ينبغي للوالدين تعلّم كيفية تهدئته

الطفل البكـّاء.. عـالم مـن الإشارات

بكاء الرضيع يرجع أحياناً إلى أسباب صحية. د.ب.أ

يشعر بالدفء.. والشبع.. وملابسه جافة.. وعلى الرغم من ذلك لا يتوقف عن البكاء والصراخ، فهناك بعض الأطفال الرضع الذين لا يمكن تهدئة روعهم، أو إسكاتهم بسهولة، وغالباً ما يكمن اضطراب التنظيم وراء البكاء والصراخ المستمر، إذ يستجيب الطفل كثير البكاء للبيئة المحيطة به بشكل حساس للغاية، ويميل إلى «فرط الإثارة». ولذلك ينبغي على الآباء تعلم كيفية التهدئة من روع الطفل، بالإضافة إلى فهم إشاراته بشكل أفضل لأنها تشكل عالمه.

قاعدة ثلاثية

هل بكاء وصراخ طفلي طبيعي؟ وللإجابة عن هذا السؤال تقول اختصاصية العلاج النفسي بمدينة هامبورغ شمال ألمانيا سابينه أولريش «كثير من الآباء ليسوا متأكدين ما إذا كان طفلهم كثير البكاء أم لا». أما بالنسبة للتعريف العلمي فإنه يعتمد على ما يُسمى بالقاعدة الثلاثية، أي يجب أن يكون الطفل الرضيع أصغر من ثلاثة أشهر على الأقل، وأن يصرخ أكثر من ثلاث ساعات في اليوم لمدة ثلاثة أيام على الأقل في الأسبوع، وأن يستمر ذلك لفترة أطول من ثلاثة أسابيع. وحتى الأطفال الذين يبكون بدرجة أقل أو بصورة غير منتظمة، غالباً ما يسببون قلقاً لآبائهم. وأضافت أولريش «درجة الشدة ليست هي العامل الحاسم، إنما المشكلة التي يتم الشعور بها». كما أن الأغلبية العظمى من الآباء يكونون قد وصلوا بالفعل إلى آخر قوتهم وانقطعت بهم السُبل عندما يلجأون إلى طلب المساعدة، إذ توضح الخبيرة الألمانية أولريش «يأمل جميع الآباء في السيطرة على المشكلة بأي طريقة»، إذ يتفاقم من خلال ذلك تأثير الموقف المتوتر في كثير من الأحيان. ويستمر الآباء على مدار ساعات في حمل الطفل أو أرجحته أو الغناء له. وعلى أي حال فإن الضغط أو التوتر الموجود لدى الآباء ينتقل إلى الطفل.

تحذير

تحذر طبيبة الأطفال وعضو عيادة الأطفال كثيري البكاء بمدينة ميونيخ جنوب ألمانيا مارجريت تزيغلر، قائلة «في حالات نادرة يتم هز الطفل الرضيع من فرط الغضب واليأس، وهو الأمر الذي لا يجوز أن يفعله الآباء بأي حال من الأحوال، لأن ذلك قد يؤدي إلى أضرار صحية خطيرة».

أما اختصاصية العلاج النفسي الجسدي، ومديرة العيادات الخارجية للأطفال كثيري البكاء في العاصمة الألمانية برلين باولا ديديركس، فتقول «تقريباً يوجد هناك طفل من كل خمسة أطفال يبكي ويصرخ في أول ثلاثة أشهر بشكل يفوق المتوسط بكثير». ولا تقتصر الأسباب فقط على آلام المغص في أول ثلاثة أشهر، ولكن يرجع ذلك إلى اضطراب التنظيم لدى الطفل نفسه.

وأضافت مارجريت تزيغلر «في الأسابيع الأولي تتصادم جميع الانطباعات الحسية الممكنة بشكل عشوائي على الطفل، وهو الأمر الذي قد يؤدي إلى إثارة مفرطة».

ولكن لماذا يبكي طفل كثيراً، في حين أن هناك طفلاً آخر يبكي ويصرخ بدرجة أقل؟ يقول الخبراء إن ذلك يرجع إلى العديد من الأسباب، وتوضح باولا ديديركس أن بعض السيدات يعانين من توتر وشد عصبي أثناء فترة الحمل، وهو ما يجعل هرمونات التوتر والشد العصبي تنتقل إلى الطفل الرضيع. علاوة على أن حالة الولادة الصعبة أو ظروف الحياة المجهدة، على سبيل المثال تغيير مكان السكن، يمكن أن تؤثر في الطفل. وأضافت ديديركس «في بعض الأحيان تعرض الأم نفسها للضغط والإجهاد، لأنها تريد أن تفعل كل شيء بشكل تام».

وتتمثل أولى خطوات العلاج في العيادة المختصة ببكاء الأطفال في قيام طبيب الأطفال بفحص الطفل، وتقول سابينه أولريش «في بعض الأحيان يرجع البكاء إلى أسباب صحية، على سبيل المثال عدم القدرة على تحمل اللبن». ويعقب ذلك حوار ومناقشة مع الآباء، وهنا تقول مارجريت تزيغلر «نحن نريد الحصول على أكبر قدر ممكن من المعلومات حول حياة الطفل والأشخاص الذين يعيشون معه». ومن ضمن الأسئلة التي يتم طرحها على الآباء، متى يبكي الطفل؟ وما المدة التي يستغرقها بكاؤه؟ وكيف يتصرف الآباء حيال هذا الأمر؟ وما الذي يفعلونه من أجل تهدئة الطفل؟

تقنيات

تضيف الخبيرة الألمانية مارجريت تزيغلر، ان «أول وسيلة مساعدة نقدمها للآباء، هي أنه لابد أن يكونوا قادرين على الاسترخاء واستعادة الهدوء النفسي مرة أخرى. ثم تأتي بعد ذلك تقنيات وأساليب الاسترخاء للأطفال الرُضع». والتدليك وطرق خاصة لحمل الطفل مع أصوات الهمهمة تسهم في خفض مستوى الإثارة لدى الطفل الذي يبكي ويصرخ بشدة. وبشكل تدريجي سيجد الآباء والطفل الرضيع أن الحياة اليومية أصبحت أكثر هدوءاً مرة أخرى. وتعول الخبيرة الألمانية سابينه أولريش على الراحة والاسترخاء، وتقول إن «الأطفال كثيري البكاء عادة ما يكونون متعبين ومجهدين للغاية». وفي البداية يتم تشجيع الطفل الرضيع لمدة أسبوعين على العودة إلى النوم مرة أخرى، ثم بعد ذلك أقدم المساعدة للآباء والطفل الرضيع عن طريق أحد تدريبات النوم حتى يتم الوصول إلى إيقاع منتظم للنوم والاستيقاظ.

وفي كثير من الأحيان يجب أن يتعلم الآباء كيفية تفسير إشارات الطفل، مثل الغمز بالعين أو فرك العين أو تمدد الظهر بقوة، إذ توضح باولا ديديركس «عندما يتعرف المرء إلى لغة الجسد لدى الطفل الرضيع، فإنه يمكن من خلال ذلك تجنب الإثارة المفرطة بشكل أكثر سهولة».

ومن الأمور المهمة إدراك اللحظات الإيجابية مع الطفل بشكل واعٍ، وتنصح مارجريت تزيغلر بأن الأوقات الجميلة تساعد على تحمل المراحل الصعبة والمجهدة بشكل أفضل. إلا أنه ينبغي على الآباء عدم توقع تحسنات فورية، فالأمر يحتاج إلى بعض الوقت حتى يتم الخروج من الدائرة المفرغة.

تويتر