أزيل في 2004 وبقيت منه مبانٍ عدة وسينما

محمد نورالدين: حيّ «جرن يافور» مازال محفوراً في ذاكرتي

صورة

رغم أن الحي الذي نشأ فيه الكاتب الإماراتي، محمد نورالدين، أزيل في عام 2004، ولم يبقَ منه سوى آثار قليلة؛ إلا أن نورالدين مازال يحتفظ في ذاكرته بالعديد من الذكريات عن بيته الأول الذي نشأ فيه بمنطقة «جرن يافور» التي تقع على يمين طريق أبوظبي - العين بعد جسر المفرق، وهي ذكريات تتوزع بين مواقف طريفة وشخصيات مازالت محفورة في ذاكرته، وصورة مختلفة للحياة الاجتماعية كانت تتسم بها الفرجان والأحياء قديماً، وتغيرت ملامحها مع تغير الحياة وتطورها. هنا يتذكر محمد نور الدين بعضاً من طفولته، ومرابع الصبا، والطرقات التي شهدت خطاه واول الأحلام وأول الكتابات والقراءات.

«فتحت عينيّ في بيت صغير بضواحي أبوظبي، وهي منطقة تقع على يمين شارع أبوظبي - العين بعد جسر المفرق».

«كنت أهرب من البيت إلى المقهى القريب، أقف بين جموع المشاهدين نتابع المصارعة الحرة وأبطالها مثل ريك فلير ودستي رودز وجيمي سنوكا».

كان الشباب يتناقلون أسطوانات الغرامافون، قبل أن تظهر أشرطة الكاسيت فيما كبار السن كانوا من عشاق الإذاعات

أتذكر دخول أول تلفزيون ملّون إلى بيتنا؛ كان من ماركة توشيبا ويشبه الصندوق الخشبي

100

كتاب كانت في بيتنا، وضعف هذا العدد في بيت جدي، وهو عدد نادر في بيوت عامة الناس وقتها.

2004

أزيل المنزل ولم يبقَ منه سوى آثار قليلة.


كنت ألاحظ اهتمام الوالد بحفظ مستنداته في شنطة سريعة الحمل، وحفظ الكتب في صالة المعيشة بمكتبة خاصة بعيدة عن الحشرات والغبار اللذين يكثران في المناطق شبه الصحراوية عامة.


يستعيد صاحب دار «نبطي» للنشر ذكرياته الأولى قائلاً «فتحت عينيّ في بيت صغير بضواحي أبوظبي بمنطقة (جرن يافور)، وهي منطقة تقع على يمين الشارع أبوظبي - العين، بعد جسر المفرق، وأتذكر جيداً كيف كانت المنطقة تقع في وسط الرمال، وأتذكر الكبار وهم يذكرون انتقالهم من العاصمة أبوظبي، ومنطقة (الباورهاوس) بسبب حادثتي حريق في بداية السبعينات، حيث التهمت الأوراق والمستندات والكتب مع بيوتهم المبنية من السعف أو ألواح الخشب، لذا كنت ألاحظ اهتمام الوالد بحفظ مستنداته في شنطة سريعة الحمل، وحفظ الكتب في صالة المعيشة بمكتبة خاصة بعيدة عن الحشرات والغبار اللذين يكثران في المناطق شبه الصحراوية عامة».

البيئة الصحراوية للمكان وحداثته لم تقفا مانعاً أمام أن يغزوه التطور بسهولة، بحسب ما يوضح نورالدين، وأن يستمتع سكان المكان بوسائل ترفيه مختلفة، على بساطتها كانت مهمة في حياتهم، مثل أسطوانات الغرامافون الكهربائية التي كان الشباب يتناقلونها، قبل أن تصبح أشرطة الكاسيت هي المتداولة أكثر، لافتاً إلى أن كبار السن كانوا من عشاق الإذاعات والاستماع إلى الأخبار، بينما كان الأطفال أكثر انجذاباً للتلفزيون، «أتذكر دخول أول تلفزيون ملون إلى بيتنا؛ كان من ماركة توشيبا ويشبه الصندوق الخشبي، وكنا نجلس، من الرابعة حتى الخامسة عصراً، لنشاهد الرسوم المتحركة على القنوات الأرضية التي كانت محدودة لصعوبة وصول الإرسال إلى أبوظبي، وأذكر أننا كنا نشاهد قناتي دبي والسعودية ليلاً، وفي بعض الحالات الجوية الجيدة كنا نستطيع استقبال قناتي قطر وعمان، وكانت مشاهدة هذه القنوات بالنسبة إلينا فرصة مهمة للتعرف على دول مجلس التعاون، ولا أنسى برنامج (افتح يا سمسم) الذي فتح أمام كل أطفال الخليج آفاق التواصل التي كانت محدودة آنذاك».

