عُرض 28 مرّة وفاز بجائزة جلجامش في البحرين وشارك في «دبا الحصن» الأول

«أعراس آمنة» عمل منحاز للمقاومة وثقافة الحياة

صورة

«من يستطيع النوم؟ ومتى؟ وكيف»؟ وسيل من الأسئلة الأخرى التي انهمرت مثل زخات المطر على (آمنة) الغزاوية الفلسطينية، التي انتظرت زوجها 20 عاماً. إنها 20 سنة من الانتظار والحيرة، هل مات (جمال)؟ وهل كانت تلك الجثة المشوهة والمتفحمة جثته؟ أم جثة شهيد آخر؟ وما أكثر النساء اللاتي قالت كل واحدة منهن عن تلك الجثة إنها تعود لزوجها، ومن بينهن (آمنة)، على الرغم من أنها لا تصدق أنه قتل واستشهد، والشهداء أحياء، لكنها تريده حياً هنا والآن.

مع بداية عرض «أعراس آمنة» تظهر (آمنة) من بين الجمهور، وتمشي باتجاه خشبة المسرح، ومع كل بضع خطوات ترمي على الجمهور قطعة من القماش الأبيض، لعلها كانت ترمي بالقضية الفلسطينية على الجمهور كي يتحمل مسؤوليته بهذا الشأن، وعلى الجمهور العربي عموماً، أو هو تعبير عن الكفن. وفجأة يعود (جمال) بعد غياب 20 عاماً في المعتقلات الصهيونية، لقد تمكن من الهرب من تلك المعتقلات ليعود إلى صفوف المقاومة.

تمتد الأحداث التي يتناولها العرض من الانتفاضة الفلسطينية الأولى عام 1988 إلى العدوان الصهيوني على غزة عام 2008 - 2009، حيث يلتقي جمال، الذي اعتقله الكيان الصهيوني نحو 20 عاماً، بزوجته (آمنة) التي تمثل شخصية المرأة الفلسطينية المناضلة بمختلف مراحل وأشكال ومستويات النضال، القادرة على أن تزغرد رغم الدم والألم، لأنها لا تريد أن يفرح المحتل باغتيال الفلسطينيين، فاليوم ستزغرد مثل كل أم شهيد، وغداً عندما يتحرر الوطن سيكون هناك متسع من الوقت للحزن والبكاء على الشهداء الذين قضوا عبر مسيرة النضال الطويلة، «لكننا لن نسمح للمحتل بالفرح بموتنا واغتيال أبنائنا».

العرض عموماً ينتصر للحق والشهادة والألم والحرية، وبأن هذه الأرض لنا، ولا يمكن لها أن تتسع لنا ولهم، هم أعداء ويجب طردهم من كامل الأرض، فهذه الأرض «إما لنا أو لنا». هكذا كان يتحدث (جمال) و(آمنة). ويؤكد العرض ضرورة الوقوف مع المقاومة، فهي الطريق الذي يقود إلى الحرية ودحر المحتل.

جاء العرض جميلاً وواقعياً، وحمل رسائل عدة، حيث نجح الممثلان في إيصالها، خصوصاً أن الإضاءة والسينوغرافيا أسهما في تلك المهمة. وجاءت المسرحية نتيجة طبيعية لجهود فريق عمل مشترك، بدءاً بالنص والإعداد والإخراج والتمثيل وبقية العناصر الأخرى، خصوصاً أن أداء الممثلين كان متميزاً، حيث غاصا في دواخل الإنسان الفلسطيني المقاوم، سواء في المقاومة المسلحة أو في صنع الحياة، وتضمن العرض حوارات ثنائية وفردية ومشاهد وتعدّداً في شخصيات الممثلَين، فكان هناك (جمال)، ومن ثم الممثل نفسه أدى دور الممرض والطبيب والوالدة وابن أخت آمنة، وتنقل الممثلان من شخصية إلى أخرى بخفة وحيوية ومن دون رتابة أو ثقل أو إخلال بالمشهد العام، حتى اللهجة المحلية التي استخدمت في بعض المواقف والحوارات كانت خفيفة الظل وواضحة، خصوصاً أنها في كل مرة كانت تأتي بعد حوار ما باللغة الفصيحة.

