من الزمن كقاعدة استراتيجية لإمبراطوريتهم التجارية. وتشهد على ذلك بوابات المدخل بالقصور القديمة المثيرة للإعجاب، وكذلك الأقواس الحجرية الكبيرة في الطابق الأرضي بالعديد من منازل المدينة.

ويشرح عالم الآثار تطور المدينة بقوله: «لقد شهدت ريثيمنون فترة ازدهار تحت حكم البنادقة»، الذين قاموا بتشييد العديد من المباني الضخمة، مثل لوجيا الكبير، الذي كان يعتبر بمثابة ملتقى للنبلاء من البنادقة لمناقشة الشؤون والأحوال العامة للجزيرة.

تقاليد خاصة


على الرغم من صخب الأفواج السياحية، لاتزال البلدة القديمة تحتفظ بتقليد خاص، حيث يقف نيكوس سكاراتسيلاكيس في المطبخ بمتجر الحلويات «موناليزا»، ويقوم بتحضير الآيس كريم بالطريقة التقليدية بواسطة حليب الأغنام. ويؤكد الشاب جودة الآيس كريم المصنوع من حليب الأغنام، قائلاً: «طعمه أفضل بكثير، لذلك فإنه أكثر تكلفة، وبه الكثير من السعرات الحرارية».

وإلى جانب متجر الحلويات يوجد مقهى «ميلي ميلو» الذي يتيح للسياح فرصة للاستراحة والتقاط الأنفاس واحتساء قهوة ستي كوفولي الشهيرة. ونادراً ما تقدم المقاهي هذه القهوة اليونانية التقليدية للسياح. وعلى الرغم من أنها ليست قوية للغاية، إلا أنها تمتاز بنكهة مكثفة. وتتمثل الميزة الخاصة لهذه القهوة في طريقة تحضيرها القديمة، حيث يتم إعدادها في أوعية من النحاس ببطء عن طريق وضعها في الرمال الساخنة.

وخلال الجولة السياحية في البلدة القديمة يمكن للسياح مشاهدة مهنة جيورجوس شاتزيباراشوس، التي أوشكت على الانقراض وتصبح ضمن معروضات متاحف، لأنه يعتبر آخر خباز للمعجنات والفطائر الهشة بمدينة ريثيمنون. ولا يمانع شاتزيباراشوس في أن يشاهده السياح أثناء العمل في مخبزه. ويقوم جيورجوس بإعداد كل منتجاته يدوياً منذ عام 1942. وتعتبر المعجنات والفطائر الهشة من تأثيرات المطبخ العثماني.

آثار عثمانية

شهد عام 1646 هزيمة البنادقة على يد الأتراك العثمانيين الذين أحكموا سيطرتهم على مدينة ريثيمنون طوال 200 عام. ولاتزال آثار الفترة العثمانية ظاهرة بوضوح في المدينة حتى الآن، ويقول عالم الآثار غيابيتسولو: «لقد قام العثمانيون بتصميم المباني وفقاً لأذواقهم»، وهو ما يتجلى بوضوح في بعض المنازل بالبلدة القديمة، حيث قاموا في القصور السكنية الخاصة بالبنادقة ببناء مشربية خشبية في الطابق الأول. وتتباين المشربيات المجددة جزئياً بشكل واضح مع بوابات عصر النهضة، التي تعتبر من السمات المميزة لمدينة ريثيمنون، والمزخرفة بالأوراق والأزهار والوجوه، وبالتالي فإن واجهات المنازل تعكس تاريخ المدينة.

وقام العثمانيون خلال سيطرتهم على المدينة بتحويل الكنائس إلى مساجد، وقاموا بإضافة مئذنة ارتفاعها 40 متراً تقريباً إلى دير أوغسطين الذي يرجع تاريخ إنشائه إلى القرن 16الميلادي. وتتيح هذه المئذنة للسياح فرصة الاستمتاع بإطلالة بانورامية على المدينة والبحر.

ويُعد مسجد نيراتس أكبر المساجد الخمسة المتبقية بمدينة ريثيمنون. ويعتنق الأغلبية العظمى من سكان المدينة الديانة المسيحية المذهب الأرثوذكسي، ومع ذلك تظهر اللمحات الشرقية في المدينة من خلال المآذن والمتاجر، التي تبدو مثل بازار وسط متاهة من الأزقة والحارات الضيقة.

وفي المساء يمكن للسياح الاستمتاع بنزهة ممتعة في الميناء الفينيسي، حيث تتراص المطاعم بجوار بعضها بعضاً، وتضع طاولاتها ومقاعدها بالقرب من الماء مباشرة. وأثناء الجلوس في هذه الأجواء الحالمة يشاهد السياح الفنارة العثمانية التي شيدها الأتراك لتحديد حوض الميناء. وتنعكس أضواء المساء بهدوء على أحجارها الرملية.

ويمكن للسياح الجالسين في المقاهي إلقاء نظرة على قلعة فورتيزا، التي تعتبر من أكثر المباني لفتاً للانتباه في مدينة ريثيمنون. وتحتل القلعة بأسوارها الضخمة قمة أحد التلال شمال المدينة وتطل مباشرة على البحر الكريتي. وقد قام البنادقة بتشييد هذه القلعة في الأصل لحماية المدينة من هجمات الأتراك العثمانيين، لكنها لم تفلح في مهمتها؛ حيث استولى الأتراك على المدينة في النهاية.

وعند العودة مرة أخرى إلى البلدة القديمة بمدينة ريثيمنون، حيث توجد الأزقة والحارات الضيقة، يمكن للسياح داخل فناء أحد القصور الصغيرة تناول الطعام على طاولات خشبية مغطاة بمفارش وسط الزهور والأعشاب والأعمال الفنية. وتوضح كاترينا إكسكالو أنها قامت بافتتاح مطعم «أفيل» عام 1987، في الوقت الذي كان فيه الكثير من المباني الأثرية لاتزال تنتظر عمليات التجديد والترميم.

وتؤكد إكسكالو على اعتقادها الدائم بضرورة إعادة إحياء المدينة. ودائماً ما تقدم الطاهية كاترينا إكسكالو وصفات قديمة من جدتها خلال دورات الطهي، وتوضح بالتفصيل كيف يمكن إعداد محشي ورق العنب بشكل جيد، وتحاول بذلك إثارة حماسة السياح نحو المكونات الطازجة الموجودة بجزيرة كريت.

وأضافت كاترينا إكسكالو: «نقوم بإعداد الأصناف في المطبخ الكريتي بشكل مبتكر»، ويرجع سر تميز المطبخ الكريتي إلى المنتجات المحلية الأصلية، مثل زيت الزيتون فائق الجودة والذي يتم إنتاجه بالجزيرة. وتؤكد الطاهية كاترينا إكسكالو أن المطبخ أصبح جزءاً من الهوية اليونانية، وقد ازداد الاهتمام به في ظل الوضع الراهن للبلد عن أي وقت مضى.

تويتر