بعد فحوص وتجارب امتدت 4 عقود

«لاتفيا» تعلن عن عقار يعالج الأورام السرطانــية

العلاج أثبت فاعليته مع سرطانات الجلد والمعدة والقولونات. أرشيفية

من لاتفيا، حيث سحر البحر البلطيقي.. ومن دولة صغيرة بحجمها وسكانها، كبيرة بعلمها وعلمائها، كانت «الإمارات اليوم» تلبي دعوة مفاجئة، أحب القائمون عليها أن تكون ممنهجة للكشف عن أول عقار لاتفي لعلاج بعض أنواع السرطان.

العقار اسمه (ريغفير)، وهو حصيلة عمل بدأ منذ عام 1965 في مختبرات الدواء وعلوم الأورام في الاتحاد السوفييتي، وقد كانت لاتفيا جزءاً من الدولة العظمى آنذاك. وكانت البروفيسورة آينا موتسينيتس الطبيبة اللاتفية المختصة في علم الأورام هي من وقفت وراء اكتشاف ذلك العقار، وقد أفنت عمرها في دراسة علم الفيروسات وطرق المعالجة بها، حتى وصلت إلى تركيبة فيروسية يحقن بها مريض السرطان في موضع الورم، فتقوم الفيروسات العلاجية في العقار بمهاجمة الخلايا غير السليمة دون أن تمس الخلايا السليمة وتعزلها وتقضي عليها.

ريغا.. عاصمة لاتفيا، المدينة الجميلة والعريقة التي تفتخر بوسطها التاريخي المتخم بالمباني الجميلة والقديمة، كانت أولى محطاتنا بها مكتب وزيرة الصحة اللاتفية، الدكتورة إنغريدا سيرسن، التي عرضت في بداية الحوار مقدمة مكثفة وموجزة في تاريخ أبحاث العلاج الفيروسي في لاتفيا، مؤكدة أن الدولة اللاتفية مهتمة الآن بالتعاون الدولي في مجال تلك الأبحاث والتي حققت فيها لاتفيا تقدما ملحوظا.

وحول سؤالنا عن مفهوم السياحة العلاجية، التي تحاول لاتفيا الترويج لها على أعلى المستويات، أكدت الوزيرة أن الحكومة تضع في أولوياتها تحقيق استراتيجية وضع لاتفيا كإحدى دول العالم المتقدمة في مجال السياحة العلاجية، مشيرة إلى ان لاتفيا دولة حديثة الاستقلال، واستطاعت في فترة قصيرة تكييف تشريعاتها والتقدم باقتصادها لتصبح متوافقة وعضوية دول الاتحاد الأوروبي، منوهة بأن لاتفيا ليست دولة ثرية قياسا ببقية دول الاتحاد الأوروبي، الا أنها تتميز بأنها كانت على الدوام تتبنى نظاماً تعليمياً قوياً أنتج في النهاية علماء وأطباء من لاتفيا لهم أسماؤهم اللامعة في العالم، وقد استثمرت الدولة في ذلك وبنت عليه دعمها لتأسيس بنية تحتية متينة لمنشآت علمية ومخبرية وطبية في القطاعين العام والخاص.

وأشارت سيرسن إلى ان التركيز القادم للدولة هو الترويج للاتفيا كدولة متقدمة في السياحة العلاجية المحترفة، وتحديدا في الأمراض الصعبة، موضحة ان لاتفيا منذ سنوات استطاعت ان تكون الأولى في هذا المجال على المستوى الإقليمي، فنسبة كبيرة ممن يرتادون لاتفيا هم من طرفين: روسيا الفدرالية، والدول الاسكندنافية، خصوصا من النرويج. وتقول الوزيرة «هؤلاء جميعا يأتون إلى لاتفيا لأن المعادلة الصحيحة تحققت لدينا وهي العلاج المتقدم بأحسن التقنيات مقابل أقل الأسعار قياساً ببقية أوروبا».

حكاية عالمة

بدأت قصة العقار الفيروسي (ريغفير) عام 1965 على يد البروفيسورة آينا موتسينيتس، طبيبة الأورام التي قامت بفحوص مكثفة على علم الفيروسات، لتخرج في النهاية بعقار استغرقت عملية تطويره واعتماده بعد تجربته بنجاح أربعة عقود.