ويوضح نورالدين أن التواصل في ذلك الوقت كان صعباً مقارنةً بما يحدث اليوم من ثورة معلوماتية، لذلك كان هناك متسع من الوقت للبحث عن مصادر تسلية أخرى «وقد يستغرب البعض إن قلت إن صفحة من الصفحات الجريدة، ولو كانت من المخلفات، كانت في تلك الفترة تعد من عناصر التسلية والجذب، حيث كنا نقرأها ونستمتع بها»، مشيراً إلى أن القراءة بالنسبة له ولجيله كانت مهمة جداً، على عكس الجيل الجديد الذي نادراً ما يهتم بقراءة الجرائد اليومية، وذكر أنه في طفولته قرأ كتباً كثيرة لم يكن يفهم شيئاً منها، فقط لمجرد فتح باب جديد من أبواب المعرفة، معتبراً نفسه محظوظاً لوجود مكتبة تضم أكثر من 100 كتاب في بيته، وضعف هذا العدد في بيت جده الملاصق لبيته، وهو عدد كبير جداً، ومن النادر وجوده في بيوت أشخاص من عامة الناس وقتها.

العلاقات الاجتماعية بين جيران زمان تمثل جزءاً مهماً من روح المكان الأول وذكرياته لدى محمد نورالدين، الذي يشير إلى أن قرب البيوت من بعضها، وصغر حجمها، كان يخلق أجواء من الحميمية والمحبة والاحترام في العائلة والمجتمع، كما كانت الأوقات تقريباً متناسقة، فالجميع يصحو في الصباح الباكر، وينام بعد أن تنتهي برامج التلفاز حيث لا يوجد داعٍ للسهر، أما ساعات العصر فكانت مناسبة لتجمع الأطفال ولعب الألعاب الشعبية، مثل «عنبر» و«ميت» و«قلينة وماطوع» و«التيلة» و«كرة القدم»، بحسب ما يتذكر، لافتاً إلى أنه مازال يذكر جيرانه في الفريج، ومنهم الفنان عبدالله مفتاح، كما كان الفنان محمد الجناحي يوجد في المكان كثيراً برفقه مفتاح. ومازال نورالدين يحتفظ بذكرياته عن عرس أقيم بالقرب من بيت أسرته في بداية الثمانينات، وبني له مسرح، وعرضت عليه مسرحية بدلاً من الإتيان بمطرب كما هو دارج إلى اليوم.

مثل كثير من مناطق أبوظبي؛ تغيرت ملامح «جرن يافور» في الوقت الحالي، حيث أزيل الحي في 2004، وفقاً لما يذكر صاحب «النبطي»، وبنيت هناك مجموعة من البيوت على الطراز الحديث في المكان نفسه، «لكن لاتزال هناك بنايات تجارية قديمة جداً بالقرب من (جرن يافور) وهي منطقة سوّرت من قبل نادي تراث الإمارات، مشيراً إلى أنه كان يهرب مساء من البيت إلى المقهى القريب، ليقف بين جموع المشاهدين الذين يتابعون المصارعة الحرة وأبطالها، مثل ريك فلير ودستي رودز وجيمي سنوكا، وغيرهم من النجوم، حيث لم تكن البطولات الكبرى تعرض على التلفاز، وكانت تعرض حصرياً من خلال أشرطة الفيديو «بتي ماكس» في المقاهي. كذلك مازال يتذكر مبنى السينما الذي يقف في المكان نفسه إلى اليوم، على تلة رملية بعد جسر المفرق، ورغم أنه لم يدخل هذا المبنى إلى اليوم إلا أنه يعتبر من المعالم التي تذكّره بتلك الأيام الجميلة التي لن تعود إلا باستحضار الذكريات مع أصدقاء «المكان الأول».

تويتر