أنجز «التربية الفنية للصم».. ويحلم بنشره

محمد أبوزهرة.. صاحب همّة يعبّر بلغة الألوان

صورة

يحظى أصحاب الهمم في الإمارات برعاية خاصة واهتمام كبير، لدمجهم في المجتمع والحياة العامة، بهدف إظهار طاقاتهم وقدراتهم، كفئة منتجة تسهم في تنمية المجتمع وعملية التنمية الشاملة في الدولة. وتولي الدولة اهتماماً لأصحاب الهمم من منطلق إنساني وتربوي واجتماعي وثقافي، ولم يعد هذا الاهتمام تحت مظلة الرحمة والإحسان والعطف، بل لأنهم قادرون ولديهم إمكانات بمستوى الأشخاص الأصحاء، ولإتاحة الفرصة لهم لأن يكونوا ناجحين وقادرين على منافسة الأصحاء في المجالات كافة.

وقد استطاع عدد كبير من أصحاب الهمم في الإمارات تحقيق إنجازات كبيرة على جميع المستويات، واستطاعوا متسلحين بالإرادة والأمل والصبر تحويل الإعاقة إلى سبب ودافع لإنجاز قصص نجاح مهمة ولافتة ومبهرة وملهمة.


انتهى محمد أبوزهرة (أحد أصحاب الهمم) من تأليف كتاب فريد من نوعه موجه للأطفال من أصحاب الهمم المصابين بالإعاقة السمعية، محاولاً من خلال هذا الكتاب أن يجعل الطفل يبني علاقة مع اللون لا تختلف عن علاقته مع الحرف بلغة الإشارة، ومنتظراً دار نشر تتبنى مشروعه التثقيفي ليكون جزءاً من المنظومة التعليمية في دولة الإمارات والوطن العربي.

أبوزهرة - الذي التقته «الإمارات اليوم» وتواصلت معه من خلال مترجم الإشارة وائل سمير - ولد أصماً أبكماً، لكنه وعى مبكراً أنه يستطيع التعبير عن كل ما يريد قوله من خلال الرسم، إذ يرى أن الفن لغة سامية ومهمّة تقرّب المسافات بين البشر، وتكسر كل الحواجز.

كسر الحواجز

يعترف محمد أبوزهرة بأن مشكلة الاندماج مع الآخر لم تكن سهلة، عازياً ذلك إلى أنها «كانت تحتاج دائماً إلى خطوة من الآخرين، وإذا ما تمت تلك الخطوة المبنية على فضول حول كيفية حياتنا، تصبح العلاقات مفتوحة، ويبدأ الآخر (الطبيعي) يتقرب ويفهم ما نريد، ويبني علاقته الإنسانية معنا»، معتبراً «الفضول لدى الآخرين هو الذي يكسر حاجز الأمور المبهمة ويردم الفجوة».


• أنا وزوجتي مصابان بالإعاقة السمعية، ورزقنا بعبدالله ودارين، وهما لم يصابا بإعاقتنا.. وننتظر طفلنا الثالث.

• أحلم بمجمّع فني خاص بأصحاب الهمم، وأن أصبح فناناً مشهوراً، وأن أنتج أول معرض فني بتوقيعي.

• مع وصف أصحاب الهمم باتت لنا مكانة كنّا نطمح إليها، فنحن بالفعل كذلك ولدينا الكثير لنقدمه.

يحاول أستاذ التربية الفنية أبوزهرة، أن يضيف لغة جديدة للتعبير من قبل أصحاب الإعاقة السمعية، هي لغة اللون. ويقول: «لقد أطلقت على كتابي عنوان (مناهج التربية الفنية الأولى للصم) وهو خاص بالصفوف الابتــــدائية، شعوراً منــــي بأن هذا الكتـــــاب سيـــــخدم شـــريحة ليـســــت بســـــيطـــة من أصـــحاب الهـــمم في كــــل الوطـــن العــــربي».

