تأثّرت بالبيئات البحرية والزراعية

«الألعاب الشعبية».. تربية وتعليـم قبل التسلية

اللعب نشاط تعليمي واجتماعي يحقق المتعة والمعرفة. تصوير: تشاندرا بالان

تشكل الألعاب أهمية كبيرة في نمو الطفل واتزانه النفسي والجسدي، إذ لا تقل أهمية عن القراءة والكتابة والتعلم، لاسيما أن الألعاب تركز على تحفيز نشاط الطفل الذهني وتمنحه فرصة التعلم واكتساب كثير من المهارات والمعارف، وتنمية قدراتهم الإبداعية.

ويرتبط اللعب بالجانب التربوي لدى الطفل، إذ يشكل مسألة مهمة في حياته، لاسيما أن اللعب يسهم في تفعيل نشاطهم اليومي، ويعد أحد أساسات التطور النمائي للطفولة، من خلال تحقيق المتعة، كما تكمن أهمية اللعب في جعل الأطفال قادرين على التكيف والانسجام مع أقرانهم، لذلك يعد اللعب من ضرورات الحياة بالنسبة للطفل.

تقول الباحثة في التراث الشعبي الإماراتي بدرية الشامسي لـ«الإمارات اليوم»، إن «لكل شعب ألعابه الخاصة التي يبتكرها للتسلية والترويح عن النفس، وغالبا ما تعبر هذه الألعاب عن روح الشعب ووجدانه وعاداته وتقاليده، فالبيئة تفرز الألعاب وتشكلها وتعطيها نكهتها الخاصة والمميزة، ولأن التراث الشعبي هو ما يميز الإمارات فقد جاءت الألعاب الشعبية جزءا من هذا التراث وشكلا من أشكال الأدب الشعبي».

نشاط تعليمي

لعبة «التيلة»

هي قطعة زجاجية بحجم حبة البندق مستديرة الشكل مصنوعة من زجاج البلور، ذات ألوان مختلفة منها الشفاف والأبيض والأخضر والأزرق، يلعبها بين اثنين وأربعة أطفال من الذكور فقط، وذلك بأن يحفر الصبية ثلاث حفر صغيرة تسمى الوحدة منها «كون» على ارض مستقيمة تبعد كل وحدة عن الأخرى بمسافة مترين أو ثلاثة، كما يرسم خط البداية، ويبدأ اللاعب برمي «تيلته» نحو الحفر ثم يبدأ اللاعب الآخر ويقف على الخط نفسه ويرمي محاولا تصويبها نحو تيلة خصمه، فإذا كانت تيلة خصمه بعيدة يصوب تيلته نحو الحفرة القريبة فإذا دخلت بها يحق له أن يواصل اللعب لإصابة تيلة خصمه.


«لعبة اللقفة»

يمارس هذه اللعبة الفتيات والصبيان، ولا يقل عدد المشاركين فيها عن لاعبين، ويقوم اللاعبون بجمع عدد معين من الحجر، يبلغ نحو 20 حجزرا، ثم حجر صغير بحجم كرة التنس يسمى «حل»، بعد أن يرسم أحد اللاعبين دائرة يجلسان حولها ثم يضعان فيها الاحجار غير منظمة الشكل وتوضع على شكل كوم واحد داخل الدائرة. ويبدأ اللاعب الاول اللعب بقذف «الحل» إلى أعلى وعلى مسافة 40 سم تقريباً وأثناء ارتفاعه يقوم بالتقاط حجر واحد من الدائرة، وباليد نفسها يلتقط «الحل» قبل أن يسقط على الأرض «الحل مع الحجر»، وبالتالي يكون قد كسب حجرا واحدا، ثم يعيد الكرة مرة أخرى إلى أن يخطئ وذلك بأن يسقط «الحل» لينتقل اللعب إلى اللاعب الخصم، وعلى المنوال نفسه يلعب هذا اللاعب، ويستمر اللعب حتى تنتهي الاحجار، فيقوم كل لاعب باحتساب ما لديه من أحجار، واللاعب الذي يملك العدد الاقل من الاحجار يضع حجره في الدائرة وعلى اللاعب الآخر أن يضع جزءاً من أحجاره بالعدد نفسه الذي وضعه اللاعب الاول ثم يبدأ اللعب مرة أخرى بالمنوال نفسه حتى يمتلك احدهم كل الاحجار الموجودة في الدائرة، وبالتالي يكون قد حقق الفوز على اللاعب الآخر.


