تقليد شعبي قديم حرصت عليه أسر إماراتية

«صينية الجيران».. أطباق للمحبة والأجر في رمضان

التطورات العمرانية والاجتماعية أسهمت في تغير عادة «صينية الجـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيران» . تصوير: باتريك كاستيلو

مع تطور الحياة، وانتقال الأسر من الفرجان القديمة إلى المناطق الأكثر عمراناً، تغيرت موروثات شعبية وعادات كانت تحرص عليها العائلات، ومـن بينها «صينية الجيران»، ذلك التقليد الجميل الذي كان يشعر أبناء «الفريج» بأنهم أسرة واحدة، لاسيمـا خـلال شـهر رمضان المبارك الذي كانت تبرز فيه تلك العادة.

و«صينية الجيران» هي حصة من الطعام كانت تعدها الأسرة لمائدة الإفطار، وتخصص للجيران، وغالباً ما تكون من الأصناف التي تصنع من قبل ربة المنزل، كالهريس واللقيمات وأنواع الأرز من المكابيس والبرياني بنكهات متنوعة، كما كانت تشتمل أيضا على التمر الفاخر ولـبن النوق وخبز الخمير والرقاق.

وارتبط تبادل الأطباق بين الأصدقاء والجيران بشهر رمضان الفضيل، على اعتبار أنه مناسبة جيدة للتودد والتعارف، وزيادة المحبة بين أبناء الحي الواحد، كما أنه فرصة لتذوق أصـناف متنوعة من الطعام، إذ يحرص كل جار على أن يذوق جاره من الطعام الذي يـأكل مـنه، كما كـانت لـ«صيـنية الجيران» في أمسـيات رمـضان نكـهة خـاصة وممـيزة، وفي حــين يعدها البعــض واجـباً وسبـيـلاً للتقــارب والـتآخـي، قـد يـراها آخـرون إحساناً إلى الفـقراء والمحـتاجـين.

صنع منزلي

تغير المشهد

كما تغير مشهد الأطفال الذين يحملون الأطباق و«صينية الجيران»، بالخادمات والسائقين الذين يوزعون الطعام على الجيران، ويطوفون في المناطق قبل صلاة المغرب بنصف ساعة لتوزيع الأصناف المتنوعة من المأكولات الشعبية التي باتت تحضر من قبل الطباخين في المنازل، وبكميات كبيرة لتكفي أكبر قدر من الأسر وتحديداً المحتاجة منها، خصوصاً أن الأسر التي تقطن الحي الواحد لم تعد تتعارف مع بعضها بعضاً كما كان في السابق.

يعد تبادل الأطعمة المتنوعة بين الجيران، خصوصاً في الأعياد والمناسبات، موروثاً شعبياً قديماً، إذ كانت تخصص ربات الأسرة أطباقاً وطبخات معينة للتوزيع وترسلها إلى الجيران، فيما تكتفي أخريات بتوزيع بعض أطعمة مائدة الإفطار، عوضاً عن إرسال طبق واحد، والجميل أن أطفال الحي الواحد ينتشرون في الفرجان قبل أذان المغرب بنحو 10 دقائق لتوزيع الأطعمة على الجيران، إذ يتم تبادل أطباق الإفطار، رغبة في الأجر من الله، خصوصاً أن تلك الأطباق لا تحمل طعاماً فقط، إنما تحمل معاني الكرم والوفاء والحب.

ولـ«صينية الجيران» قيمتها، إذ كان يجب أن تكون محتوياتها من صنع ربة المنزل، ولا يحبذ أن تكون الأطعمة المقدمة مشتراة، أو من الأصناف الجاهزة المعلبة، ومن غير اللائق أن تكون الأطعمة التي يفترض أن تأكل ساخنة أن تقدم باردة للجيران، وتتجنب الجارة ارسال الأطعمة على الأطباق البلاستيكية إذ تعتمد في ذلك على أطباق خاصة مصنوعة من الزجاج أو الخزف تقوم بوضع علامة في أسفلها لتميزها عن غيرها من الأطباق.

وكانت صينية الجيران تعد فرصة لتبادل الأطعمة، الأمر الذي يعكس التنوع على سفرة الإفطار، لاسيما إذا كان الجيران ينتمون إلى بلدان مختلفة، ما يتيح فرصة تذوق أصناف أطعمة غريبة عن السفرة الإماراتية، كما تعد صينية الجيران تأكيداً للعادات القديمة التي امتاز بها العرب من كرم وجود وحب وايثار الجار، خصوصاً في شهر رمضان الذي يحض الناس على التراحم والتآلف.

تعزيز الترابط

أسهمت «صينية الجيران» في تعزيز الترابط بين سكان المنطقة الواحدة، ونشر عدد من المبادئ الاجتماعية والأخلاقية عند الكبار وأيضاً الصغار الذين تخصصوا في توزيع الأطعمة على الجيران، والتنقل بين المنازل المختلفة، إضافة إلى الدور التربوي المتمثل في الشعور بالفقراء، ونشر المحبة بين أطفال المنطقة الواحدة، ولا يغيب كثيراً مشهد الأطفال، وهم يتراكضون للتعرف إلى محتويات الصينية التي ارسلها الجيران.

وكانت ربة المنزل، تهتم بإعداد مختلف أنواع الأطعمة الرمضانية، منذ وقت الظهيرة، وذلك لتتمكن من ايجاد الوقت الكافي لتوزيع الأطعمة قبل أذان المغرب، خصوصاً المأكولات الشعبية التي تشتهر بها المائدة الإماراتية، وتحرص ربة المنزل على ترتيب الصينية قبل ارسالها إلى الجيران بحيث تظهر بشكل لائق ليمثل الأسرة التي ارسلت الطعام.

وغالباً ما كان توزيع الطعام على الجيران شبه يومي، حتى إن كثيراً من الأسر التي تعرف في المنطقة بفقرها باتت تعتمد على «صينية الجيران» قوتاً يومياً لأفرادها، خصوصاً في أيام المناسبات، وتحديداً شهر رمضان والأعياد، أما العائلات الميسورة الحال فكانت تتبادل الأطعمة مع الجيران، خصوصاً أن من عادات العرب عدم ارجاع أطباق الجيران فارغة.

تطوّر

مع تطور الزمن، صارت ربات منازل يعتمدن على الأطباق الورقية أو البلاستيكية في ارسال الطعام إلى الجيران، كما تلجأ بعض الأسر إلى الأواني غير القابلة للاستخدام مرة أخرى، الأمر الذي يخفف عبء ارجاع الأواني أو صنع أطعمة خصوصاً للجيران.

وفي الوقت الحالي تنوعت الأطعمة المرسلة للجيران حتى ان صينية الجيران نفسها تغيرت، إذ باتت تضم أكثر من صنف طعام في طبق واحد، أو فيها صنف واحد في طبق كبير يكفي أفراد الأسرة، وغالباً ما يتبادل الجيران الهريس والثريد والبرياني، إضافة إلى المعجنات، مثل السمبوسة والبيتزا والفطائر المتنوعة، ولا تخلو «صينية الجيران» من طبق الحلو اليومي، مثل الكريم كراميل والجيلي والقطائف والبسبوسة والكيكو وغيرها من الحلويات.

تويتر