4000 عام من الكدّ والغوص إلى بناء أعلى سقف فوق الأرض

دبي.. طريق اللؤلؤ إلى ناطحات السحاب

صورة

كانت دبي قرية صغيرة للتجارة وصيد الأسماك على ساحل الخليج العربي في موقع بر دبي الحالي، إلا أنها سرعان ما تحولت إلى واحدة من أروع مدن العالم العصرية، وشكلت مثالاً حياً على التناغم والتمازج الذي يجمع منازل الجص في منطقة الفهيدي التاريخية مع ناطحات السحاب المذهلة، واليوم تنبض هذه المدينة الحديثة بثقافات لأكثر من 200 جنسية.

وبالرجوع إلى تاريخ هذه المدينة نجد أن دبي برزت كياناً مستقلاً منذ القرن الثامن عشر، عندما كانت قرية للصيد والغوص، وكان لسياسة حكامها من آل مكتوم الكرام دور كبير في إنعاشها وتحويلها إلى مدينة تجارية واسعة، إلى ان أصبحت ناطحات السحاب تعانق الغيوم، والمراكز التجارية الفخمة تنتشر في كل مكان، ما منح المدينة مكانة مهمة على خريطة الشرق الأوسط خصوصاً، والعالم عموماً.

مدينة المال والأعمال
في هذا الصدد يقول المهندس رشاد محمد بوخش، مدير إدارة التراث العمراني ببلدية دبي وباحث في التراث والآثار: «مدينة دبي بحكم موقعها الجغرافي المميز وتوسطها طرق التجارة بين الشرق والغرب، واعتمادها على النشاط التجاري تحولت من قرية صغيرة للصيد والغوص إلى مدينة للمال والأعمال، واليوم تحظى دبي بأفضلية لا تضاهى في ربط الأسواق بعضها ببعض من الشرق الأقصى وصولاً إلى الولايات المتحدة، ما جعلها مركزاً تجارياً ومالياً عملاقاً».

ويضيف: «رغم أن تاريخ المنطقة، ودبي خصوصاً، لم يجرِ تدوينه بدقة كما هو مطلوب، إلا أنه وبعد أن كشف النقاب عن بعض المستوطنات التاريخية تبين أن الحضارة في هذه المنطقة قد بدأت منذ نحو 4000 سنة، وتمثل ذلك في استيطان مجموعة صغيرة من السكان على سواحل الخليج العربي، حيث احترفوا مهنة الصيد والغوص للبحث عن اللؤلؤ، ومنها تكونت دبي الحديثة، وشكّل خور دبي مأوى لأولئك السكان الذين مارسوا التجارة عبر البحار والمحيطات أو بالقوافل بين وادي الرافدين شمالاً وعمان جنوبا .

ويتابع: «اكتشف العلماء خلال السنوات القليلة الماضية مئات من اللقى الأثرية، بما فيها الفخاريات والخزفيات والأسلحة والعملات النقدية، وجميعها تشير إلى وجود حضارات يعود تاريخها إلى الألفين الثالث والثاني قبل الميلاد، ويمكن مشاهدة تلك المجموعات التاريخية في متحف دبي».

من ناحية ثانية، يضيف بوخش أن الآثار الموجودة في دبي هي من أقدم المواقع المكتشفة في المنطقة، فموقع الصفوح التاريخي تعود عمارته إلى الفترة الهلينستية، ويعود تاريخه للألف الثالث قبل الميلاد، وعثر فيه على مدفن دائري مقسم لست غرف مبنية من الحجارة الرملية المشذبة مملوءة بالهدايا الجنائزية، وحول المدفن ثلاث حفر مملوءة ببقايا العظام، ما يدل على استخدام المدفن مرات عدة.

وعن موقع القصيص الأثري يقول مدير إدارة التراث العمراني ببلدية دبي: «القصيص من أقدم المستوطنات البشرية وأكبرها، وتعود إلى الألفين الثاني والأول قبل الميلاد. بدأ التنقيب فيها منذ ستينات القرن العشرين، وتم اكتشاف ما يزيد على 200 مدفن بأشكال وأحجام متنوعة، بعضها مستطيل والآخر بيضاوي، وبعضها مسطح».