لعبة «الجحيف»

لعبة مخصصة للفتيات، إذ تقوم أربع فتيات بتخطيط ارضية اللعب، بعد الانتهاء من الرسم تنادي إحداهن بكلمة «حبوب»، وتعني الاولى في اللعب، وهي كلمة تفيد المناداة بالحبيبة، ثم تنادي الثانية «انطر الثوب» أي تمزق، وتحل مكانها في اللعب، ثم تنادي الثالثة «اخيطه» وتحل محل الثانية في اللعب، ثم تنادي الرابعة «ألبسه»، وتحل مكان الثالثة في اللعب.

تقوم الاولى بالبدء في اللعب بأن تلقي بقطعة الفخار في أول مستقيم ثم تقفز عليه وهي ترفع احد أرجلها وتقفز على «الجحيف»، ويأتي «الجحيف» تحت راحة رجلها ثم تستدير نحو نقطة البداية وهي لاتزال على رجل واحدة ثم ترمي قطعة الفخار «القحف»، حتى يخرج من المستطيل الاول نحو الخارج ثم تخرج لتبدأ من جديد.

لفتت الشامسي إلى أن «اللعب هو نشاط تعليمي واجتماعي يتم عبر سلسلة حركات تتم لغرض التسلية، ويوجه هذا النشاط للطفل لضمان تحقيق المتعة والاستفادة ويدخل في نطاق عملية النمو والتطور الفكري والمعرفي عند الطفل إذ يساعده على تنمية شخصيته، من خلال ما يتعلمه من مفاهيم وعلاقات».

وأكدت الشامسي أن «اللعب أداة تربوية تساعد على إحداث تفاعل الفرد مع عناصر البيئة لفرض التعلم وإنماء الشخصية والسلوك، خصوصاً أنه وسيلة تعليمية تقرب المفاهيم وتساعد على إدراك معاني الاشياء، كما يشكل أداة تعبير وتواصل بين الاطفال ويعمل على تنشيط القدرات العقلية وتحسين الموهبة الابداعية لدى الاطفال».

وللعب فوائد يجنيها الطفل من خلال ممارسة تلك الألعاب وتحديداً الشعبية منها، وفق الشامسي التي استعرضت تلك الفوائد قائلة «من خلال اللعب يحقق الطفل ذاته عبر التنافس والتفوق على الآخرين وتنمية روح اللعب الجماعي، إذ يتعلم الطفل التعاون واحترام حقوق الآخرين والالتزام بالقوانين والقواعد ويعزز انتماءه للجماعة ويساعد في نمو الذاكرة والتفكير والإدراك والتخيل، إضافة إلى اكسابه الثقة بالنفس والاعتماد على الذات عبر اكتشاف القدرات واختبارها».

اللعب التربوي

يرتبط اللعب بشكل وثيق بالدور التربوي للطفل، إذ أثبتت الدراسات والبحوث أن للعب أثرا كبيرا في تنمية قدرات ومهارات الطفل التعلمية واكسابه الكثير من القيم والمبادئ، منها قيمة احترام القائد وتنفيذ أوامره، وتظهر هذه القيمة في الألعاب الشعبية الإماراتية التي ينقسم فيها اللاعبون إلى فريقين كل فريق له قائد يقود بقية أفراد اللاعبين، ويتجلى ذلك في لعبة الصوير والحلة والقبة، كما يتعلم الطفل قيمة احترام القوانين، ويتضح ذلك في الالعاب التي تتطلب قوانين وقواعد يفترض الالتزام بها عند ممارسة تلك اللعبة منها لعبة «الهول» و«الجحيف» و«أم الاربع»، ومن القيم التي تغذيها الألعاب الشعبية في نفوس الأطفال قيمة الأمانة وعدم الغش أثناء اللعب، فالأمانة سلوك وقيمة يحرص اللاعبون على التحلي بها، وتظهر هذه القيمة السلوكية في لعبة «الخاتم» ولعبة «حسن ديك».

