غابات وبراكين وأبراج جليد في النصف الجنوبي للأرض

باتاجونيا.. رحلات بحرية إلى نهاية العالم

صورة

تدعو تشيلي السيّاح للاستمتاع برحلات بحرية رائعة تجوب منطقة باتاجونيا، وعادة ما تبدأ مثل هذه الرحلات من بويرتو مونت في نصف الكرة الجنوبي، وينعم السياح خلال هذه الرحلات بمشاهدة المنازل الخشبية الملونة وأشجار الغابات المختلفة، والأغنام التي ترعى على التلال القريبة. كما يظهر في الأفق اثنان من البراكين التي تذكّر السياح بأن الرحلة البحرية متجهة إلى نهاية العالم؛ حيث لاجونا سان رافائيل، وهنا يشاهد السياح أبراج الجليد المتساقطة في الماء.

800

جزيرة معظمها غير مأهول بالسكان

قائمة «يونسكو»

وقد تم تصنيف هذه البحيرة كمحمية طبيعية، وإدراجها على قائمة التراث الطبيعي العالمي لمنظمة اليونسكو، وبعد الإبحار لفترة من الوقت رست الباخرة السياحية عند سفح منحدرات مغطاة بالغابات الكثيفة، وقام السياح بارتداء سترات النجاة ونزلوا إلى القارب، الذي أبحر بهم وسط الجبال الجليدية، التي تراوح أحجامها بين القمم المنخفضة كغواصة، بينما تظهر بعض الجبال الجليدية بارتفاع المباني الشاهقة. ويظهر الجليد بلون ناصع البياض، وبشكل مموج ومصقول وبنقاء الكريستال. وخلال هذه الرحلة يبتعد القارب عن الجبال الجليدية لمسافة 500 متر على الأقل؛ لأنها قد تتصدع في دقيقة وحدة، ويبدو الأمر كأنه انفجار في ناطحة سحاب؛ حيث قد يتسبب قصف الرعد في تحطم الجليد، الذي يظهر مثل الفلين في المياه الخضراء. وبعد الاستمتاع بالجولة وسط الجبال الجليدية، يعود السياح إلى الباخرة من أجل تناول بعض المشروبات والاسترخاء.

وبعدما انطلقت الباخرة السياحية «Skorpios II» من ميناء بوريرتو مونت، بدأ النادل في الترحيب بالسياح وتقديم مشروب الغابات والمروج في تشيلي «بيسكو سور»، خلال فترة الظهيرة، على متن الباخرة السياحية، التي تختلف كثيراً عن السفن التي تجوب أرجاء البحر المتوسط أو البحر الكاريبي. وتمتاز هذه الباخرة بأنها صغيرة الحجم بعض الشيء، إذ يبلغ طولها 70 متراً ولا يزيد عرضها على 10 أمتار.

وتعد أسماء الطوابق من الأمور اللافتة للانتباه على متن الباخرة السياحية، وهي آتوس وأكروبوليس وأولمبو، وتوضح هذه الأسماء مدى الحنين العائلي، الذي يمتاز به مؤسس هذه الباخرة السياحية، كونستانتينو كوخيفاس؛ حيث هاجر والده من اليونان وكان يعمل في سفن الشحن، التي تنقل الديزل والمواد الغذائية من بويرتو مونت إلى بويرتو تشاكابوكو، وفي رحلة العودة كان يتعرف الى المضايق والقنوات المائية.

وعادة ما كان الصيادون يحكون له عن الجبال الجليدية والأنهار الجليدية الموجودة في الجنوب، وخلال عام 1960 قام كوخيفاس بأول رحلة بحرية إلى بحيرة لاجونا سان رافائيل، وكان لهذه الرحلة وقع السحر عليه، ولذلك وضع خطة لإتاحة هذا الجمال الطبيعي للسياح، ولذلك قام خلال 1976 ببناء كبائن في سفينة الشحن الخاصة به، واصطحب معه 14 سائحاً إلى البحيرة الجليدية.

وأشار أوسكار أجيلار إلى أن هذه الرحلة قد حققت نجاحاً باهراً، ويعمل القبطان، الذي يبلغ من العمر 58 عاماً، في شركة الملاحة البحرية منذ 20 عاماً، ويقود مختلف السفن السياحية التابعة للشركة. وقد توفي كونستانتينو كوخيفاس، قبل وقت قصير من عيد ميلاده الـ80، على متن إحدى السفن السياحية الثلاث التابعة لشركة الملاحة البحرية حالياً.

ويقوم القبطان أجيلار بتوجيه الباخرة السياحية نحو الجزر، ويمر قبالة الصخور والساحل الشرقي من تشيلي، وأكد أن الإبحار في هذه المنطقة يحتاج إلى المزيد من الخبرة. وعلى الرغم من أن الجزر تلعب دور كاسر الأمواج، وتقوم بحماية السفينة طول مسار الرحلة بالكامل ضد أخطار المحيط الهادئ، إلا أن أجيلار أكد أن هناك الكثير من المياه الضحلة، كما أن ارتفاع الأمواج قد يصل إلى خمسة أمتار في قناة كوركوفادو، وخلال هذه الرحلة كان السياح ينامون لمدة ثلاث ساعات دون إزعاج عند الإبحار في البحر المفتوح، ومع إشراقة الصباح أبحرت السفينة السياحية في حماية الأرخبيل التالي.

أرخبيل كونوس

ويعرف هذا الأرخبيل باسم كونوس نسبة إلى أول من سكن هذه الجزر؛ حيث عاشت قبائل كونوس في خيام مصنوعة من فراء أسود البحر، واستخدموا جذوع الأشجار لصناعة القوارب والتنقل بها في البحر، وكانوا يدهنون أجسامهم بالدهون المستمدة من أسود البحر، ويقفزون في المياه الجليدية لصيد الأسماك بواسطة الحراب المصنوعة من عظام الحيتان والغوص لجمع المحار. ويضم هذا الأرخبيل نحو 800 جزيرة، معظمها غير مأهول بالسكان. وتبحر الباخرة السياحية وسط متاهة من الجزر الصغيرة والصخور والرؤوس الصخرية، التي تنمو بها غابات مطيرة بكثافة. ويظهر في الأفق أمام السياح الجليد الأبدي على قمم جبال الإنديز، ولا يعكر صفو هذا المنظر الطبيعي البديع سوى العوامات برتقالية اللون، والمنتشرة في مزارع سمك السلمون.

وكلما أبحرت الباخرة السياحية في مضيق كوترلكو أكثر، فإنها تقترب من الجبال بصورة أكبر. وتختفي البحيرة والنهر الجليدي خلف رأس صخرية، وهنا يتوجب على القبطان أجيلار قيادة الباخرة في قناة ضيقة، وذلك بسبب وجود تيارات قوية وانتشار الجبال الجليدية، والذي يعد أصعب جزء في الرحلة. وقد أبحر المستكشف الإسباني خوان جارسيا خلال عام 1620 في زورق صغير خلال هذه القناة الضيقة، من أجل البحث عن طريق إلى المحيط الهادئ.

تويتر