ويتابع: «تعد قرية حتا من المناطق الأثرية في دبي، إذ تحتوي على مجموعة من المدافن القديمة التي ترجع إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وتم العثور على مجموعة من الرسوم القديمة على أحجار متنوعة الحجم. أما موقع جميرا فيعتبر محطة تاريخية مهمة في منطقة الخليج ويعود تاريخه إلى العصر الإسلامي الأول، حيث تم العثور على مجموعة من المباني التاريخية التي تدل على أشكال الفن المعماري في العصور الإسلامية من أقواس وزخارف، بالإضافة إلى مقتنيات فخارية وزخارف جصية وعملات معدنية».

وحول تاريخ دبي الحديث، يقول: «دبي الحديثة يرجع تاريخها إلى العام 1833 ميلادي، حيث كانت قرية صغيرة في بر دبي استقر فيها فرع من قبيلة بني ياس القادمة من إقليم الظفرة، وأقاموا تجمعاً سكانياً صغيراً عمل في تجارة اللؤلؤ والغوص مع أنشطة تجارية متنوعة».

ويضيف: «اعتبرت دبي الميناء الخليجي الأول للمنطقة منذ العام 1903 ميلادي، ومع مطلع القرن الماضي اشتهرت بأسواقها الممتدة على ساحل الخليج، وقد كان لتجارة اللؤلؤ الأثر الأكبر في جعل دبي مركزاً رئيساً، غير أن اكتشاف اللؤلؤ الصناعي في الثلاثينات أسدل الستار على هذه الصناعة محلياً، ولكن قدرة سكان دبي على إيجاد البدائل مكنتهم من التغلب على هذه الأزمة، فتحولت دبي إلى مركز مهم لتجارة الذهب، وغيره من السلع».

حصن الفهيدي
يذكر بوخش أن حصن الفهيدي شيد في عام 1799 ميلادي، ويضم في جانب منه متحف دبي، وقد أقيم كسكن للحاكم بالإضافة لحماية المدينة، وافتتح رسميا كمتحف في عام 1971، بعد أعمال صيانة استمرت لمدة ثلاث سنوات. ويحتوي المتحف على معروضات تقدم صورة واضحة عن طبيعة الحياة قبل اكتشاف النفط في المنطقة، بالإضافة إلى المظاهر التراثية التي تمثل الطبيعة كالخور والمنازل التقليدية والمساجد والأسواق، ومزارع النخيل، والحياة الصحراوية والبحرية.

ويشير إلى أن أكثر المعروضات روعة وجمالاً لوحات الغوص التي تصور مهنة الغوص والبحث عن اللؤلؤ وأدوات الغوص، مثل الفطام والبلد والشمشول والديين والمفلقة والموازين والمنخل التي استعملها تجار اللؤلؤ، وهناك أيضاً اللقى الأثرية التي تشير إلى وجود حضارات يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد.

وتطرق في حديثه عن مناطق دبي في ذلك الوقت بالقول: «بعد أن استتب الأمن في دبي توافد عليها الناس، وأخذت تكبر فانقسمت إلى ثلاث مناطق رئيسة، أولها ديرة على الضفة الشرقية للخور، وهي المنطقة الأكبر والمركز التجاري الرئيس، وبر دبي والشندغة على الضفة الغربية للخور، وكان يفصل بين الشندغة وبر دبي حاجز مائي يدعى (الغبيبة)، وعادة ما كان الخور يغمر هذه المنطقة بمياهه عندما يحدث المد. وتقع منطقة الشندغة على شريط طويل من اليابسة يفصل البحر عن الخور، وكانت الشندغة أصغر منطقة من المناطق الثلاث، وهي عبارة عن منطقة تجمع سكني رئيس، وهي مكان إقامة الحكام، بمن فيهم الشيخ سعيد بن مكتوم بن حشر، رحمه الله، ومنزله مازال موجوداً في منطقة الشندغة إلى يومنا هذا».

