آبار الماء جزء من تاريخ الإمارات

الطوايا.. محطات حياة على طـرق الترحال

بادية الإمارات عرفت منذ القدم بغزارة مياهها وعذوبة ينابيعها. وام

يرتبط تاريخ الإمارات ارتباطاً وثيقاً بالماء والسفر والطرق والقوافل، التي شكلت جزءاً لا يمكن تجاهله من تاريخ الإمارات، ومازالت هناك شواهد ومعالم كثيرة لها تعود إلى آلاف السنين تقف شامخة في وقتنا الحاضر لتشهد على عمق التاريخ القديم في الدولة.

وعلى الرغم من التطور الكبير في البنية التحتية للدولة، الذي طال كل شيء منذ سبعينات القرن الماضي، مازال جيل الأجداد والآباء يتذكر آبار الماء التي كانت لا تقل أهميتها عن محطات تحلية مياه الخليج حالياً، ويؤكدون أن طرق الترحال والقوافل كانت بالنسبة لهم لا تقل أهمية عن الطرق السريعة المعبدة والمطارات الجوية والموانئ البحرية في وقتنا الحاضر. وعندما نستعرض كتباً عن الإمارات لمؤلفين، أمثال لوريمر أو ديكسون، نجدهم سجلوا تقريباً كل الآبار في الإمارات وفي صحرائها، التي كانت تبلغ المئات، وذكروا الطرق التي تمر بها.

ويقول الباحث خليفة بن دلموك من مدينة الذيد «يعد الماء في المناطق الصحراوية ثروة ثمينة يجب احترامها وتقاسمها، فقد أعطى الإسلام الذي ظهر في قلب الصحراء قيمة رمزية كبيرة للماء، وقد كان الماء في الإمارات في مرحلة ما قبل اكتشاف النفط مسألة حياة بالنسبة للسكان». ويضيف «كان استعمال وسائل تقليدية وبسيطة كافياً لجمع أي قطرة ماء، وسد احتياجات السكان، وبعد ذلك وبازدياد الطلب بدأ نقل الماء من أماكن بعيدة يتوافر فيها الماء إلى مناطق أقل حظاً، وظل هذا الوضع قائماً منذ عام 1964 حيث بدأت أعمال الطرق المرصوفة تربط قرى ومدن الإمارات، بعد أن كانت الطرق عبارة عن مدقات رملية عبر الصحراء والسبخات».

قِبلة قوافل

في ما يتعلق بالقوافل التي كانت تمر بمدينة الذيد قديماً، يقول الباحث خليفة بن دلموك «كانت القوافل تأتي من الشارقة ودبي في بداية القيظ متجهة نحو المزارع في كلباء وتمر على طوي (بئر) سهيلة وطوي حويرة خلف المنامة قرب ثوبان، وعلى وادي السيجي ثم مسافي والبليدة والبثنة، ثم تدخل كلباء، إذ إن جل افرادها يملكون مزارع هناك، أما أهل دبا والطيبة والعينية واعسمة والغيل فكانوا يمرون على طوي سهيلة ثم طوي بن غرير القديمة في منطقة فلج المعلا، ثم على طوي سيف وطوي راشد الشرقي والغربي، وبعدها يتفرقون كل حسب وجهته إما إلى عجمان أو الشارقة أو دبي».

ويؤكد أن القوافل المقبلة من العين كانت تمر على طوي سهيلة، وتتجه شمالاً، وتنقسم إلى قسمين؛ قسم للتبضع وقسم يتجه إلى منطقة العشب في الدقداقة للرعي. ويذكر الباحث الإماراتي أن المجموعة الأخرى من القوافل تأتي من المنطقة الشمالية من شعم وغليلة بالأسماك الطازجة فوق الركاب، ويطلق عليهم الأهالي اسم «الطراديين»، ويصلون حتى البريمي والعين ويمرون على الذيد، ومن يريد الذهاب إلى دبي يمر على طوي سهيلة، وطوي سيف، وطوي بن غرير، وبعضهم يمر على طوي زبيدة. أما القوافل التي تأتي من المنطقة الشرقية وما حولها فتمر على طوي سهيلة، وطوي راشد، وطوي سيف، وتصل إلى سويحان قرب مطار الشارقة خلف محطة أدنوك حاليا، ومنها تذهب إلى الشارقة أو دبي، والقوافل المقبلة من خورفكان تمر على الذيد، ومن الذيد غرب على طوي النبيبيغ عند جسر رقم (9) حاليا، وتصل إلى الشارقة او دبي.

