معرض للفنان السوري تمام عزام في «أيام غاليري» بدبي

«الطريق».. الحاضر المستمر بالدمار

صورة

وسط الدمار تسير في معرض «الطريق» للفنان السوري تمام عزام، حيث بات للخراب شكله الحسي، يملأ الدرج الموجود في القاعة ليجعله بلا نهاية، فتشعر للوهلة الأولى كأنه درب الصعود إلى السماء. يدخلك الفنان السوري في هذا المعرض، الذي افتتح أخيراً في غاليري «أيام»، في حالة الحرب، لتشعر كأنك جزء لا يتجزأ من المكان، فيحيطك حسياً ومادياً بأبرز آثارها، ليطلق صرخة وجع استغرقت منه ما يقارب الأربع سنوات كي يتحدث عنها، إنها صرخة تعبر عن الحاضر المتميز بالدمار المستمر والمتواصل.

يعتمد عزام على منهجية مختلفة في هذا المعرض، فقد ترك الأعمال الرقمية والتركيبية، متوجهاً اليوم إلى اللوحة التي يساندها العمل التركيبي للدمار. تسير بين أروقة الصالة، لترى أنك في النهاية أمام مشهد مهول من الدمار والخراب، فبقايا الأبنية، من حجارة وأتربة وحديد، وكذلك الملابس والأغراض بينها، تدلك على كارثة بحجم وطن، فهي تبرز الوجع غير المتناهي، الذي يبدو كما لو أنه ينكب دفعة واحدة أمامك. هذا الدرج الذي يكسوه الدمار، توضع في سقفه المرايا، لتجعله يبدو كأنه درج «الصعود إلى السماء» كما يسميه الفنان، وهنا تشعر بحجم الوجع الذي يحاول الفنان تجسيده، فهو يسعى إلى مضاعفته من خلال المرآة، ليظهر لنا حجم هذا الطريق الطويل والمفتوح، ما يجعله الطريق الصعب الذي يضع الحرب أمام ناظريك بكل ما تحمله من مآسٍ.

سيرة فنية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/02/434453.jpg

ولد الفنان السوري تمام عزام في دمشق عام 1980، وتلقى دراسته في الفنون في سورية. عمل خلال مسيرته الفنية على مجموعة من المواد التي كان يستخدمها في أعماله، ليمنح العمل العمق في المادة. توجه إلى الأعمال التركيبية والرقمية في الآونة الأخيرة، وقدم مجموعة من المعارض الجماعية في مجموعة من البلدان من بينها: فينيسيا، جورجيا، سراييفو، أمستردام، لندن، ودبي.


العلاقة مع المكان

اعتمد الفنان السوري تمام عزام على الصور الفوتوغرافية التي التقطت في أول الأزمة السورية، لتكون مرجعه في تقديم الأعمال. وتم عرض بعض الصور التي اعتمد عليها في المعرض وبأحجام كبيرة وملونة. وقد تم التقاط هذه الصور التي شكلت الأساس للمعرض في حمص ودوما والقامشلي، ومناطق وأحياء أخرى في سورية. أما الذين التقطوا الصور، فهم مصورون محترفون ومنهم زينة رحيم، يزن الحمصي، ايهاب الجابي. وقد اعتمد عزام على هذه الصور لتكون بمثابة عينه التي تنقل الواقع، حيث أكد أنه لو رأى الدمار بالعين المجردة، لكان قدمه بطريقة مختلفة، مشددا على أن العلاقة المباشرة مع المكان التي هو محور العمل لها وقعها الخاص وتضيف الكثير للعمل.