يشرح أبوزهرة في كتابه المفاهيم الفنية، ويضع اللون بقوة الحرف للتعبير، ويحكي عن كيفية تعرف الأصم على الألوان، موضحاً أن «الطفل الطبيعي تبدأ علاقته بالتعبير من خلال الكلمة، وبالنسبة للأصم وجدت أن لغة الألوان لا تقل أهمية عن لغة الكلمات التي يعرفها الطفل الطبيعي»، مطالباً بأن «تكون لغة اللون المعبر عن أحاسيسنا، إلى جانب لغة الإشارة».

وتابع: «الكتاب مؤلف من 100 صفحة، وينتظر دار نشر لطباعته، وأتمنى اعتماد وزارة التربية والتعليم ووزارة تنمية المجتمع هذا الكتاب في مدارس الدولة، هذا ما أطمح إليه».

نعمة وليست نقمة

يعتبر أبوزهرة الإعاقة نعمة وليست نقمة.

ويقول: «أنا لم أجرب حياتي من دون إعاقتي السمعية، ولا أعرف معنى أن يكون الشخص يسمع، لذلك تم بناء مشوار خطواتي وأنا أصم وأبكم، ولا شك أن دعم العائلة هو الذي فتح الطريق أمامي بأن أمضي حياتي بكل تحدٍ وإصرار، والأهم أن يكون لديك ما تقدمه لنفسك ولغيرك».

ويكمل: «اكتشفت عائلتي علاقتي بالرسم منذ صغري، ودعمتني من خلال صقل تلك الموهبة عبر المعاهد واللوحات والألوان، وبت منذ الصغر قبل تعلم لغة الإشارة أعبّر عما أريد من خلال رسمة، حتى لو كنت أريد أن أشرب الماء مثلاً، فصار الرسم لغتي الأولى للتعبير قبل أن أتعلم لغة الإشارة».

وصف منصف

يؤكد أبوزهرة الذي تخرج في كلية التربية الفنية في العاصمة المصرية القاهرة، أن وصف أصحاب الهمم الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وأصبح هذا الوصف معتمداً في كل مكان، قد غيّر نظرة المجتمع لتلك الفئة من المجتمع، مضيفاً «بات لنا مكانة كنّا نطمح إليها، فنحن بالفعل أصحاب الهمم ولدينا الكثير لنقدمه، قديماً كانوا يقولون عني (هذا الأخرس، أو اللي ما بيسمع) أما اليوم فلا يجرؤ أحد على الاستهانة بنا، فأصحاب الهمم وصف دقيق جداً، انتقل بنا من ظلمة المحاولات الجاهدة في تقبلنا إلى نور يضيء لنا طريقنا».

لحظات

أصعب اللحظات التي مرت على محمد أبوزهرة كانت عندما أنهى دراسته الثانوية، ولم يجد جامعة تقبله في كلية الفنون الجميلة.

وقال «لكن بعد جهد جهيد، وجدت كلية في القاهرة، وتخرجت في كلية التربية الفنية لأصبح أستاذاً، ومن اللحظات المهمة في حياتي والتي كانت السبب في انطلاقتي كفنان حصولي على جائزة سمو الأميرة هيا للتربية الخاصة، إذ كنت الوحيد من أصحاب الهمم في مجال الرسم، وبعد هذه الجائزة صرت ضيفاً على معارض ومحافل فنية عدة داخل الدولة وخارجها»، لافتاً إلى أنه يحلم بمجمّع فني خاص بأصحاب الهمم، وأن يصبح فناناً مشهوراً، وأن ينتج أول معرض فني بتوقيعه.

ويضيف أبوزهرة الذي ينتظر قدوم ابنه الثالث: «أنا وزوجتي مصابان بالإعاقة السمعية، ورزقنا بعبدالله ودارين وننتظر الثالث، وهما لم يصابا بإعاقتنا، ولا شك أن الصعوبة كانت موجودة في تربيتنا لهما، خصوصاً مع غياب لغة التعبير، لكن عائلتنا وقفت إلى جانبنا، وكانت ولاتزال السند لنا، وطفلاي يعرفان لغة الإشارة ويتحدثان معنا من خلالها».

ويختتم بأن «الحياة تظل جميلة إذا ما قدرناها، وكنا ممنونين لكل التفاصيل في حياتنا، فلا فرق بين البشر إلا بما يستطيعون تقديمه لما هو خير للوطن وللمجتمع الذي يعيشون فيه وبين أفراده».

تويتر