عندما عاد (جمال) بعد ذلك الغياب القسري، حاولا استحضار تلك الأيام والمواقف والحواجز التي منعت من إتمام لقائهما وزواجهما لفترة طويلة، والحوارات والمقولات على شاكلة «يعذبني أنني كنت أحس دائماً أن الحياة ستكون قصيرة معك»، و«الحرية هي الشيء الوحيد الذي يجعلك تشبه نفسك»، وعندما استحضرت غسان كنفاني وخاطبته: «كل الجميلين يثيرون شهية الموت، وغسان من هؤلاء، الموت يحس بوجودهم ما إن يولدوا، لذلك يحاول الانقضاض عليهم منذ البداية، والدموع ليست هي الحزن، الحزن هو أن تستطيع أن تمنع نفسك من أن تبكي أمام أحد من أجل هذا الأحد»، كانت تلزمنا قلوب أكبر كي تتسع لكل هذا الأسى، وكل تلك التفاصيل المؤلمة، وبالنتيجة يكون القرار بأن المقاومة هي الكفيلة بالتحرير.

الندوة التطبيقية

تلا عرض «أعراس آمنة» ندوة تطبيقية قدمها وأدارها القاص والناقد، نواف يونس، الذي أشار إلى أن المسرح الثنائي من أصعب ألوان العمل المسرحي، وفيه الكثير من الإشكاليات والتحديات، خصوصاً على مستوى العرض لصعوبته، ولا يقتحم هذا المجال إلا قلة من المخرجين، ومن بين ما يميز القائمين عليه والمشتركين فيه توافر قدرات تمثيلية احترافية عالية.

وقال: «إن إيقاع العرض لم يختلف طوال العمل، ولفت إلى أن الممثلَين نجحا كثيراً في إيصال رؤية المخرج ورسالته، وعلى الرغم من أنها رسالة مؤدلجة، ما أضاف صعوبات ما إلى العمل، إلا أنهما نجحا تماماً، وتكامل أداء فريق العمل من المخرج والممثلين والإضاءة والسينوغرافيا عموماً، وتعدد الشخصيات التي أداها الممثلان وتعدد الأمكنة، فظهرت الشخصيات بشكل بسيط وممتع جداً وجمالي.

وأشار إلى أن الهدوء في الأداء والبعد عن الصخب والصوت العالي والعنف، كانت من الميزات الإيجابية العديدة التي ميزت هذا العمل الذي حصل على جائزة جلجامش في البحرين العام الماضي.

ومن جانبه، أشار الناقد، رسمي محاسنة، إلى أنه يكفي العمل طرحُه للقضية الفلسطينية التي غابت عن المشهد الإعلامي «بسبب بركات الربيع العربي»، حيث كانت تحل في الإعلام كخبر رقم 10، هذا إن حضرت. وقال: «ما يهمنا في هذا العمل أن فلسطين كانت حاضرة».

وأشاد عدد كبير من الحضور بالعمل، وبأنه عمل ممتع وجميل، واقترح أحد الحضور أن تنبثق عن المهرجان مسابقة، نظراً إلى حجم الإبداع الذي ظهر في الأعمال المسرحية التي عرضت.

من جانبه، قال مخرج العمل، الدكتور يحيى البشتاوي، إن هذا العمل يستند إلى رواية إبراهيم نصرالله «أعراس آمنة»، ولفت إلى أن هذا العرض هو رقم 28، وفي كل مرة هناك من يؤيد ويرحب، وهناك من ينتقد أو يبدي ملاحظات ما، وهذا أمر طبيعي، وأشار إلى أن فريق العمل محترف، ويمتلك خبرات جيدة تستحق التقدير، وهي محل ثقة. ولفت إلى أن الخطوط المتوازية، في الإضاءة التي كانت بين (آمنة) و(جمال)، هي إشارة إلى أنهما لا يلتقيان، وعندما كانت تظهر تقاطعات في الخطوط المضاءة، كانت تلك خطوط المقاومة، بمعنى أنهما يلتقيان من خلال المقاومة.

تويتر