20 ألف ناقة تتنافس على «جوائز الظفرة»

«مزاينة الإبل».. عرس يحتفي بـــ «الأصايل»

نوق مزيّنة بصورة جمالية تلفت انتباه جمهور مهرجان الظفرة. وام

يرسم مهرجان الظفرة لمزاينة الإبل (مسابقة جمال الإبل) صورة جمالية، تحكي جزءاً من الأصالة التراثية للإمارات، فهو تظاهرة سنوية تسهم في إحياء جانب من التراث المحلي والحفاظ عليه، ونشره بين الأجيال الصاعدة بصورة تشجعهم على اقتناء الإبل وتربيتها لما تحمله من معانٍ عربية أصيلة في حياة الآباء والأجداد.

وتعنى مسابقات المزاينة بجمال الإبل - الأصايل، بفئاتها وأعمارها المختلفة، إذ يتحول «مزاينة الإبل» إلى عرس تراثي خليجي شارك فيه خلال هذه الدورة نحو 20 ألف ناقة و1000 من ملاك الإبل، الذين حرصوا على تجهيز إبلهم قبل انطلاق المهرجان بوقت كافٍ، لخوض المنافسات الحامية التي يتنافس فيها محبو وعشاق الإبل من دول مجلس التعاون الخليجي لحصد جوائز المهرجان البالغ قيمتها 35 مليون درهم.

ولم يعد يقتصر التنافس في «مزاينة الإبل» ضمن مهرجان الظفرة الذي تنظمه هيئة أبوظبي للثقافة والتراث على جمال هيئة ومقاييس الإبل فقط، بل يطال زيّها وزينتها، حيث يحرص أصحابها على تزيينها وتجهيزها بإكسسوارات جميلة مصنوعة يدوياً من قبل سيدات المنطقة الغربية من العاملات في قطاع التراث، توضع على متن الإبل وأعناقها، وأحياناً في قوائمها، للفت انتباه أعضاء لجنة التحكيم والجمهور إلى جمالها.

هويّة

تتويج بالزعفران والحنّاء

فور إعلان نتائج فوز إحدى الإبل بالمركز الأول في المزاينة، تتوّج الفائزة بإكليل من الزعفران والزهور، ويمسح رأسها بالحناء تعبيراً عن الفرح بفوزها، كما يتم إلباس الإبل الفائزة بأحد المراكز الثلاثة الأولى وشاحاً أبيض كبيراً، مدوّناً عليه اسم المهرجان ورقم الدورة، والمركز الذي استحقته، وتوضع عليها زينة من الحرير الموشى بالأحجار الملونة على محيط سنامها وعنقها أثناء تتويجها، وتكريم الفائزين (مالكها) بالمسابقة. ومن الأمور التي تلفت الانتباه في «مزاينة الإبل» أسماؤها التي قد تبدو غريبة عند البعض، لكنها تعني الكثير للملاك والمهتمين بعالم الإبل، حيث يقول حمدان بن غانم الفلاحي: «تجد ملاك الإبل والمضمرين يتداولون الكثير من الأسماء الخاصة بها، كل بحسب أصلها وفئتها وعمرها وحالتها ولونها، ويشكل مهرجان الظفرة لمزاينة الإبل فرصة كبرى للتعرف أكثر الى أسماء وأسباب تسميات الإبل، بل الإبداع في ابتكار أسماء جديدة، وثمة أسماء تشمل الإناث والذكور معاً».

يقول حمدان بن غانم الفلاحي أحد أهم ملاك الإبل في المنطقة الغربية: «لا نستطيع التطرق إلى وجود الإبل في حياتنا دون التطرق لدور المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، في هذا المجال، إذ أولى التراث اهتماماً واسعاً، ودعا إلى الحفاظ عليه كونه يمثل هوية الإنسان، لأن الماضي يمثل صورة الأجداد، ومن ليس له ماضٍ لا حاضر له ولا مستقبل، إذ لم يكن اهتمامه بالإبل نظرياً، وإنما نقله وبوعي ودراية إلى حيز التنفيذ والعمل».

ويمتلك الفلاحي أكثر من 400 ناقة، أمضى سنوات طويلة في تربية وتضمير الإبل، وتربطه بها علاقة خاصة، فهي بالنسبة له أكثر من مطيّة تخدمه ساعة الحاجة، أو مجرد حيوان. فالبدوي الأصيل يعرف شجون إبله، وينفعل لانفعالها، ويتعاطف معها كما تتعاطف معه، ويحن إليها كما تحن إليه، ويحزن لفقدها كما تحزن لفقده، وهو يدرك أنها جديرة بردّ الجميل، وبالتقدير.

وحصد الفلاحي العديد من الجوائز في مهرجانات محلية وخليجية؛ من أهمها «بيرق الظفرة»، حيث يعتبر شوط البيرق من الأشواط القوية التي حازت صدى واسعاً ليس في الدولة وحسب، ولكن في مختلف دول مجلس التعاون الخليجي.

ويقول الفلاحي إن «المغفور له الشيخ زايد ركز تركيزاً مباشراً على الشباب، لكي يستوعبوا تراثهم المجيد، ويمسحوا الغبار عن مكنوناته وجواهره ويحفظوه ويوظفوه في حياتهم، وفي أقوالهم وتقاليدهم ومناسباتهم وأفراحهم».

