الإماراتيون تغلبوا على حرارته بوسائل خاصة

الصيف في الماضي.. عادات محفــورة في الذاكرة

أهالي الإمارات تعايشوا مع حرارة الصيف وفق أنماط خاصة. تصوير: تشاندرا بالان

طقس الصيف الحار لا يكاد يشعر به الرعيل الأول من أهل الإمارات حتى يتذكروا الماضي، إذ يعود بهم إلى ذكريات «من الزمن الجميل»، وتذهب بهم بعيداً عن حياة الحاضر ومكملاتها المعاصرة. ويرتبط الصيف في أذهان الإماراتيين بأمور عدة، ربما لها تاريخ طويل، وقد تطرأ تغيرات جديدة كل عام إلا أن الإماراتيين سرعان ما «يتحايلون» عليها ليظل الصيف هو الصيف.

وأوجدت ظروف الحياة والطقس في الإمارات قديماً نظماً وأنماطاً حياتية متكاملة تؤثر وتتأثر حسب الوقت والمكان، فأوجد الصيف بحره اللافح أنماطاً وسلوكاً بشرياً متكاملاً، خصوصاً في ما يتعلق بالغذاء والطعام في المجتمع الإماراتي. ولأن حرارة الصيف كانت قاسية كان في المقابل الأهالي يبحثون عن الوسائل المتوافرة حينها كي يتعايشوا مع هذه الحرارة، بل ويوظفوها من أجل مصالحهم. وتميز الآباء والأجداد في الماضي بقدرتهم على التكيف مع جميع المواسم والأحوال السائدة، سلاحهم الصبر والإرادة، لا يستسلمون بسهولة، ويبحثون عن الأمل والمستقبل الذي أوصلهم إلى توحيد شعب، وبناء دولة قوية.

إن اجتهاد الرعيل الأول من أهل الإمارات ليؤمنوا احتياجاتهم في ظل حالة شظف العيش التي سادت في تلك الفترة يعد مدخلاً لابد من الخوض فيه وتحليل أثره على الإنتروبولوجيا الاجتماعية والثقافية في مجتمع الإمارات قديماً.

نخيل

قال المواطن خميس بن زهير الكعبي، بخصوص مخلفات النخيل وكيفية الاستفادة منها قديماً: «النخلة كلها خير وبركة، ويستفاد بكل جزء منها حتى عند موتها وجفافها تصنع منها الجذوع التي تستخدم في بناء المنازل، كما ان سعفها الجاف يستخدم لعمل الدعون المشدودة بالحبال، وهذه الدعون كانت تستخدم لبناء البيوت وحظائر الحيوانات والسلال اليدوية، أما الخوص الجاف فتصنع منه أوعية حفظ التمور كاليراب والجفير والصرود والليف ينسج يدويا لعمل الحبال التي تستخدم لمختلف الأغراض والنوى يستخدم علفا للحيوانات، والبعض يحمصه ويطحنه ويستخدم كشراب بديل عن القهوة العادية، أما العذوق الجافة فتستعمل مكانس للبيوت وللوقود».

وفي هذا الخصوص يقول المواطن خميس بن زهير الكعبي ( 70 عاماً): «ما ان يهل فصل الصيف، وتبدأ تباشيره بالظهور حتى يبدأ الأهالي بالبحث الدؤوب عن مكان للمقيظ، هروباً من لسعات الحر القاسية، وليتنفسوا نسماته الباردة التي تهب على رؤوس جبال رأس الخيمة، ومزارع ليوا والعين ومسافي ودبا».

مراحل

يضيف الكعبي: «عشنا تلك الأيام الجميلة، ورأينا ذلك التعاطف الكبير بين الناس، لأن وقت الصيف بالنسبة للمزارعين وقت جهد وعمل، فالنخيل بمختلف أنواعها تبشر بالرطب، وكانت النخيل هي الشجرة الأولى التي نعتمد عليها في الغذاء، وفي كل مرحلة من مراحل النخلة التي تبدأ بالطلع وتنتهي بالجني وتعبئة التمور، فإن المزارعين في استعداد تام لإنجاز تلك الأعمال بروح عالية للغاية تقهر الحرارة التي تعودوا عليها».

وقال إننا «نعتمد بشكل أساسي على النخيل، لأنها تملأ مزارعنا وبمساحات شاسعة، كما أنها تتحمل الحرارة الشديدة وشح المياه». وأوضح أن «هنالك مصالح مشتركة بين المزارعين والصيادين، ففي فترة الصيف تكثر أنواع من الأسماك التي تكون غذاءً رخيصاً للجميع، وحتى الحيوانات تخلط لها أسماك السردين ضمن عليقتها العلفية، فتدر الحليب، وتطيب لحومها، أما المزارعون فينتجون يومها أطناناً من التمور الجيدة، فيشتريها الصيادون وسكان الساحل الذين لا يملكون المزارع».