فقد اكتشفت البروفيسورة، أن الفيروسات لديها القدرة على تدمير الخلايا السرطانية، ومن هنا انطلقت بسلسلة أبحاثها المضنية في عالم الفيروسات وفي ظل حماية أمنية مغلقة وسرية من السلطات السوفييتية، حتى إن بعضاً من أفراد أسرتها الذين التقتهم «الإمارات اليوم» أكدوا أن جهاز (كي جي بي) المخابراتي كان يمنعها من حضور مؤتمرات دولية كعالمة خوفاً من تسرب الأبحاث التي تقوم بها.

وكانت بدايات الأبحاث تتخذ من حيوان «الهامستر» كحيوان تجارب، إلى ان توصلت إلى عقار «ريغفير» بصيغته الأخيرة، وتم حقن «هامستر» مصاب بالسرطان به، لتختفي أورامه بعد أسبوع من حقنه.

حماية أمنية

من جهتها، ترى الدكتورة دايت فينسكوس، أحد الأطباء القياديين في المركز الوطني للعلاج الفيروسي في لاتفيا «وهي حفيدة البروفيسورة مخترعة العقار»، أن التجارب العلمية الممنهجة استمرت بعد ذلك على مختلف الحيوانات وبمختلف أنواع منهجيات البحث العلمي، وباهتمام عال من القيادة السوفييتية وإن كان بسرية مطلقة، وبعد إجراء التجارب الناجحة على 400 حيوان، تم استكمال الأبحاث على البشر.

وتقول الدكتورة فينسكوس، إن تعليمات مشددة كانت مفروضة آنذاك لحماية العاملين في التجارب من أثر الفيروسات، وقد كانت تلك التعليمات المشددة في عزلهم غطاء اتخذته السلطات السوفييتية للحد من حرية العلماء، خصوصاً البروفيسورة، في الاتصال بالعالم الخارجي، وتتذكر هي شخصيا كيف ان البروفيسورة منعت من حضور مؤتمر عالمي عقد في اليابان، وتدخلت أجهزة «كي جي بي» لمنعها بحجة الخوف عليها من الاختطاف.

فيروسات «ذكية»

يشرح الدكتور رامولدز إردمانيس من المركز الوطني للعلاج الفيروسي، فكرة العقار بقوله، إن العقار هو توليفة فيروسية من فيروسات «ذكية» تهاجم الخلايا غير السليمة فقط، ولا تؤثر أبداً في الخلايا السليمة، وتهاجم الفيروسات تلك الخلايا غير السليمة أو السرطانية، ما يعمل على تطوير وتفعيل النظام المناعي في جسم الإنسان، ويعزل الخلايا السرطانية ويقضي عليها.

ويشرح الدكتور إردمانيس أن عقار الريغفير يعمل أيضاً بمرافقة بقية أنواع العلاج السرطاني، رغم انه طريقة رابعة مستقلة بحد ذاتها، إلى جانب الطرق الثلاث المعروفة: العلاج الكيميائي، والعلاج الجراحي، والعلاج الإشعاعي، منوهاً بأن العقار غير فعال في المراحل الأخيرة من السرطان، لأن الجهاز المناعي في الجسم يكون قد تدمر نهائياً في تلك المرحلة.

وأكد الدكتور إردمانيس، أن العقار مسجل رسميا في لاتفيا، وهو أيضا في طريقه للاعتماد في الاتحاد الأوروبي، وهو معتمد حسب التجارب العلمية وأثبت فاعليته في علاج سرطانات الجلد، المعدة، القولون، البنكرياس، المثانة، البروستات، الرئة، الكبد.

يذكر ان البروفيسورة آينا موتسينيتس، توفيت عام ،2006 وقد طلبت أن يوضع على شاهد قبرها العبارة التالية «يا علماء العالم اتحدوا.. وتعهدوا بأن تحموا البشرية».