ويصف بوخش دبي قبل أكثر من 100 عام قائلاً: «في ذلك الوقت بنيت المنازل بمواد بسيطة، مثل جذوع وسعف النخيل (العرش)، ومن ثم استخدمت الحجارة البحرية والجص في البناء، ومع ازدهار تجارة اللؤلؤ ظهر الترف في أنماط البناء، حيث استعملت الحجارة البحرية مع بناء أبراج التهوية (البراجيل) التي تعتبر من الوسائل الأولى للتبريد. وحرص السكان على استخدام نمط في البناء يناسب الجو القاسي في المنطقة، لذا فإن المنزل كان يشتمل على فناء داخلي يدعى (الحوي)، مع وجود برج للتهوية (البارجيل) الذي يلتقط الهواء من مختلف الاتجاهات ويدفعه بقوة على شكل تيار هوائي إلى داخل المنزل »
وأردف: «صاحبت ذلك حياة تجارية ومهن حرفية، مثل مهنة بناء السفن للغوص على اللؤلؤ والتجارة، وبدأت أسواق دبي تنتعش وذاع صيتها وجذبت التجار في القرن التاسع عشر، حيث توافدوا بسفنهم من الهند وإيران والساحل الشرقي لإفريقيا».

ومضى يقول: «في حين تشتهر المدينة اليوم بالحركة والعدد الذي لا يحصى من السيارات السريعة الفارهة، كان أهالي المدينة منذ فترة نصف قرن يعتمدون في تنقلاتهم على الجمال والمراكب الشراعية والعبرة، اما اليوم أصبح المترو يطوف شوارعها، وطائرات (380 أ) العملاقة تئز في فضائها، ويمارس سكانها التزلج على المنحدرات الثلجية في الأماكن المغلقة».

وفي ما يخص الطرق والمواصلات يضيف: «حتى منتصف القرن الماضي لم يكن في دبي شبكة طرق، بل إن طرقها كانت عبارة عن ممرات ومدقات ترابية ضيقة لا تسمح بمرور السيارات، وبما أنه لم تكن هنالك جسور على الخور تصل بين شطري دبي فقد ترتب على الناس أن يتحملوا رحلة مضنية للانتقال من ضفة إلى أخرى، وذلك بالدوران حول نهاية الخور أو التنقل بواسطة العبرة، وهي عبارة عن قارب صغير يسير بالتجديف ينقل الناس من ضفة إلى أخرى، واستخدم الأهالي القوارب الصغيرة للوصول إلى البواخر الراسية بعيداً عن سواحل الخور».

ويؤكد بوخش أن أسواق دبي منذ منتصف القرن الماضي كانت تعج بالبضائع القادمة من كل أنحاء العالم بسبب نشاط تجارها الملحوظ في ذلك الوقت وإلى اليوم، فقد ذكر كثير من الرحالة الغربيين هذا الأمر على سبيل التعجب، ووصف ج.ج لوريمر في كتابه دليل الخليج عام 1908، السوق في ذلك الوقت بأنه منطقة تجارية تعج بالنشاط والحيوية وتقع في منطقة ديرة، وتتكون من 350 محلاً تجارياً، وبذلك اعتبر أكبر سوق في المنطقة وتصل بين هذه المحال ممرات مسقوفة، حيث يجلس التجار مع بضائعهم في محال بسيطة وكانوا يستخدمون المصابيح الزيتية لإضاءة مخازنهم أو محالهم، وعند إغلاقها يستخدمون هذه المصابيح لإنارة طريق العودة إلى المنازل لعدم وجود شوارع، بل كانت «سكيك»، عبارة عن ممرات ضيقة شديدة الظلام.

خور دبي
في ما يتعلق بالانطلاقة الثانية لدبي يضيف بوخش: «الانطلاقة الثانية لدبي كانت بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يحل عام 1950 حتى كانت هناك مجموعة من المؤسسات التي شكلت نواة التخطيط الجديد للمدينة، حيث وجد البنك البريطاني للشرق الأوسط ومكتب للبريد ومكتب شركة تطوير النفط المحدودة، وتم بناء أول مستشفى وسمّيت مستشفى آل مكتوم».