ويشير بن دلموك إلى أن المنطقة الشرقية تقل بها الطوايا لأنها أرض جبلية يصعب حفرها، مؤكداً أن كثيراً من الآبار والطوايا ضاعت معالمها تحت الرمال ولا يستدل على مكانها إلا عدد قليل من الآباء والأجداد، مطالباً بضرورة الإسراع إلى الاهتمام بالآبار الباقية، وإعادة النظر في استغلال هذا الإرث والإسراع في الوصول إلى هذه المواقع وتسويرها، وتحديد علامات طرق القوافل وتوثيق مساراتها.

من جانبه، يقول الموطن عبيد راشد الطنيجي، من سكان الذيد «طوي المرقبات من أهم الطوايا المعروفة في المنطقة، ويقع في وادي زبيدة شمال الذيد، وموقعه أصبح حالياً مكباً للنفايات، بعد أن كان نبعاً رقراقاً للمياه، وفي الشتاء ينبعث الماء الحار من جوفها، وفي الصيف يرتوي منها الجميع، ومن الطوايا الأخرى طوي طش الروايح، وطوي بوقراعة التي حفرت منذ مئات السنين في وادي الذيد، وسمي نسبة إلى نبتة بجواره تسمى القرع (اليقطين)، وطوي حارب، وطوي موزة، وطوي الزبيدة، وطوي عبدالعزيز، والأربع الأخيرة سميت بهذه الأسماء نسبة للأشخاص الذين حفروها».

ويوضح أن القوافل كانت لا تسير في الصحراء بالمسارب او الممرات التي لا تكون فيها آبار وموارد للماء، وكانت بالنسبة لهم مهمة جداً لأنهم لا يستطيعون أن يستمروا في هذه الحياة من دون الماء، وكذلك من دون هذه الآبار ومن دون من يحفرها ويرعاها. ويستطرد «ظلت الطرق التاريخية كما كانت منذ القديم نظراً لأن الناس كانوا يتنقلون بالطرق المعروفة لأن الحماية والدلالة والماء العذب والرعي للراحلة، متوافرة في هذه الطرق التي لم تتغير معالمها منذ ان كانت الرحلات في هذه المنطقة مع فجر التاريخ.. لكن التغيير الذي حدث كان طفيفاً عندما تطور السفر عن طريق السيارات، حيث أخذ الناس يبحثون عن الطريق الأقصر، ولو لم يكن به ماء». ويقول «قبيلة الطنيج اشتهروا بحفر الآبار، ويجيدون إصلاحها، ويعملون في حفر وإصلاح الآبار بشكل جماعي، ووالدي المرحوم عبيد بن سعيد بن دلموك، كان يتعاون مع زميل له اسمه نهيل محمد مصبح الحافري، في حفر وإصلاح الآبار مقابل أجر بسيط، واشتهرا بهذا العمل في منطقة سهيلة والذيد وما جاورهما».

شهادات

يقول المواطن سعيد بن علي بن شرارة الكتبي، من منطقة المدام «كانت المنطقة تزخر بالآبار، وتنتشر فيها الطوايا من الجنوب عند سد الشويب على طريق العين، وتمر عليها القوافل المقبلة من محضة والعين، وتستريح بالقرب منها قبل وصولها إلى دبي والشارقة وعجمان، وعدد الطوايا في هذه المنطقة وذكر منها طوي نضاحية، وطوي سالم بن حضيرم، وطوي إيديه، وطوي مريفيعة والثقيبة والحصن والبحايص واليفر وفلي والحفيرة وحمدة وحيضر وخضيرا ومليحة ووشاح ولبحوص والمرة والسيوح ولبديع وبديع بن غباش».

أما المواطن سالم بن سيف، من بياتة، فيذكر أن «طوي بياتة يعد قبلة القوافل، وبناه خليفة بن هلال، ومصبح بن هلال الغفلي، شيخا الغفلة قديماً، ومن الطوايا الأخرى القريبة من منطقة بياتة، طوي السمحة وخريجة وحريملة وجوبعة ولقرن والسرة ومهذب وطوي حارب وطوي غرا ناحية أم القيوين».

ومن المنطقة الغربية يقول المواطن محمد بن متعب المحيربي (60 عاماً) «يمكن أن نقسم الطوايا في المنطقة الغربية إلى قسمين أولهما «طوايا غرب ليوا» وهي طوي السلع، وبنوا في مكانه حالياً الشعبية، وطوي أم لشطان والبدوع وغياثي والياهلي والحليو واشلاح ومخيرز والصويتية والشليف وبدع مسماه والبرير والطوي ولبابة وبدع سيف والبديعة والهيمة وحوايا ولمغيلة، أما طوايا شرق ليوا فأشهرها القناعي وسحاب والذروي وخور بن عطي والمرير».

