على كرسي متحرك سعيد بخدمة العملاء في شرطة رأس الخيمة

سالم الكندي: شكراً لكل من أحبطني لأنه دفعني إلى التحدي

تصوير: أسامة أبوغانم

يحظى أصحاب الهمم في الإمارات برعاية خاصة واهتمام كبير، لدمجهم في المجتمع والحياة العامة، بهدف إظهار طاقاتهم وقدراتهم، كفئة منتجة تسهم في تنمية المجتمع وعملية التنمية الشاملة في الدولة. وتولي الدولة اهتماماً لأصحاب الهمم من منطلق إنساني وتربوي واجتماعي وثقافي، ولم يعد هذا الاهتمام تحت مظلة الرحمة والإحسان والعطف، بل لأنهم قادرون ولديهم إمكانات بمستوى الأشخاص الأصحاء، ولإتاحة الفرصة لهم لأن يكونوا ناجحين وقادرين على منافسة الأصحاء في المجالات كافة.

وقد استطاع عدد كبير من أصحاب الهمم في الإمارات تحقيق إنجازات كبيرة على جميع المستويات، واستطاعوا متسلحين بالإرادة والأمل والصبر تحويل الإعاقة إلى سبب ودافع لإنجاز قصص نجاح مهمة ولافتة ومبهرة وملهمة.


أن تكون في الثانية من عمرك، من الصعب أن تعي أنك مختلف حين لا تستطع الجري مع أقرانك، لكن عين أمك ومراقبة أبيك هما من سيتنبهان ويأخذان بيدك إلى بر الواقع، والاعتراف بأن ابنهما الصغير مصاب بإعاقة حركية، هذا ما يتذكره سالم الكندي الموظف في شرطة رأس الخيمة بقسم خدمة العملاء عن علاقته مع إعاقته التي أقعدته عن الحركة منذ كان في عمر العامين، الكندي وهو من أصحاب الهمم متزوج ولديه ثلاث بنات يعتبرهن حلاوة حياته، مصّر دائماً على التمسك بالحلم، ويؤكد أن الفرح يجمع كما الحزن ولا فرق بين شخص وآخر، «هي قدرات تنميها وتقولبها وتتماهى معها لتكون جزءاً من إقدامك على الحياة» كما يقول، مضيفاً «ما أحب أن أؤكده دائماً انني أقول شكراً لكل من أحبطني لأنه دفعني إلى التحدي».

اختار الحياة

- «كان لزاماً عَليّ أن أتحدى الإعاقة، من خلال الإصرار على مواصلة الحياة، وبناء علاقة معها».

- «شعور الأبوة الذي أعيشه تجاه بناتي الثلاث، هو الشعور الذي لا يمكن وصفه لشدة حلاوته».

- لم أعرف معنى ألا يكون الشخص مقعداً، ببساطة لأنني لم أجرب هذا الشعور.

لم يدخل الكندي حالة إنكار لواقعه، فهو لم يجرب غير هذا الواقع «لم أدرك أنني مختلف إلا عنما بدأت أكبر، وتحديداً فترة المدرسة، لكن الاختلاف بالنسبة لي، كان بسبب نظرات الشفقة التي كنت ألاحظها، على الرغم من أنني لم أكن أعرف معنى ألا يكون الشخص مقعداً، ببساطة لأنني لم أجرب هذا الشعور، لذلك يظل الإحساس بالنقصان غير منطقي لأني عشت حياتي كلها وأنا معاق حركياً».

يقول الكندي «مع حالتي أصبح لزاماً عَليّ أن أتحدى هذه الإعاقة، من خلال الإصرار على مواصلة الحياة، وبناء علاقة معها، واخترت أن يكون من خلال التعليم، والعمل، وتنمية المواهب».

حلاوة الأبوَّة

الكندي الذي يحب نظم الشعر، وكتابة الخواطر، يؤكد أن شعور الأبوة الذي يعيشه تجاه بناته الثلاث هو الشعور الذي لا يمكن وصفه من شدة حلاوته، فهن بالنسبة له ملح الحياة، اللواتي أدخلن إلى قلبه شعوراً جميلاً نقياً، في حضرة كل المعوقات التي قد يتعرض لها أي شخص، «فالنظر إليهن وإلى تفاصيل حياتهن، وشغفهن، وضحكاتهن، يجعلني إشعر بأن ثمة شيئاً يجعلك تصرّ على المضي قدماً، وتبدأ أولوياتك تتضح، وتصبح أكثر أملاً»، ويتابع «هن على وعي بإعاقتي، وهن كغيرهن لديهن من الأسئلة الكثير، لكن علاقتي بهن علاقة جداً جميلة، فيها من الحب والنقاء ما يصعب وصفه».

القدرة الكامنة

يعي الكندي أن أصحاب الهمم يشكلون دوماً حالة فضول للآخرين، بمختلف أعمارهم، تلك التساؤلات التي يبنيها أناس تجاههم هي التي تجعلهم يفكرون بما يجب أن يقدمونه كي يؤكدوا أن إعاقتهم ليست أكثر من حالة بصرية يراها الآخر، لكن الحقيقة أنها نقص في انتظار شيء ليكمله، وعن هذا يقول «هذه حقيقة، وهذا شعوري بالتحديد، المجتمع هو الذي أسهم في بناء التحدي بداخلي عن قصد أو دون قصد، المجتمع هو الذي جعلني أشعر بأن ثمة إحساساً اسمه الحركة غائب عني، على الرغم من أنني لم أجربه»، وأضاف «لكن المجتمع أيضاً هو الذي زرع بداخلي التحدي في أنني أريد أن أكون جزءاً من الحياة بتفاصيلها، لأن ثمة طاقة كامنة في دواخلنا لا يعيها الآخر، هي التي دائماً وأبداً تكمل ما ينقصنا»، مشيراً الى أنه يتابع باستمرار نجاحات وتميز فئات مختلفة من أصحاب الهمم في كل أنحاء العالم، مؤكداً «لا شك أن ثمة أناساً يحاولون دائماً أن يشعروك بأنك لن تحقق شيئاً، بسبب وضعك، هؤلاء من أقول لهم شكراً، لأنكم خلقتم في ذاتي رغبة التحدي لأثبت عكس نظريتكم».

خدمة العملاء

يعمل الكندي بقسم خدمة العملاء في شرطة رأس الخيمة، ما يجعله على تواصل مستمر مع الناس، ومع طلباتهم وشكاواهم وآمالهم وخوفهم في بعض الأحيان، «وظيفتي في هذا القسم جعلتني على مقربة أكثر مع الناس، وأستطيع من خلال نبرة الصوت أن أميز بين الصوت المتردد، الواثق، الكاذب، المدعي، الصادق»، ويتابع «من خلال الأصوات بت على مقربة أكثر من واقع الحياة، ومع ما يولده من قصص وحكايات، بت على ثقة بأن لا شيء يفرق بين البشر في الفرح والحزن، ومن جانب تقديم الخدمة أنت تمنحهم الأمل والسعادة، وهذا ما يشعرني دائماً بالرضا».

ويختم الكندي «أنا جربت وجع الفقدان، حين رحل أخي عن هذه الدنيا، لكن في الوقت نفسه أستمد قوتي من صوته الذي كان دائماً يشجعني، لذلك يعنيني الصوت كثيراً، فهو مثل المرساة التي تأخذك إلى بر الأمان إذا ما أحسست أنه يعزز من عزيمتك ولا يحبطها».

تويتر