الجلوس الطويل وقلة الرياضة والضغط العصبــي.. أبرز المسببات

آلام الظهر.. فتش عــن نمط الحياة

الرياضة والحركة تخففان آلام الظهر. د.ب.أ

تُعد آلام الظهر من أكثر المتاعب الشائعة بسبب أسلوب الحياة السائد، الذي تطول خلاله فترات الجلوس، ويتراجع فيه معدل ممارسة الرياضة، ويزداد الضغط العصبي. وعلى الرغم من أن هناك العديد من السُبل العلاجية للتخفيف من هذه المتاعب، كجلسات التدليك مثلاً أو الحقن المسكنة أو الوخز بالإبر الصينية، إلا أنه من الأفضل أن تتم الوقاية منها من الأساس، من خلال ممارسة الرياضة والأنشطة الحركية المتنوعة.

وأشار إنغو فروبوزه، من المركز الصحي التابع للجامعة الرياضية الألمانية بمدينة كولونيا، إلى أن العمود الفقري يندرج ضمن أكثر مناطق الجسم التي يتم إجهادها، والتحميل عليها بشكل خاطئ بفعل أسلـوب الحياة المتبـع في حاليًا، ما أدى إلى زيادة أعداد الإصابة بالانزلاق الغضروفي واللومباغو (آلام أسفل الظهر) ونوبات الألم المفاجئة في الظهر.

تنوع العلاج

شدد غرونيماير على ضرورة استخدام مجموعة متنوعة من التقنيات العلاجية، إذ «يجب أن يشتمل العلاج على جلسات التدليك والعلاج بالوخز بالإبر وممارسة اليوغا والتاي تشي والتشي كونغ، وكذلك الخضوع لتدريبات تحفيز الشعور بالذات واتباع تقنية فيلدنكرايز، إلى جانب الذهاب أيضاً إلى صالة لياقة بدنية موثوق فيها».

وأضاف الطبيب الألماني: «ينبغي على المرضى الاعتماد على أنفسهم، واستغلال جميع الإمكانات المتاحة أمامهم لعلاج التشنجات العضلية التي يشعرون بها في ظهرهم، أي إنه يجب عليهم ألا يستسلموا للرغبة في الراحة نتيجة شعورهم بالألم، إنما ينبغي عليهم التحرك وممارسة بعض تمارين الإطالة لمواجهة ذلك».

ويحذّر أخصائي علاج آلام الظهر الألماني مارتن ماريانوفيتس من التسرع في الخضوع لجراحة في الظهر، إذ غالباً ما تعود المتاعب والآلام من جديد لدى كثيرين من المرضى بعد إجراء جراحة الانزلاق الغضروفي مثلاً، مؤكداً أن التحلي بالصبر وترك الأمور على طبيعتها دون تدخل جراحي يُعدان أهم مقومات لعلاج الانزلاق الغضروفي، إذ ثبت أن ‬90٪ من حالات الإصابة بالانزلاق الغضروفي تشفى من تلقاء نفسها مع مرور الوقت.

وحتى إذا أمر الطبيب المريض بالخضوع للجراحة، ينصح ماريانوفيتس المرضى في مثل هذه الحالات باستشارة طبيب آخر لمعرفة رأيه في الحالة بشكل عام، ذلك كي يتسنى للمرضى تجنب الخضوع لجراحة دون داع.

وأضاف: «تتشابه أسباب الإصابة بآلام الظهر لدى جميع الأشخاص تقريباً، إذ غالباً ما تنتج عن قلة ممارسة الأنشطة الحركية وعدم تدريب العضلات بشكل كاف والمعاناة من الضغط العصبي وغيره من المتاعب النفسية المقترنة بسمات عصرنا الحديث».

أسلوب

أكدّ فروبوزه أن هذه المتاعب أصبحت لا تقتصر على المسنين فقط، إنما تُصيب الشباب والموظفين في بداية حياتهم، بل وتطول الأطفال الصغار أيضاً. وأوضح أن «إصابة الأطفال بآلام الظهر تنتج أيضاً عن أسلوب الحياة في عصرنا الحالي، فإذا لم يتجاوز معدل مشي الطفل ‬900 متر في اليوم وقضاء أربع ساعات يومياً أمام الكمبيوتر والتلفاز، ستكون إصابته بآلام الظهر نتيجة حتمية لذلك».

وأردف أن «ظهر الإنسان بما يحتويه من عضلات وأوتار وأربطة و‬24 فقرة متحركة بالعمود الفقري عبارة عن جهاز ثابت ومصد مرن لامتصاص الصدمات في الوقت نفسه، لذا يحتاج دائماً إلى أشكال متنوعة من الحركة والتحميل، وإلا تُصاب بعض الأجزاء الأساسية منه بالضمور والضعف، ما يؤدي إلى الشعور بالألم».