وتؤكد الكتب والمراجع أن كثيراً من الطرق القديمة والتاريخية ارتبطت بالماء، وسميت باسم الآبار التي تمر عليها، ولايزال بعض من هذه الطرق موجوداً حتى الوقت الحالي، بعد أن طاله التطور والعمران، والبعض انتهى، غير أنه لايزال في وقتنا الحاضر معلماً حضارياً مهماً، مثل الخط الذي يدل على امتداد الطريق الدولي من أبوظبي حتى نهاية شرق الجزيرة العربية.

ينابيع عذبة

يقول المواطن عيد بن أحمد المنصوري، من أهالي المنطقة الغربية :«من أهم الآبار التي كنا نمر بها في طريقنا من أبوظبي إلى سبخة مطي، ومنها إلى شرق السعودية، ماء عرقان جنوب أبوظبي عند الصرامي في منطقة الطف الشرقي ثم الزراف والمواصلي، وعند الوصول إلى منطقة حبشان تكثر الطوايا، ومنها طوي الحمرا وبدع الصلف وبوحصاة وبدع فردة ودعفس وبدع ثلاب، والمليسع في بينونة، وبدع المخازمة والخريجة والرقيب والعقيلة، وهذه الطوايا الأربع الأخيرة تعد رئيسة ومعروفة للجميع وعامل جذب واستقرار، ومأهولة بالسكان، ثم يأتي طوي بدع والجاهلية وبدع المطاوعــة وأم لشطان.

بدوره، يقول المواطن سعيد بن ناصر، من أهالي مدينة العين: «كانت أرض الإمارات مليئة بالطوايا وعددها كثير جداً وأينما تتوجه تجد أمامك طوي ماء، وعرفت البادية منذ القدم بغزارة مياهها، وعذوبة ينابيعها، وكثرتها، وواقعنا الذي عشناه في البادية يؤكد غنى الصحراء بالينابيع والآبار، ويكثر في المنطقة آبار المياه التي نرتوي منها، ونسقي البوش، ونقيظ عليها، وتمد الأهالي والعابرين بالمياه العذبة، وتروي ظمأ الإنسان والحيوان»، ويضيف «هناك مناطق اشتهرت بالمياه وسط البادية، منها نصاصة وبدع خليفة في الشمال، وبو مريخة والسميح والعشوش والفقع».

ويقول «كانت أرض الإمارات مليئة بالطوايا، وعددها كثير جداً، وأينما تتوجه تجد أمامك طوي ماء، لذا ننتقل بين المناطق، ووجودنا في الصيف يكون في المناطق التي يكثر بها الماء مثل بوصلف والمليحة، أما في الشتاء فكنا نبتعد عن مناطق الماء، وعندما نحتاج إليه نروي (نحضر الماء) من نصاصة وبدع خليفة في الشمال وبومريخة والسميح». ويسترجع بن ناصر ذكريات درب أبوظبي ـ العين ـ الكريات، ويقول «حالياً الطريق يستغرق ساعتين على أقصى تقدير، بينما كنا نقطع هذا الطريق في أسبوع».

ويضيف «كانت بادية الإمارات عبارة عن فضاء مفتوح أمامنا نذهب للأماكن التي نرغب فيها من دون قيود أو شروط، وكما تعودنا الذهاب إلى ابوظبي كنا نذهب إلى دبي نتبضع منها، خصوصاً وقت الشتاء، نرفع الحشيش والسخام على الركاب، ثم نمر بالهير والفقع، ثم مرقب، ثم نصل جميرا، وبعدها دبي، نبيع حمولتنا ونشتري لوازمنا ونعود مرة ثانية، وخلال ذهابنا وعودتنا نمر على الطوايا الموجودة، مثل حفير، وماء غفر، وذباح، ثم نصل جميرا». وعدد الطوايا الأخرى التي تمر عليها القوافل في طريقها من العين إلى دبي والعكس، مثل مرغم، طوي شرق دبي، توجد عليه قبائل بني كتب بصفة دائمة، والفقع والهير والخضر والجبيب والخب وناهل وغمض، ويوجد في جهة الشرق طوايا الفقع والمرخان والشبيصي وبدع العجم، موضحاً أن هذه بعض الآبار التي كانت تروي أبناء الإمارات الذين عاشوا في البادية منذ التاريخ القديم، لكن هناك آباراً على مقربة من المدن، ما جعل الحياة في الإمارات قديماً، بداوة وحضراً، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بآبار المياه.

تويتر