ويتابع: «بعد أن شارك المرحوم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، في تسيير أمور الحكم منذ عام 1939، حيث عين ولياً للعهد، وتولى مقاليد الحكم في الإمارة عام 1958، وخلال فترة حكمه التي استمرت حتى عام 1990 تصدى لعدد من المعضلات بحنكة واقتدار ورؤية ثاقبة».

ويقول بوخش: «بفضل الخور أخذت دبي تستعيد نشاطها في أوائل الخمسينات بعد فترة كساد سبقت ذلك مباشرة، ونظراً لمحدودية الأرصفة كانت المراكب الخشبية التقليدية الكبيرة تضطر إلى الرسو كل ثلاثة جنباً إلى جنب في الخور الذي يبلغ طوله تسعة أميال، وكان الشيخ راشد يرى أن الاضطراب الناجم عن قلة عدد الأرصفة تسبب في التهرب من الضرائب التي كانت دبي في أمسّ الحاجة إلى عائداتها آنذاك، وبدأ الشيخ راشد يتحدث في مجلسه حول ضرورة تقديم المزيد من التسهيلات في الخور لإنعاش القدرات الاقتصادية، على أن ثمة ظاهرة سلبية بدأت تطل برأسها، وهي أن الخور بدأ يمتلئ بالطمي بدرجة تنذر بالخطر، ما يعيق حركة الملاحة فيه، وكان الشيخ راشد على دراية بهذا الأمر، فكلف المستشارين بإجراء مسح للخور، ووضع الخطط الكفيلة بفتح الممر المائي بصفة دائمة، ومن أجل ذلك تعاقد مع شركة نمساوية بكلفة تقديرية بلغت 400 ألف جنية إسترليني».

ويضيف: «في عام 1959 قرر الشيخ راشد بن سعيد تحويل المدينة إلى مركز تجاري رئيس، فعمل على تجديد خور دبي لتمكينه من استيعاب السفن التجارية الكبيرة، فأخذ الضجيج المنبعث من حركة الحفارات الميكانيكية والآليات الثقيلة والرافعات يقض هدوء المدينة، وكان الشيخ راشد يزور مواقع العمل على الخور مرات عدة في اليوم للوقوف على سير تنفيذ المشروع، ولم يمض وقت طويل حتى كانت حكومة دبي تجني ثمار هذا المشروع، حتى قبل أن يكتمل، فقد أمر الشيخ راشد باستخدام حصيلة الحفر من الصخور والطمي لردم المنطقة المنخفضة على جانبي الخور، خصوصاً الشريط الطيني المواجه لبر ديرة، وهكذا توافرت أراضٍ جديدة على البحر في موقع من أهم مواقع المدينة، واخذ الشيخ راشد يبيع مساحات واسعة من هذه الأراضي، مستفيداً من عائداتها في تغطية جزء من تكاليف تطوير خور دبي. ومع نهاية عام 1960 كانت شركة (هالكرو) قد فرغت من تنفيذ مشروع تحسين مرفأ دبي وأصبح الخور قادراً على استقبال سفن ذات غاطس بعمق ثمانية أقدام، وتحقق أمل الحكومة في أن تؤدي عملية توسيع الخور وتطوير البنية الأساسية للمرفأ إلى بروز دبي مركزاً تجارياً رئيساً على طول الساحل المتصالح، وحقق المشروع نجاحاً باهراً وزادت عوائد الرسوم الضريبية، وكان هذا المشروع هو أضخم مشروع تنموي شهده الساحل المتصالح حتى ذلك الحين.

ومضى يقول: «تغيرت الصورة النمطية للخور، إذ اعتاد الأهالي عبور الخور والانتقال بين ضفتيه سيراً على الأقدام وقت جزر مياه البحر، قبل عمليات التجريف الكبرى التي عمقت الخور وجعلته صالحاً للملاحة على مدار العام، ولكن هذه الصورة انتهت تماماً».

