«الإمارات لبحوث الاستمطار» وطموح تحقيق أمن المياه العالمي

يعتبر شهر رمضان المبارك وقتاً نستشعر فيه نِعم الله عزَّ وجلَّ وعطاياه الوفيرة، ونحسّ بمن هم دوننا حظاً، وندرك مدى قيمة النعمة وأهمية الحفاظ عليها، وأيضاً أهمية العطاء والعمل على مساعدة الغير، وتحسين مستوى الحياة للبشرية جمعاء. ومع تزامن الشهر الكريم مع موعد الصيف، يزداد إحساسنا بالعطش خلال الأيام الحارة والطويلة، ما يذكرنا بقيمة نعمة كبيرة نعتبرها غالب الأيام من المسلمات، وهي نعمة المياه العذبة التي تعتبر أساس الحياة كلها على كوكب الأرض.

«أكثر من مليار شخص حول العالم اليوم يعانون شحاً في مصادر المياه الصالحة للشرب، هذا بالإضافة إلى حقيقة أن أكثر من مليون طفل يموتون سنوياً بسبب نقص المياه الصالحة للشرب، والأمراض المرتبطة بتلوث المياه».

يسمى كوكب الأرض بالكوكب الأزرق، نظراً لكون ثلثيه مغطى بالمياه، ومع ذلك فإن العالم يواجه أزمة مياه من المتوقع أن تتفاقم في المستقبل مع تفاقم موارد المياه العذبة في جميع أنحاء العالم. وتدعو الأرقام المتعلقة بالمياه العذبة في العالم إلى القلق، إذ لا تكاد تبلغ المياه العذبة الصالحة للاستهلاك 3% فقط من مجمل المياه الموجودة على كوكب الأرض، 77% منها على هيئة جليد، و22% منها مياه جوفية، ليتبقى ما نسبته 0.6% لتلبية احتياجات أكثر من سبعة مليارات من البشر في كل ما يتعلق بالنشاطات الزراعية والصناعية بالإضافة إلى الاحتياجات اليومية.

كما أن أكثر من مليار شخص حول العالم اليوم يعانون شحاً في مصادر المياه الصالحة للشرب، هذا بالإضافة إلى حقيقة أن أكثر من مليون طفل يموتون سنوياً بسبب نقص المياه الصالحة للشرب والأمراض المرتبطة بتلوث المياه. كما يحذر الخبراء من حرب مستقبلية سيكون محورها الماء ومصادر المياه الأساسية، هذا نتيجة لارتفاع درجة حرارة الأرض وجفاف الكثير من الآبار والأنهار ومصادر المياه، إذ أثبتت الدراسات العلمية أن المياه العذبة تتناقص سنوياً بنسبة 10%، ما يعادل فقدان 160 مليار متر مكعب من الماء.

أما في ما يخص مستقبل المياه في الوطن العربي، فعلى الرغم من أن أراضي المنطقة العربية تشكل عشر مساحة اليابسة في العالم، إلا أنها تصنف ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة، حيث تملك ما يتعدى 1% فقط من مجمل الجريان السطحي، و2% من إجمالي هطول الأمطار في العالم. وبالإضافة إلى ما تواجهه المنطقة من تحديات متنامية في قطاع المياه، تعاني أيضاً مشكلة توزيع المياه بين الدول، إذ يبلغ ما نسبته 60% من المياه الجارية عابرة للحدود الدولية كنهر النيل.

ومن الجدير بالذكر أن استهلاك العالم العربي للمياه تضاعف خمس مرات خلال الـ50 عاماً الماضية في مجالات الصناعة والزراعة والشرب. ويقدر الاستهلاك السنوي بنحو 230 مليار متر مكعب، منها 43 مليار متر مكعب تستهلك في الشرب والصناعة، بينما يتم استهلاك ما يقارب 187 مليار متر مكعب في مجال الزراعة.

