المبالغة في الشعور بالخطر تعوق إنجاز المهام

تغيير طريقة التفكير..علاج لتجنّب التوتر

إنجاز مهمة قبل الشروع في أخرى يقي من الشد العصبي. د.ب.أ

يعج جدول أعمال المرء في الحياة المعاصرة بالمهام التي يتعين عليه إنجازها خلال يومه؛ مثل معاودة الاتصال بالمدير، والتخطيط لتناول الطعام سوياً مع الأسرة، وترتيب المكتب، وإحضار الأطفال من المدرسة، وغيرها الكثير. ويتسبب مجرد التفكير في إنجاز هذه المهام في ارتفاع ضغط الدم لدى البعض، ومَن يتمكن من الاحتفاظ بهدوئه في مثل هذه المواقف، يمكنه أن يحيا حياة صحية تخلو من التوتر والشد العصبي؛ لأن التوتر ينشأ في المقام الأول من طريقة التفكير، لذا يُعد تغيير طريقة التفكير أفضل وسيلة لمواجهة التوتر العصبي.

زائد على الحد

قال مدرب الكوادر القيادية الدكتور يورغ بيتر شرودر «لا تلتصق بالمهام الموكلة إليك بشكل زائد على الحد، إنما احرص على وجود مسافة بينك وبينها وبينك وبين نفسك». وعملياً يعني هذا ألا ينجز المرء أكثر من مهمة في الوقت نفسه؛ إذ ينبغي عليه الانتهاء تماماً من إنجاز المهمة الحالية قبل الشروع في إنجاز مهمة جديدة. كما يعني هذا أيضاً ألا يكلف المرء نفسه فوق طاقتها. دوسلدورف ــ د.ب.أ

وبالنظر إلى تاريخ تطور الجنس البشري، كان التوتر العصبي في العصر الحجري بمثابة رد فعل إيجابي من أجل النجاة والبقاء على قيد الحياة؛ إذ كان جسم الإنسان يفرز هرموني الكورتيزول والأدرينالين عند مواجهة خطر محدق، وبالتالي كان الإنسان لا يحتاج إلى التفكير كثيراً في ما إذا كان يتعين عليه الهرب أم الهجوم، غير أن المشكلة باتت في الوقت الحاضر تكمن في هذه النقطة تحديداً.

ويؤكد أخصائي علم النفس الخبير لدى الرابطة الألمانية للنوادي الصحية بمدينة دوسلدورف غرب المانيا هربرت بروك، ذلك قائلاً «في الوقت الحاضر أصبح التفكير في أتفه الأمور يُشكل خطراً على الحياة؛ إذ بات الإنسان يشعر بالخطر في كثير من المواقف بشكل مبالغ فيه أو دون مبرر، وهذه الأفكار تحديداً هي سبب التوتر العصبي».

مواقف

أما عضو رابطة أطباء القلب بمدينة ميونيخ جنوب ألمانيا، الدكتور هربرت بروك، فقال «في بعض المواقف التافهة يحدث للإنسان المعاصر ما كان يحدث للإنسان في العصر الحجري عند مواجهة خطر محدق؛ إذ يفرز جسمه هرموني الكورتيزول والأدرينالين، وتزداد سرعة ضربات قلبه، ويرتفع ضغط دمه، ما يؤدي إلى ضيق الأوعية الدموية وتشنجها على نحو سريع. وبعد حل المشكلة لا يستعيد الإنسان هدوءه على الفور؛ إذ يستغرق الأمر ساعة إلى ساعتين حتى يشعر الإنسان بالاسترخاء مجدداً».

وقد يتسبب التوتر العصبي المزمن في ضيق الأوعية الدموية على الدوام، وفي أسوأ الحالات قد يصل الأمر إلى حد الإصابة بأزمة قلبية، ويلتقطأ مدرب الكوادر القيادية الدكتور يورغ بيتر شرودر، طرف الحديث ويقول إن «أعراض التوتر العصبي تتمثل في ضعف التركيز وجفاف اللسان وشلل التفكير والشد العضلي والصداع التوتري وارتعاش الجفن وصرير الأسنان».

ولكي لا يصل الأمر إلى هذا الحد، يجب ألا ينشأ التوتر العصبي من الأساس، لكن هذا لا يعني أن يغرق المرء في استرخاء عميق على الدوام؛ إذ يؤكد الدكتور بروك فائدة شعور الإنسان بقدر من التوتر «لا يكون التوتر ضاراً، إذا لم يتخط حداً معيناً»، مشيراً إلى أن هذا الحد يختلف من شخص إلى آخر، ويتوقف على كيفية تقييم المرء للمواقف. ويضرب شرودر، الذي ألف كتاباً عن كيفية التحكم في التوتر العصبي، مثالاً على ذلك قائلا «في المواقف التي تسودها الفوضى ربما يقع الشخص المثالي الساعي إلى الكمال فريسة للتوتر العصبي بسهولة، في حين لا يمثل ذلك شيئاً للشخص المبدع الذي ربما ينتابه توتر عصبي بسبب المهام الروتينية».

أفكار سلبية

أوضح بروك أن معظم البشر في الوقت الحاضر لايزالون يدركون الأمور السلبية أكثر من الإيجابية، ثم يقعون فريسة للتوتر العصبي، و«مع كل فكرة سلبية يستدعي المخ كل المعلومات والمشاعر المخزنة التي تتعلق بهذه الفكرة». لذا يؤكد أن تغيير طريقة التفكير تُعد أفضل وسيلة لتجنب التوتر العصبي، ويضرب أخصائي القلب الألماني مثالاً على ذلك بقوله «عندما يكلف المدير أحد موظفيه بمهمة جديدة، فينبغي على هذا الموظف ألا يفكر هكذا: إنه يريد أن يقضي عليّ، بل هكذا: من الواضح أنه سعيد بعملي ويثق بقدرتي على إنجاز المهمة الجديدة بكفاءة».

وفي اللحظات الحرجة ينصح هيرتل بأن يردد المرء جُملاً من قبيل «مَن يعلم أين يكون الخير؟». أأما مرضى القلب، فينصحهم بالتوقف عن التفكير نهائياً، وذلك للخروج من دائرة الأفكار المفرغة.

وبالمثل ينصح شرودر بتغيير طريقة التفكير لتجنب الوقوع في براثن التوتر العصبي، وذلك بأن يُقيّم المرء المواقف في حجمها الطبيعي دون تهويل، وأن يسأل نفسه عن مدى قدرته على التأثير في هذه المواقف. وينبغي على الأشخاص المثاليين الساعين إلى الكمال إدراك أنه لا يتعين عليهم دائماً إنجاز كل المهام بأنفسهم وعلى أكمل وجه.

تويتر