ويسلط الضوء على الخطوة الثانية بالقول: «كانت الخطوة الثانية التي قرر الشيخ راشد اتخاذها هي إنشاء جسر يربط بين ديرة وبر دبي، حيث كان من الصعب جداً الطواف حول الخور، لذلك أراد أن يربط بين طرفي المدينة بطريق معبد يسهل السير عليه، وبدأت الأشغال في بناء جسر آل مكتوم ذي الاتجاهين، بعد أن نجح الشيخ راشد في الحصول على قرض بقيمة 190 ألف جنيه إسترليني. وانتهى العمل في بناء أول جسر يربط بين ديرة وبر دبي في عام 1962، وقام الشيخ راشد بافتتاحه في ذلك العام، معلناً بداية مرحلة جديدة من الحياة التجارية في المدينة. أما المعابر الأخرى الموجودة حالياً على خور دبي، فهي معبر الخليج التجاري ونفق الشندغة وجسر آل مكتوم وجسر القرهود والجسر العائم».

«فاتح» أول حقل نفطي
يوضح بوخش أن الشيخ راشد كان مصمماً على أن تصبح دبي إمارة نفطية، خصوصاً بعد أن بدأت بوادر الانتعاش تظهر في اقتصاديات دول مجاورة، مثل المملكة العربية السعودية والبحرين والكويت، وبعد أن أظهرت تقارير جيولوجية مؤشرات ايجابية على وجود النفط في دبي منحت حكومة دبي شركة الاتحاد الشرقي امتياز التنقيب عن النفط في أراضيها في عام 1937، وأصرت دبي على توظيف مواطنين من دبي في الشركة، إلا ان اندلاع الحرب العالمية الثانية أوقف عمليات التنقيب عن النفط في دبي، ما أجّل دخولها عصر الازدهار النفطي».

وينوه إلى ان عمليات استكشاف النفط استؤنفت بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، ولم يكن الشيخ راشد الذي كان يقوم آنذاك بالتفاوض بالنيابة عن أبيه يشعر بالارتياح تجاه الشروط التي كانت تنص عليها اتفاقات التنقيب عن النفط مع بعض دول المنطقة، والتي تحصل بموجبها حكومات تلك الدول على 20% فقط من الأرباح. وقد استطاع الشيخ راشد ببراعته التفاوضية ان يطالب بحصة متساوية من الدخل المحصل من النفط مناصفةً مع الشركات النفطية العاملة في الإمارة، وقبلت الشركات بشرط الشيخ راشد، مع ذلك فإن اكتشاف النفط في المناطق البرية لم يصادف نجاحاً، على أن الجهود لاستكشاف النفط لم تتوقف حتى تم العثور على الذهب الأسود في المناطق البحرية، وبالتحديد في حقل «فاتح» في عام 1966، فكان ذلك إيذاناً بدخول دبي عصر النفط، وقد اختار الشيخ راشد بنفسه اسم «فاتح» لأول حقل نفطي من باب التفاؤل، وليكون بمثابة فاتحة خير على البلاد وشعبها.

ويضيف بوخش: «بدأت دبي إنتاج النفط رسمياً في عام 1969، وتم شحن أول ناقلة بالبترول في 22 سبتمبر 1969 بحمولة 180 ألف برميل، وفي التاسع من نوفمبر 1970 تم اكتشاف حقل النفط الثاني في جنوب غرب حقل (فاتح) وبدأ إنتاجه في عام 1972، وتوالت بعد ذلك عمليات استكشاف النفط في دبي».

ويتابع: «مع اكتشاف النفط في دبي أواخر الستينات تغير كل شيء، إذ انتعش الاقتصاد وتوافد التجار للاستقرار في المدينة، كما بدأ تصدير النفط الخام الذي غمرت عائداته خزائن مدينة دبي، وبحلول عام 1973 أصبح الدرهم الإماراتي عملة رسمية».

ويؤكد أن الفضل في تطور مدينة دبي يعود إلى المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، وقد خلفه على درب التطور والحداثة المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ مكتوم بن راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، ويتمم درب التطور والحداثة والمعاصرة صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله.