تكمن ندرة المياه من المسببات الرئيسة في العديد من البلدان لعدم قدرة السكان تخطي حاجز الفقر، إذ تتحمل النساء والأطفال عبء البحث عن المياه سيراً على الأقدام لأميال طويلة لتلبية متطلبات أسرهم ومجتمعاتهم المحلية للمياه. ومع تزايد هذه المشكلة، يتم اتباع بعض الحلول البسيطة مثل حفر الآبار وتجميع مياهها.

إلا أن مثل هذه الحلول لم تعد كافية لمجابهة التحدي القائم، ويحتاج العالم إلى التعاون بجدية من أجل إيجاد حلول كفيلة بتحقيق الأمن المائي الدولي في المستقبل، لذلك، لابد من وضع خطط حقيقية وواقعية لمواجهة الاستنزاف الحالي، كما تقع علينا مسؤولية ترشيد استهلاك المياه، والعمل بكل جدية من أجل توجيه التحذيرات والخطط العملية التي تسهم بشكل فعال في إرشاد استهلاك الماء وعدم إهدارها.

وإذ يعد أمن المياه من أبرز مقومات الأمن القومي لكل دولة، يزداد الضغط على الدول لتعزيز أمنها المائي، من خلال دعم جهود البحث والتطوير، والاستثمار في التقنيات الجديدة، فندرة المياه تشكل خطراً حقيقياً قد يؤدي إلى اندلاع نزاعات أهلية وصراعات بين الدول الواقعة في المناطق الجافة وشبه الجافة.

ومن أهم المبادرات الدولية والمبتكرة التي يمكنها تقديم الحلول لزيادة كميات هطول مياه الأمطار، يأتي «برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار»، الرائد الذي أطلقته دولة الإمارات لدعم الجهود الوطنية والعالمية في تحقيق الأمن المائي، عبر نشر أفضل الممارسات العلمية والتعاون في أبحاث علوم الاستمطار، ويطمح البرنامج إلى أن يحدد أساليب مثبتة علمياً وقابلة للتطبيق بشكل مستدام لتحسين مستويات هطول الأمطار في الإمارات والمناطق الجافة وشبه الجافة في العالم.

تُعرف تقنية الاستمطار عادة باسم «تلقيح السحب»، وهي عبارة عن عملية تحفيز السحب لزيادة كميات هطول الأمطار، من خلال رش مواد جاذبة للمياه في السحب للمساعدة على تكوين مزيد من البلورات الثلجية أو القطرات المائية داخل السحب وتحويلها إلى قطرات مطر كبيرة الحجم. ولا يمكن أن تتم عمليات الاستمطار إلا إذا توافرت الظروف الجوية المناسبة لإجراء عمليات الاستمطار، حينها يمكن لتقنيات الاستمطار أن تصبح معقولة التكلفة، وأن تتحول إلى طريقة فعالة لزيادة مرونة قطاع المياه.

ونظراً إلى الاهتمام الدولي الراهن بهذا المجال، يعتمد برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار على النجاح الذي حققه في دورته الأولى للمساعدة على تطوير القدرات المحلية اللازمة لدفع عجلة الابتكار وضمان أمن المياه، كما يسعى برنامج الإمارات لبحوث علوم الاستمطار من خلال دورته الثانية والحالية إلى الاستمرار في قيادة الجهود الدولية المبتكرة والبحوث العلمية في مجال يتمتع بقدرات ومؤهلات كبيرة غير مستغلة إلى الآن.

يأتي هذا البرنامج نابعاً من إدراك قيادة دولة الإمارات لأهمية تطوير حلول عالية التقنية لتحقيق الأمن المائي، وإيمانها بأن التصدي لمثل هذا التحدي يتطلب جهوداً مكثفة، سواء من قبل الحكومات من خلال تبني نهج واستراتيجيات واضحة وقابلة للتنفيذ، وإيجاد التمويل المناسب والإرادة الجماعية التي تجعل من تحقيق أمن المياه على مستوى العالم واقعاً. وتكمن أهمية بناء مجتمع علمي دولي أقوى من ذي قبل في مجال الاستمطار، وذلك للعمل بجدية نحو تأمين احتياطات المياه المستنزفة في كوكبنا والمحافظة عليها للأجيال المقبلة.

تويتر