وتحدث عن الأنواع الأخرى من المحاصيل التي تجود في الصيف «كان الصيف في الماضي أغنى الفصول التي تجود بالفواكه اليانعة ذات المذاق الطيب ننتظر موسمها بلهفة وفرح»، مشيراً إلى أن «صيف الإمارات كان يعج بأصناف كثيرة من الفواكه التي تنتج محلياً عكس اليوم، وعدد الكثير من هذه الفواكه وهي الرطب واللوز والليمون واليح (البطيخ) والبطيخ (الشمام الأصفر) والهمبا (المانجو) والفرصاد (التوت) والتين». وذكر أن «الأهالي تكثر من أكل اليح (البطيخ) في الصيف، نظراً إلى احتوائها على السوائل التي تساعد على تلطيف درجة حرارة الجسد».

ويضيف الكعبي عن طريقة بناء بيوت القيظ «يعد العريش من أفضل المساكن التي يتم بناؤها في ذلك الزمن، كون العريش يسرب الهواء من كل جانب، وذلك لطبيعة المواد المصنوع منها وهي سعف النخيل وتفرش من الداخل بالحصر، وهي كذلك مصنوعة من سعف النخيل ويرش الماء على أطراف العريش من الخارج حتى إذا لامسته النسمات تكون باردة علينا، وهي وسيلة لتبريد الهواء ففي ذاك الزمن لم نعرف مكيفات الهواء أو وسائل التبريد الحديثة الموجودة في الوقت الحاضر».

ظروف مناخية

فطرياً استغل أهل الإمارات الظروف المناخية والبيئية أحسن استغلال فصادوا الأسماك من البحر في فصل الصيف، وجففوا أنواعا معينة على الشاطئ مباشرة تحت أشعة الشمس ليحضروا منها السحناه (سمك العومه المجفف ثم يطحن بودرة)، وأخذوا الأنواع الأخرى ليحضروا منها وجبات غذائية معروفة لديهم يجهلها معظم جيل اليوم مثل العوال (نوع من أنواع سمك الجرجور) والجاشع (مثل السحناه ولكن يطحن بدرجة أقل) والمالح.

يقول عنها المواطن جمعة حميد آل علي، إن «هذه الوجبات لها تاريخها الطويل، إذ كان الأجداد يعتبرونها من الوجبات الرئيسة، وكانوا يقومون بأنفسهم بإعدادها وتمليحها، ووضعها في الشمس، ويخزنونها لسنوات طويلة، إذ إن هذه الوجبات كلما مرّ عليها الوقت أصبحت أطيب وألذ».

ويضيف: «تلك الوجبات الشعبية كان أجدادنا يعتمدون عليها اعتمادا كليا في غذائهم اليومي وقت الحر، وكانت تعد الوجبات الرئيسة على موائدهم، منها العوال والجاشع والمالح، وها هي في وقتنا الحاضر تتربع على موائدنا، وتستهلك بصورة كبيرة خصوصاً أيام الصيف».

وأكد أن «من صفات الجاشع أنه يطفئ الحرارة في الجسم، ونجد الإقبال عليه في فصل الشتاء قليلا جداً، لأنه بارد على المعدة والمالح من الوجبات الخفيفة والباردة على الجسم، وتزيل العلل، لأن هذه الوجبات يعصر عليها الليمون، وهو معروف أن له مفعولاً يقتل الجراثيم والديدان داخل المعدة، وأيضا توجد بالوجبة ملوحة، وهي مفيدة للجسم، حيث تعوضه من آثار الحر وخروج العرق بكثرة من الإنسان».

وأوضح أن «معظم المواطنين يستهلكون مثل هذه الوجبات في وقت الصيف، لأن الجسم يفقد كثيراً من الأملاح وقت الحر، وهذه الوجبات مملحة، وتعوض نقص الملوحة في الجسم من شدة الحر وخروج العرق بكثرة. وتحدث آل علي عن الوسائل المختلفة التي استعملت قديماً للتغلب على الحر فقال: «الحاجة أم الاختراع، ولقد بذل الناس قديماً كل ما يملكون للتغلب على حرارة الطقس، ومن ذلك استخدام الغرف التي تبنى من الدعون (جريد النخيل) طابق ثاني للبيت، سواء كان البيت سعفياً أو طينياً واستخدامهم لليحلة (أناء) الفخارية لتبريد مياه الشرب، أما معظم الطعام في الصيف فيكون من الأسماك المملحة أو المجففة، مع الإكثار من شرب عصير الليمون، وإضافته إلى الطعام مباشرة، لاسيما عندما تكون وجبة الطعام مكوّنة من الأرز والمالح أو العوال».

تويتر