قصة مريضة

المحامية تاتيانا باشولتا، (62 عاماً)، تقول إنها أصيبت بورم سرطاني في الجلد في الجزء الأسفل من ساقها عام ،1989 وقامت بإجراء ثلاث عمليات جراحية في الشهور السبعة التالية لاستئصال الورم الذي كان ينتشر بسرعة. وفي شهر يوليو من العام ذاته، كانت قد قررت إجراء عملية جراحية رابعة، وقد أنهكها انتشار الورم، وتقول إنها في تلك الفترة سمعت عن البروفيسورة آينا موتسينيتس، كمختصة في علم الأورام السرطانية، وقامت بمقابلتها بمرافقة جراحها، وقد قامت البروفيسورة بفحصها ودراسة حالتها بالتواصل مع جراحها، واقترحت عليها البدء في المعالجة البديلة الجديدة وهي عقار الريغفير.

وتستطرد تاتيانا أنها قررت بالتوافق مع جراحها إيقاف العملية الجراحية الرابعة، وبدأت بتعاطي العقار بإشراف البروفيسورة، بدءا من شهر يونيو عام ،1990 وعلى مدار السنة التي تلتها أيضاً، وبجرعات محسوبة مؤكدة أنها لم تتلق أي علاج كيميائي طوال فترة مرضها غير عقار الريغفير.

وكانت تأخذ الجرعات على مدى شهر كامل بحصص تقررها البروفيسورة، على ان يرتاح جسمها في الشهر الذي يليه، مضيفة أنها بحكم طبيعة عملها محامية، فإن من صفاتها الشخصية التساؤل والتشكيك، إلا انها امام البروفيسورة لا تتذكر أنها تساءلت او شككت بها. تقول تاتيانا ببهجة لا تخفيها «ها أنا امامكم اليوم، وكنت منذ مرضت قد قررت أن أتحلى بإرادة قوية للشفاء، من أجل ولدي الوحيد الصغير آنذاك، وها قد شفيت تماما، وأمارس عملي محامية، وولدي الصغير قد كبر، وأنا ممتنة للبروفيسورة طوال حياتي»، ثم تضيف ضاحكة «ربما أحتفل بعيد ميلادي المقبل لديكم في الإمارات».

مندوب في دبي

أمام كل هذا الشرح العلمي، اختتمت «الإمارات اليوم» لقاءاتها بمقابلة رئيس مجلس إدارة مركز العلاج الفيروسي، الذي كان مختصراً في حديثه رغم أنه رافقنا في كل لقاءات الرحلة، ونشير إلى ان يورغس موتسينيتس هو أيضاً من أحفاد البروفيسورة، ويترأس الآن مجلس إدارة المركز الوطني اللاتفي للعلاج الفيروسي، وقال إن فلسفة المركز تعتمد كثيراً على ركنين: عقيدة البروفيسورة مخترعة العقار التي كانت تؤمن بعالمية العلاج ووحدة العلم، والركن الثاني هو وثيقة حقوق الإنسان العالمية التي تؤمن بالعلاج عبر الحدود لأن الحياة الصحية حق لكل إنسان. ويضيف يورغس أن عملية تسجيل الدواء في الاتحاد الأوروبي تمر بمراحل طويلة وبيروقراطية، لكن الدواء مسجل رسمياً في لاتفيا، ومعتمد كذلك في روسا الفدرالية، ولهذا نحاول الآن استقطاب من يحتاجون للعلاج إلى لاتفيا، ومن أجل ذلك بدأنا بفتح ممثليات لنا في بعض الدول في العالم، ومن المفيد هنا أن أذكر لكم بصفتكم تمثلون جريدة من دولة الإمارات، أن لنا ممثلية ومندوباً في دبي، ونحن الآن بصدد إنشاء الموقع الالكتروني باللغة العربية لممثلنا في الإمارات للتواصل معه والإجابة عن كل الاستفسارات . ويختم يورغس كلامه بقوله إنه فخور بأن يكون دواء القرن الـ21 من إنتاج لاتفيا، مؤكداً ان المركز في العاصمة اللاتفية مفتوح للتواصل مع العالم في مجال الخدمة العلاجية، وفي مجال الأبحاث العلمية أيضاً.

تويتر