وتنمي الألعاب الشعبية مهارات وقدرات تربوية تؤكدها كتب التربية وعلم النفس، بحسب الشامسي، إذ اكدت أن «هناك مهارات اكتسبها الأطفال من خلال ممارستهم الألعاب منها مهارة التصويب وتظهر في لعبتي «التيلة» و«النشابة»، ومهارة التفكير وتنمية الذكاء وتتضح في لعبتي «الصبة» و«الشوط»، كما يكتسب الطفل مهارة القفز من خلال ممارسة لعبة «خبز رقاق» و«الشبر» و«الحبيل» و«الكرابي» و«الحوم»، أما القدرة على التحمل فتظهر في لعبة «الهشت» و«سبيت حي لوميت»، فيما تتجلى القدرة على التوازن في لعبة الخال والقراحيف.

بيئات الألعاب

ارتبطت الألعاب الشعبية القديمة وتأثرت بالبيئات الإماراتية، منها البيئة البحرية، إذ لم يكن البحر مصدرا للرزق فقط، بل كان ذا أهمية بالغة بالنسبة للأطفال الذين عاشوا في البيئة الساحلية، فابتكروا لعبة «ديك ودياية» من أصداف وقواقع البحر، ولعبت الفتيات لعبة «ليفيرة» و«صاقف لاقف»، وعلى شاطئه لعب الصبية لعبة «كرة السيطان» و«سبيت حي لوميت».

أما البيئة الزراعية، خصوصا مزارع النخيل فأثرت في الألعاب الشعبية، ففي أحواض المزارع كان الصبية والفتيات يلعبون لعبة «حسن ديك» ومن أغصان النخيل صنعوا عرباتهم، ومن «كرب» النخيل صنعوا جمالهم، ومن أغصانها صنعوا خيولهم إذ كان الطفل يمتطي الغصن وكأنه خيل أو جمل، كما كانت الفتيات يعلقن الأراجيح على أغصان الأشجار.

وأفادت الشامسي بأنه «رغم الظروف التي كان يعيشها طفل الإمارات في السابق، وعدم توافر أدوات ووسائل للتسلية والترفيه، فقد كان ذلك الطفل يبتكر وسائل خاصة به ليتمكن من تحقيق تسليته معتمداً على الأدوات المتاحة منها العلب الفارغة والأشجار والأغصان وأصداف البحر والقواقع، فصنع نماذج للمراكب الراسية على شاطئ البحر وسيارات (المواتر) من العجلات وصنع الهواتف من العلب الفارغة والمراوح (القرقعانة) من أغصان النخيل، ولم يقف عند ذلك الحد بل بات يطور ما صنعه في الماضي».

وطالبت الشامسي للحفاظ على الموروث الشعبي وتحديداً الألعاب الشعبية، بأن تضاف مادة الـتراث ضـمن المـنهج الدراسي للمراحل الدراسية كافة، لتصبح مادة بديلة عن مادة التربية الوطنية أو مكملة لها تحت مسمى مادة التراث، إذ تمكن تلك المادة الطلاب من التعرف إلى الموروث الشعبي للإمارات، كما يمكن التعاون بين المجتمعين المدرسي والمحلي، من خلال الاستعانة بأصحاب الخبرة لتقديم دروس في التراث للأطفال في المدارس، مع ضرورة تنظيم معسكرات سنوية لطلبة المدارس تمارس فيها تلك الألعاب والمهن والحرف اليدوية، والأكلات الشعبية، إضافة إلى ذلك تجب الاستفادة من الكنوز البشرية الإماراتية ممن يملكون معلومات تراثية سواء كانت مادية أو معنوية وتسجيلها وتدوينها لحفظها للأجيال المقبلة، للتعرف إلى تراثهم وهويتهم الإماراتية.

تويتر