شروط

عن الشروط اللازمة للاشتراك في المسابقة؛ قال الفلاحي: «تحظى مسابقات المزاينة بإقبال كبير وسمعة طيبة، وتسهم بشكل كبير في إحياء التقاليد الأصيلة للمجتمع الإماراتي، إلا أن أهم الشروط التي تتفق عليها جميع المسابقات تتمثل في الالتزام بالأعمار المحددة، واقتصار المشاركة على أبناء الدولة، عبر جمل أو ناقة لكل فئة، وأن تكون الإبل المتنافسة محلية وغير مهجنة؛ وإن كان ثمة استثناءات في عدد الإبل المشاركة عن كل فئة، أو أي استثناء آخر، فيعلن عنه قبل بدء المسابقة مع توضيح الأسباب». وإبل المزاينة تحتاج إلى تمارين محددة لتبرز جمال فكيها ومتنها وعنقها، وللمزاينة برنامج تدريبي وغذائي تخضع له «المفاريد»، حيث تصحو في الخامسة صباحاً لتمارس بعض المشي والركض الذي يقوّي عضلاتها ويعمل على تنميتها، وثمة أطعمة وأغذية معدّة خصيصاً بخلط مجموعة غذائية خاصة بالسباق تتكّون من الحشيش والشعير والماء والحليب والعسل والتمر، وهو برنامج يتطلب الالتزام من المضمر في العناية بالإبل كي لا تكتفي بإرث الجمال والزينة من والديها، بل واكتساب جماليات الحركة والوقوف والسير، وفق تعبير الفلاحي الذي أضاف «ننشغل قبل بدء المسابقة بتهيئة الإبل ووضع اللمسات الأخيرة في تزيينها لتبرز في أبهى حللها، إذ توضع لها أجمل أنواع الزينة والإكسسوارات، وهناك من يوحّد بين زينة إبله المشاركة. كما أن البعض الآخر يغيّر في الزينة بين الناقة والأخرى بناءً على توصيات ملاك الإبل. وتحاك جدائل بلون الفضة أو الذهب، أو جدائل صوفية بألوان حمراء وزرقاء وصفراء وسوداء وبرتقالية، بحيث تنسجم مع ألوان الإبل ذاتها».

كما يمكن استخدام أفخر الإكسسوارات المعدنية كالفضة وأحجار الفيروز والعقيق، وهناك بعض المشغولات اليدوية المصنوعة من الفضة ومرصعة بحبّات الكريستال، وفي أطرافها رقائق من البريق اللماع، ويوجد منها أطوال وأحجام متعددة، حيث تضم حزام السنام وتاجاً بأحجار ملونة ورباط العنق واللجام والخلخال وتصدر أصواتاً جميلة كلما تحركت أو هزت الإبل رؤوسها، إذ إن زينة الإبل، وفق الفلاحي، تسهم في خلق أجواء تنافسية جميلة، كما تمنح الإبل هيئة جميلة كلما حركت رؤوسها وقوائمها.

وتابع الفلاحي «تزين الإبل المشاركة، سواء كانت بيضاء أو حمراء أو رمادية أو مجاهيم، كما يراعى أن تكون زينة الإناث من الإبل مختلفة عن زينة الذكور، حيث تكون في معظمها ذهبية وملونة بالكريستال، بينما زينة الذكور بلون فضي أو شرائط ملونة، إذ لا يغيب عنا أن نفرق ونميز زينة الإبل في ما بينها بحسب جنسها ولونها ونوعها».

موسم رابع

حول مهرجان الظفرة لمزاينة الإبل، قال مدير «مزاينة الإبل»، محمد بن عبدالله المهيري: «نحتفل بالموسم الرابع لمزاينة الإبل، وهي مخصصة للمحليات الأصايل، أي الإماراتية الأصيلة والمجاهيم الأصايل، ويجب أن تكون خالية من أي تهجين، بمعنى أن تنحدر من جذور ليست بالمحلية الصميمة».

ويعتبر المهيري الإبل تراثاً قديماً، وموروثا عربياً أصيلاً يجب رعايته والعناية به والحفاظ عليه من الاندثار وسط هذا الزخم من التطور والحداثة، وسميت بـ«مزاينة الإبل» نظراً إلى تخصيص هذه التظاهرة لانتقاء الأجمل بين الإبل لتتويجها بالبيرق؛ والتي قد تتجاوز أسعارها الـ10 ملايين درهم بسبب المنافسات القوية بين الملاك من أبناء الدولة، أو من دول مجلس التعاون الخليجي. وعن الأجيال المقبلة ومدى تأثرها بالإبل وإمكانية الاستثمار فيها والعناية بها أضاف المهيري «من المؤكد أن أجيالنا الحالية والمقبلة ستحافظ على هذا الجزء الغالي من التراث الذي حافظ عليه من قبل الآباء والأجداد، إذ أعطتنا الإبل الكثير ويجب أن نرعاها ونهتم بها، وكثيرون من الجيل الشاب في الدولة يحبون الإبل ويولونها اهتماماً كبيراً، وكثيرون منهم استثمروا في عالم الإبل وحققوا أرباحاً اقتصادية عالية، كما أنه تربطهم بإبلهم علاقة محبة، إذ يجب أن تحبها لتستطيع النجاح معها».

تويتر