وفي ما يتعلق بالمحطات التاريخية التي مر بها تطور النقل والمواصلات الجوية في المدينة، ففي عام 1937 هبطت أول طائرة على خور دبي تابعة للخطوط الملكية البريطانية، وفي منتصف الثمانينات بدأ الترويج للمدينة وجهةً سياحية، وشيدت دبي مطاراً صغيراً، ولكن مع تطور الإمارة السريع والمطرد توسع مطارها ليصبح من أكبر المطارات العالمية، وفي عام 2009 افتتحت دبي المرحلة الأولى من أكبر مطار في العالم، وهو جزء من مشروع متكامل «دبي وورلد سينترال»، كذلك تمتلك دبي أكبر شركة طيران في العالم وهي «طيران الإمارات»، بالإضافة إلى شركة «فلاي دبي» الاقتصادية.

يذكر أن «مطار آل مكتوم الدولي» سيصبح عند اكتماله أكبر مركز في العالم لنقل الركاب والشحن بطاقة استيعابية قصوى تبلغ أكثر من 12 مليون طن من البضائع سنوياً، وما يزيد على 120 مليون مسافر سنوياً.

المدينة العمودية
يؤكد الباحثون أن من أهم المحطات التي مر بها تاريخ دبي المعاصر انشاء «برج العرب» عام 1999، والذي يعتبر أفخم فندق في العالم، الأمر الذي عزز سمعة المدينة وجهةً سياحية راقية، كما افتتح صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، برج خليفة رسمياً في الرابع من يناير 2010، ليصبح البناء الأعلى في العالم، بعد ان بدأ العمل بتشييده في يناير 2004.

وبلغت كلفة إنشاء «برج خليفة» 1.5 مليار دولار منذ بدء إنشائه عام 2004، وعدد طوابقه تجاوز 200 طابق، ويقيم ويعمل في البرج نحو 12 ألف شخص في ما يشبه «المدينة العمودية» .

وتم افتتاح أول شبكة مترو في إمارة دبي في 9 سبتمبر2009، واعتمد على أكثر من 50 محطة، وهو الأول من نوعه في المنطقة. وبعد سنتين من افتتاح الخط الأحمر افتتح الخط الأخضر، ويعتبر مترو دبي أطول مترو أوتوماتيكي في العالم ويعمل من دون سائق، وهو صديق للبيئة، حيث إنه كهربائي بالكامل.

واليوم تحتضن شواطئ دبي أبرز ثلاث أيقونات عمرانية موجودة في منطقة الشرق الأوسط، وهي جزر جميرا وجبل علي وديرة، وكانت قد احتفلت شركة «نخيل»، وهي الشركة المطورة للمشروع، بوصول أول دفعة من السكان لجزيرة  النخلة - جميرا في نهاية عام 2006، وتعتبر جزيرة النخلة جميرا الآن أكبر جزيرة من صنع الإنسان في العالم، ولكن عند اكتمال جزيرة النخلة - ديرة ستكون أكبر جزيرة من صنع الإنسان في العالم وستكون أكبر بثماني مرات من مساحة جزيرة  النخلة - جميرا، وخمس مرات أكبر من جزيرة النخلة - جبل علي.

وأصبحت دبي مدينة عالمية تقف شامخة بين أمواج الخليج العربي وبين أحضان رماله الذهبية، وهي مدينة جمعت المجد وذاع صيتها في أرجاء المعمورة حتى أصبحت قبلة للسائحين ومقصداً للتجار والمستثمرين، وملاذاً لكل من ينشد الأمن والاستقرار.

وتجمع دبي أو «فينيسيا الشرق»، كما يحلو للبعض ان يسميها، بين ميزتين كونها مركزاً تجارياً عالمياً، وكونها مقصداً سياحياً يضاهي أرقى المنتجعات السياحية في العالم، وعرفت كيف تمزج بين تقنية القرن الحادي والعشرين وبساطة وعراقة الزمن القديم. وفي هذا التباين يكمن سحر دبي ونكهتها وفرادتها.

تويتر