هذا الدمار الذي جسد فعلياً عبر الحجارة والأتربة في المكان، صوره الفنان من خلال اللوحات التي جسد فيها حالة الخواء، فالأمكنة غير قابلة للسكن، لهذا يختصرها بالكثير من الدمار، ويغيب البشر الذين لا يحتاج عمل كهذا لوجودهم للتعبير عن بشاعة ما عاشوه، إذ يكفي النظر إلى هول الدمار المحيط، كي نتخيل من هربوا أو نجوا أو حتى من ماتوا تحت هذا الدمار. تغيب تفاصيل الحياة اليومية عن هذه الأماكن، فهي لم تعد ذات أهمية، وتسيطر مكانها الوحدة. ألوان هذه اللوحات تتجه إلى الرمادي قليلاً، وهذا يعود إلى كونها تشبه المدن التي نعيش فيها، فمدننا لا تحمل الكثير من الألوان، كما أنها تعبر عن حالة الحرب التي غالباً تترك المدن عالقة برائحتها وغبارها، مهما مر على انقضائها.

عمل عزام، من خلال المعرض الذي يستمر حتى الثالث من مارس على الحاضر، فنجده يصور ما يؤرق كل سوري اليوم، علماً أنه اعتمد على صور التقطت للخراب والدمار في سورية منذ بداية الأزمة، وليس صوراً حديثة. ولكن الدمار يتشابه في كل مكان وزمان، كذلك الجندي الذي صوره في لوحة وحيدة في المعرض، والذي أكد أنه ليس من سورية. ولفت إلى أنه لو كان رأى الخراب وجهاً لوجه، لكان بنى علاقة مباشرة مع المكان والقصة، لكن هذا لا يلغي فيض المشاعر الموجود في اللوحة.

وقال عزام، لـ«الإمارات اليوم»، إن «المعرض محاولة لإعادة صياغة أشياء مرئية، سواء في الحقيقة أو حتى الصور، فهو بمثابة حوار داخلي مع العمل حول كيفية بناء الشكل المدمر، فهو الحديث عن الحاضر المستمر، فمنذ خمس سنوات لا يوجد حديث عن المستقبل، وليست هناك فرصة لرؤية الأمل، فهو الطريق المغلق». ولفت إلى أنه لا يعود كثيراً إلى الذاكرة في تصوير الأماكن، إذ يرى القديم وهماً، والمعرض لا يحمل نوستالجيا وحنيناً، بقدر ما يعبر عن الواقع المرير، لأن عتبة الحزن مرتفعة أمام الحنين، وهناك صدمة نتيجة ما يحدث، موضحاً أن الهدف هو بناء عمل فني. وشدد على أن حالة الدمار تتشابه من مكان إلى آخر، وهو نفسه يمتد من دولة لأخرى، لهذا لا أرى فيه أي اختلاف، سواء قدم عن سورية أو عن أي مكان حول العالم. وأشار إلى أن الفن يصنع وهماً أحياناً، وهذا ما جسده الدرج، ففعلياً نحن لسنا موجودين في المكان المحاط بالدمار، وهذا نوع من الترف الاضافي، ويطرح مجموعة من الأسئلة، وبالتالي نطرح أسئلة كأننا في المكان الحقيقي.

وعن الصيغة اللونية التي اعتمدها في اللوحات، قال عزام «إن تجسيد الدمار فنياً ولونياً بحاجة إلى تقنيات خاصة، خصوصاً أن المشروع متعب نفسياً وفنياً، فلم أشعر بالفرح بمعرضي، ولم أشعر بالحماسة لهذا الافتتاح، المشروع استغرق ثلاث سنوات، واستغرق الوقت الكافي لدرجة أنني لا أريد أن أراه، فهذا المشروع تحديداً لا أتمنى العودة إليه، فنفسياً خرج من داخلي، ولم تعد لدي عاطفة تجاهه، بل أشعر بالحياد الفظيع، وتخلصت من إنجازه». وأشار الى أن الخراب الموجود فيه قد يجعل الناس يشعرون بكونه يلمسهم، نظراً لحالة الخراب الموجودة بداخلنا جميعا. انتقل عزام للعيش في دبي منذ بداية الأحداث في سورية، ويقول عن انتقاله: لا أشعر بالغربة بشكل تام، والوجود في دبي أثر في فني بالطبع، فكنت أعمل على المواد التي أجمعها من محيطي وهذا تبدل. وأضاف: لكن الابتعاد عن المكان يوجد حافزاً من نوع آخر، كما أن تأثير البعد عن المكان يظهر من خلال شكل آخر.

تويتر