محمية تنزانية شاهدة على تاريخ الجنس البـــشري

«نغورونغورو».. بــريـة الأسلاف

صورة

تعد محمية نغورونغورو التنزانية من الأماكن القليلة على مستوى العالم المدرجة على قائمتي اليونيسكو للتراث الطبيعي والثقافي العالمي في آن واحد، إذ تتمتع المحمية بحياة برية نادرة، كما أنها تضم بين جنباتها آثاراً لأقدم إنسان بدائي عاش على الأرض، ما جعل البروفيسور الألماني برنهارد غريزميك يطلق على هذه المحمية اسـم «أعـجوبة العالم الثامنة». وفي نهاية رحلة سفاري في أحضان هذه المحمية الفريدة يتأكد السائح من صدق هذه المقولة.

وتم إدراج هذه المحمية الطبيعية، التي نشأت نتيجة انهيار جبل بركاني، على قائمة التراث الطبيعي العالمي لمنظمة اليونيسكو خلال عام ‬1979، علاوة على أنها مدرجة ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي أيضاً، بسبب اكتشاف العالمة ماري ليكي جمجمة لجنس أسترالوبيثكس في وادي أولدوباي، الذي يقع على مسافة ساعة بالسيارة غرب فوهة البركان.

وتنطلق سيارات الأراضي الوعرة على الحصى والصخور السوداء لتصل إلى كتلة خرسانية تحدد مكان اكتشاف الجمجمة، التي لم تكن الاكتشاف الأخير لعالمة الأنثروبولوجيا القديمة في محمية نغورونغورو.

تاريخ

وحيد القرن

نتيجة لعمليات الصيد غير المشروع وصل عدد وحيد القرن في أوائل الثمانينات من القرن الماضي إلى ‬18 حيواناً فقط، أما حالياً فيقدر الحراس أن عدد هذه الحيوانات التي تعيش حول فوهة البركان يراوح ما بين ‬38 و‬39 حيواناً، وبالتالي يكون الإنسان قد تمكن من الحفاظ على وحيد القرن في محمية نغورونغورو على الأقل.

قال الأمين العام المساعد لمتحف أولدوباي لاديسلاف كاشايجا دوميكيان «في السابق كان هذا الوادي عبارة عن بحيرة كبيرة تزخر بكثير من المخلوقات»، مشيراً إلى أن الأرض الجرداء التي ينمو بها حالياً بعض شجيرات الصبار ونباتات السيزال المتفرقة هنا وهناك. وعندما توفيت الحيوانات في السابق، غاصت عظامها في الوحل وظلت محفوظة بحالة جيدة.

وتزخر طبقات الصخور بوادي أولدوباي بمراحل مختلفة لتطور الجنس البشري، جنس الهومو هالبيس وجنس الهومو إريكتوس وجنس الهومو سابينس، التي ظلت محفوظة بها على مدار مليوني سنة. وعثر الباحثون على بعض الحفريات والآثار المتحجرة.

ولكن ماري ليكي عثرت على أقدم آثار لأسلاف الجنس البشري في منطقة لاتولي، التي تبعد نحو ‬25 كيلومتراً إلى الجنوب، ووجدت في هذه المنطقة آثار أقدام ترجع إلى ‬3.6 ملايين سنة. ويتمكن السياح من رؤية هذا الآثار وتلمسها في متحف المنطقة، ولا تختلف هذه الآثار تقريباً عن أقدام الإنسان في العصر الحديث. ومن خلال وضعية وترتيب أصابع الأقدام تعرف العلماء أن جنس أسترالوبيثكس كان يمشي منتصب القامة بالفعل.

ولم تقتصر التغيرات، التي حدثت خلال ملايين السنين الماضية على الجنس البشري فقط، بل إن جدران المُتحف يظهر عليها جماجم الأسلاف المنقرضة للأفيال والغزلان والزرافات والجاموس الوحشي.

ويتمكن السياح حالياً من مشاهدة الأجيال الجديدة من هذه الحيوانات في مرتفعات نغورونغورو، إذ يهاجر في شهور الشتاء الأوروبي نحو ‬1.4 مليون من الحيوانات النو ومئات الآلاف من الحمير الوحشي والغزلان خلال منطقة السافانا التي تقع في غرب المحمية الطبيعية. وفي بداية العام أيضاً تضع حيوانات النو الآلاف من صغارها في هذه المحمية، إذ تأكل من العشب الغني بالمعادن إلى أن ترحل خلال شهر مايو إلى غرب محمية سيرينغيتي.

بركان

هناك العديد من الحيوانات الأخرى التي لا تهاجر من فوهة البركان. ويعلل عبدللي لازير المرشد الذي يصطحب السياح بمحاذاة فوهة البركان وهو يحمل سلاح كلاشينكوف، بقوله «لماذا يُهاجرون وهم يعثرون هنا على كل ما يحتاجون إليه من ماء وعشب وملح، ويمكن أن نقابل بعض الحيوانات».

ويظهر في هذا المشهد الحمار الوحشي وهو يرعى على جانب الطريق، كما يشاهد السياح الجاموس الوحشي، أحد الحيوانات الخمسة الكبار، على مسافة تقل عن ‬100 متر.

وذكر مرشد رحلات السفاري ماكدونالد ماشيغه «تضم هذه المجموعة ستة من الثيران المتقدمة في العمر، التي تمشي ببطء مثل البطة العرجاء، لكنها لاتزال قادرة على الجري بسرعة كبيرة». ويقوم ماكدونالد باصطحاب السياح في رحلات السفاري في هذه المحمية منذ ‬19 عاماً، ويعتقد أنه سار حول فوهة البركان أكثر من ‬500 مرة.

لكن المرشد السياحي يؤكد أن هذه المرة مختلفة تماماً، إذ بدأ هطول الأمطار الأستوائية على المحمية. وحتى إذا كان هناك أحد النمور يرقد على فروع الأشجار المجاورة للسياح، فلن يتمكن أحد من مشاهدته. وهناك يتناول السياح وجبة الغذاء في السيارة، التي عادة ما تشتمل على قطع دجاج وشطائر وبيض مسلوق ورقائق البطاطس.

وبعد فترة من الوقت يصيح ماكدونالد، قائلاً «فهد.. فهد، انظروا إنه يريد الصيد، ولكن الضباع يطاردونه». ويمر الفهد من دون خوف بين قافلة سيارات الدفع الرباعي، وتنطلق كاميرات التصوير لتسجيل هذه اللحظات النادرة. ويهمس ماكدونالد، قائلاً «يعتبر الفهد من أهم الحيوانات في المحمية لأنه أصبح نادراً».

تويتر