صناعة شكلت مصدر رزق لأسر حتى وقت قريب

«التلي».. خيوط مــشغولة بالأصالة

صورة

حتى وقت قريب، كانت المرأة الإماراتية مصدر إنتاج وابتكار لكل ما قد تحتاج إليه الأسرة من طعام أو شراب أو حتى لباس، إذ تمكنت بإداراتها من ممارسة الكثير من النشاطات المنزلية وصناعة العديد من المشغولات اليدوية، التي باتت تقاوم الاندثار في الوقت الحالي، لاسيما في وجود ما ينافسها من المنتجات والسلع المصنوعة آلياً.

ورغم هجمة الآلات، إلا أن المنتج اليدوي الصنع يتمتع بخصائص تفتقدها الكثير من المكائن، كجودة ودقة المنتج والاحترافية التي تمتاز بها الصانعة اليدوية، والتي اكتسبتها نتيجة الخبرات المتراكمة واستمرارية مزاولتها لتلك الحرفة، وتأتي صناعة التلي في مقدمة المشغولات اليدوية التي تميزت بها الإماراتية، خصوصاً أنها كانت مصدر رزق لأسر حتى وقت قريب.

وتعد التلي من الأعمال النسوية المهمة، التي لا تخلو الملابس النسائية منها، خصوصاً أنها تستخدم في التزيين، إذ تتم صناعة التلي بواسطة ست بكرات من الخيوط المعروفة بـ«الهدوب» الملونة حسب الرغبة، وتجمع أطرافها بعقدة مشتركة تثبّت بإبرة صغيرة على المخدة المعروفة قديماً باسم «الكاجوجة»، التي يثبت عليها طرف البكرة من خوص التلي.

فن في المقام الأول

تعد صناعة التلي واحدة من أعرق صناعات التطريز في الإمارات، كونها جزءاً مهماً من التراث الشعبي والموروث الحقيقي للمجتمع، كونها فناً في المقام الأول ومهنة متوارثة عبر الأجيال، وتدخل عمليات حسابية في صناعة التلي، وهي حسابات معقدة لا يتقنها إلا من امتهن الصناعة، واكتسب خبرات متراكمة عبر السنوات.

وهناك أنواع متنوعة تناقلتها الاجيال لتطريز التلي، منها تلي بو فص، وتلي التعاون، وعادة ما يكون بطريقة عمل التلي التقليدي نفسها، على أن يكون في تشكيله كل مترين من التلي بلون واحد من ألوان الخوص، مع توحيد اللون على الجانبين لكل الأمتار، ومن أهم الأشكال المطلوبة التي تلقى رواجاً في المنطقة تلي الشطرنج، وتلي بوجنب.

تزيين

التلي شريط مطرز منسوج من خيوط قطنية ممزوجة مع الشرائط الذهبية أو الفضية والتي تمتاز باللمعان، ويستخدم التلي غالباً في تزيين أكمام وياقات الأثواب والسراويل النسائية. وتستخدم المرأة في نسج التلي «الكاجوجة»، وهي وسادة مستندة على قاعدة معدنية على شكل قمعين ملتصقين من الرأس، وغالباً ما تستغرق صناعة التلي بين شهرين وستة أشهر.

وحول صناعة التلي قالت الوالدة (أم عبدالله) التي مارست الحياكة منذ كانت في الخامسة من عمرها، إن «النساء في الماضي كن يشتغلن على حياكة التلي أو ما كان يعرف بـ(خدمة التلي)، ليتمكنّ من استغلال وقت الفراغ إلى حين عودة الرجال من رحلات الغوص والتجارة التي تستغرق المدة الزمنية نفسها تقريباً التي تقضيها النساء في عمل التلي»، مشيرة إلى أن «الأدوات اللازمة لعمل التلي ليست كثيرة، لكن العملية شبه معقدة، خصوصاً بالنسبة للمبتدئات في ممارستها، إذ يتطلب تجهيز الكاجوجة والدحاري أو البكرة التي تلف عليها الخيوط المستخدمة في التلي، ويتم صفها حسب نوع (البادلة) أو التلي المراد صنعته، إضافة إلى إبر لتثبيت التلي».

«الوار» بدرهم

تبدأ عملية الحياكة بدقة بالغة تبرز مهارة الصانعة، في صناعة شريط التلي الذي قد يتجاوز طوله نحو 10 أمتار، يتم إنجازه في مدة لا تتجاوز 20 يوماً، وفق أم عبدالله، التي أكدت أنه «في السابق كنا نعتمد على صناعة التلي في تأمين مصاريف الحياة اليومية، إذ إن المتر من شريط التلي أو ما يعرف سابقاً بـ(الوار) كان يباع بدرهم واحد، أما الآن فقد تتجاوز قيمة سروال البادلة أو التلي نحو 500 درهم، وقد يصل إلى 600 درهم بحسب مقـاس الـتلي المستـخدم».

وأوضحت أم عبدالله أن «التلي أو (البادلة) لها أجزاء خاصة في تكوينها تختلف بحسب أحجامها، إذ إن كل جزء من البادلة له اسم خاص، أما أنواع التلي فمختلفة وكثيرة بحسب حجم الخيط ونوع الزخرفة، منها (بتول أبو فاتلة واحدة) ويستخدم غالباً على أكمام (الكندورة) أو الثوب، والفستان أو الثوب، أما البادلة الصغيرة، وتركب في أسفل السروال، وهذا النوع مخصص للسراويل الصغيرة، فيما البادلة الكبيرة تستخدم بطريقة البادلة الصغيرة نفسها في السروايل مع اختلاف بسيط، أي أنها توضع في السراويل الكبيرة».

وهناك أنواع متنوعة من تطريز التلي، منها التقليدي وهو تجديلة الخيوط القطنية التي تضم ست بكرات على الجانبين، يتوسطهما خيط الخوص الفضي، وقد تكون الخيوط القطنية بألوان مختلفة، منها الأبيض والأحمر والأسود، أما تلي الزري فهو تجديلة خيوط الزري على الجانبين، يتوسطها خيط خوص يتناسب لونه مع خيوط الزري ولون القطعة المفروض تركيب التلي عليها، أما تلي البريسم فتجديلة خيوط البريسم على الجانبين يتوسطها خيط خوص متناسب مع بقية الألوان.

ألوان

تختلف كميات الخيوط المستخدمة في التلي بحسب نوع البادلة المحاكة، فعلى سبيل المثال البتول تستخدم لصنعها ست بكرات أو «دحاري» كما تعرف سابقاً من الخيوط، إضافة إلى بكرة واحدة من الخوص، أما دحروي واحد من الخوص، أما البادلة الصغيرة فيتطلب صنعها ثماني بكرات من الخيوط وبكرتين من الخوص، فيما تستخدم 14 بكرة من الخيوط وأربع إلى خمس بكرات من الخوص لصنع البادلة الكبيرة.

وتتنوع الخيوط المستخدمة في صناعة التلي، إذ كان رائجاً قديماً استخدام خيوط من الخوص فضية اللون، لكن مع تنوع الأسواق انتشرت ألوان الخوص، فمنها الأحمر والبنفسجي وألوان أخرى عدة، وعادة ما يكون عرض خيط الخوص سنيمتراً واحداً، أما خيوط الزري وهي فضية أو ذهبية فتكون بعرض الخيوط العادية، فيما تختلف خيوط البريسم من ناحية السماكة، وكونها حريرية وأكثر لمعاناً وبريقاً.

تويتر