من جانبه، قال أخصائي أمراض الظهر بجامعة فيتن هيردكه، البروفيسور الألماني ديتريش غرونيماير، إن «الإصابة بآلام الظهر هذه تُعد مؤشراً تحذيرياً من الجسم، مع العلم بأنها قد تُعزى إلى أسباب عضوية بحتة، كأن تُشير مثلاً إلى تردي حالة الغضاريف أو إلى ضعف العظام أو العضلات».

وأشار إلى أن آلام الظهر يُمكن أن تُمثل أيضاً أحد أعراض «النفس جسدية»، التي تُشير إلى تعرض الإنسان لبعض المتاعب النفسية، إذ تنعكس الإصابة بالضغط العصبي في صورة إصابة بتشنجات في عضلات الجسم تتسبب في اضطراب الحركات الطبيعية بين العمود الفقري والعضلات الداعـمة له، ما يؤدي إلى الشعور بالألم في الظهر.

البروفيسور الألماني هارتموت غوبل من عيادة علاج الآلام بمدينة كييل، من جهته، ذكر أن «آلام الظهر تُمثل مشكلة مجهولة الأسباب في كثير من الأحيان بالنسبة للأطباء، إذ غالباً لا تُساعد صور أشعة (إكس) في استيضاح سببها، لاسيما إذا ما كانت ترجع إلى مشكلات نفسية، مع العلم بأنه لا يتم التحقق من أن الإصابة بآلام الظهر تُعزى إلى أسباب جسمانية إلا لدى ‬10 إلى ‬20٪ فقط من المرضى».

لذا أوصى غوبل الأطباء بفحص جميع العوامل الممكنة للإصابة بآلام الظهر، والتي يندرج من بينها الجوانب العاطفية والاجتماعية والسلوكية، كالوقوع تحت ضغط عصبي، أو الإصابة باكتئاب أو التعرض لإجهاد زائد في العمل أو مواجهة مشكلات مع الأسرة أو الأصدقاء.

أنشطة حركية

للوقاية من آلام الظهر، أكدّ البروفيسور الألماني غرونيماير أن ممارسة الأنشطة الحركية تُعد الوسيلة الأنسب لتجنب ذلك؛ إذ يعمل المشي والجري والانحناء واللف وممارسة تمارين التمدد، والإطالة على تحريك العمود الفقري بشكل جيد وإفادة الجسم عموماً، لافتاً إلى أن هذه الأنشطة الحركية تتناسب مع جميع الفئات العمرية. كما أوصى بضرورة استغلال كل فرصة سانحة للتحرك، إذ يُفضل مثلاً صعود الدرج بدلاً من استخدام المصعد الكهربائي، وكذلك ترك السيارة من آن إلى آخر واستخدام الدراجة، وكذلك ممارسة بعض الأنشطة الحركية في أوقات الفراغ لتدريب العظام المجهدة. وبذلك يُمكن تجنب كثير من نوبات آلام الظهر المفاجئة.

ولعلاج آلام الظهر، أوصت الرابطة الألمانية لعلاج الأمراض الروماتيزمية باستخدام بعض الوسائل المنزلية البسيطة كاستخدام زجاجة مياه دافئة مع تناول أحد مسكنات الألم، إذ يُساعد ذلك على التخفيف من حدة الألم بشكل سريع. وأشارت الرابطة إلى أنه عادةً ما يختفي الشعور بآلام الظهر بعد مرور بضعة أيام في الحالات المرضية البسيطة، وما يقرب من ‬90٪ من حالات الإصابة بآلام الظهر تتلاشى في غضون ستة أسابيع بغض النظر عن نوعية العلاج، الذي يتم تلقيه.

وعلى عكس النصائح القديمة، التي كانت تحث المرضى على الراحة وعدم التحرك عند الإصابة بآلام الظهر، ينصح الأطباء في الوقت الحالي بممارسة الحركة؛ لأنهم أدركوا أن العمود الفقري بما يحتويه من عضلات وأربطة ومفاصل في حاجة دائمة لذلك.

وذكر أخصائي علاج أمراض الظهر غرونيماير أنه غالباً ما يُوصي الأطباء مرضاهم بالخضوع لجلسات تدليك وأخذ حقن أو أدوية مسكنة للألم، لافتاً إلى أنهم أصبحوا يميلون أيضاً لاستخدام العلاج الطبيعي بشكل كبير. وتابع أن «الخضوع لتقنية العلاج الصيني التقليدي بالوخز بالإبر تُثمر نتائج فعّالة في علاج آلام الظهر أيضا»، مستنداً في ذلك إلى نتائج الدراسات التي أثبتت أن اتباع هذه التقنية العلاجية يُحقق نجاحاً أكبر من اتباع كل الوسائل العلاجية الأخرى.

تويتر