ابتعدت عن تقليدية الحكاية وأعادت سؤال اللهجات المحلية

مسرحية «أمر» المغربية تحكي ثنائية القبح والجمال

صورة

انتشرت الصور في مختلف أرجاء خشبة المسرح في مركز دبا الحصن الثقافي الذي شهد أول من أمس، ثاني عروض مهرجان دبا الحصن للمسرح الثنائي، مسرحية «أمرالمغربية، لفرقة المحترف للفنون، من تأليف أحمد سبياع، وإخراج خالد الجنيبي، وكانت تلك الصور بما تحمله من مواقف وذكريات وتسجيل للحظات مرت في حياة زوجين، مدخلاً مهماً لصراعات وحوارات وخلافات وجدل لا ينتهي بينهما، فهو بأنفه الضخم، وهي بأنفها الطويل، يقضيان الوقت فقط في المنزل ولا طاقة لهما على الخروج منه خوفاً من الآخر الذي يبني مواقفه وآراءه في الجمال والقبح، وفقاً لتصوراتهما، على الشكل الخارجي والمظهر الخارجي للإنسان.

هنا، هذه الصورة تذكرهم بذلك الموقف، وتلك الصورة لها قصة أخرى، وهذه الصورة لشقيقه، وتلك لشقيقتها، وهكذا، مع كل صورة موقفان، أحدهما مع والآخر ضد، هما لا يتفقان على شيء، في الواقع والماضي والمستقبل، كل خطوة أو حركة أو سكون تشهد صراعاً وحواراً وجدلاً وخلافاً واختلافاً بينهما، لكنهما تزوجا، هو بأنفه الضخم وهي بأنفها الطويل. والصراع والجدل مستمر بلا توقف.

«أمر»، تحكي عما يمكن أن يحدث لو التقى رجل لديه أنف ضخم مع امرأة أنفها طويل، وتزوجا، ويستذكر الزوجان تلك الظروف التي التقيا فيها، حيث لم تكن شاعرية أو رومانسية، بلا كلمات حب وعشق، وبلا ياسمين وورود. حينها وقبل الزواج لا يجد الرجل ما يقوله للمرأة، وهي بالتالي لا تجد ما يمكن أو يستحق الاستماع، لكنها تلك الوردة الحمراء، التي سرعان ما يجدها فيقطفها ويقدمها لها، وبدورها تقبلها، مع ابتسامة بسيطة ومصطنعة، حيث لم تجد حركة أخرى أنسب.

يفتح الستار على المرأة والرجل وقد تزوجا فعلاً، وهي نهاية سعيدة بالنسبة لقصة حب عادية، لكنها بداية لقصة زوجين غريبين. فيقول: لأن أنفي طويل لا أريد الخروج من المنزل، وهي كذلك.

فكرة العمل دائرية، لا يتوافر فيها حكاية، هي فكرة استند إليها مؤلف العمل لإيصال خطابه، حيث طرح ثنائية القبح والجمال، وهي فكرة يختبئ خلفها الكثير من الأفكار، هنا الشكل الخارجي للإنسان مشكلة تمنعه من التواصل مع الآخرين، وتعزله، فمن خلال الشكل الخارجي للإنسان تتحرك كل ملامح ومحطات حياته وعلاقاته، هكذا كانا، لا يستطيعان الخروج من المنزل بسبب الشكل الخارجي، فالحياة في الخارج لا تقبلهما ولا تتقبلهما وهما خائفان من المواجهة، وبالتالي يكتفيان بالعيش داخل المنزل بلا خروج منه وبلا أصدقاء وبلا علاقات، فقط هي الذكريات والصور وسيل من الأسئلة وخلافات وصراعات في كل التفاصيل.

هدايا عدة وصلتهما، ليس مهماً حتى الآن معرفة المرسل، لكنها في العموم كما يوحي العمل من مصادر مجهولة، ويرفضانها ويختلفان عليها وعلى ما فيها، وفي إحدى المرات يتلقى الزوج هدية هي عبارة عن مرآة، وكذلك الزوجة، هي صدمة كبرى، لا يستطيع أي منهما النظر في المرآة ويرفضانها بشدة، وتستمر هذه اللعبة الدائرية، وتحين لحطة كشف المستور، فها هو الزوج يستلم رسالة مملوءة بكلمات الغزل والجمال، ويبالغ في ذلك أثناء قراءته الرسالة، لكن الزوجة لا تصدق كل ما سمعته، فهي من كتبت له الرسالة، وتعرف ما كتبت، وبالنتيجة يعترف الزوجان بأنهما كانا مصدر الهدايا والرسائل، ما يؤشر إلى رغبة مشتركة تتمثل في أهمية الخروج من المنزل والتفاعل والتعايش مع الآخرين، وتحدي ذلك الخوف أو الوهم، وجاءت المعالجة حاملة بعض السخرية الممزوجة بتساؤلات عدة.

تبع العرض ندوة تطبيقية أدارها وقدمها أحمد لعزيزي، وشارك فيها مؤلف المسرحية، أحمد سبياع، وأشار لعزيزي إلى أن هذا العمل هو من إبداعات جيل الشباب الذي شمر عن ساعديه من أجل المسرح، ولفت إلى أن مؤلف العمل أحمد سبياع يشتغل في عالم الكتابة للمسرح منذ عقد من الزمان، برصيد تجاوز 20 عملاً، والمخرج خالد الجنيبي الذي أخرج 10 أعمال في غضون 10 سنوات، هو ايضاً من جيل الشباب.

وأوضح لعزيزي أن نص «أمر» هو عبارة عن لعبة تتكرر خيوطها في شكل دائري بين الرجل والمرأة، لافتاً إلى أن الحكاية بمعناها التقليدي غائبة في النص، بمعنى أنه لا يوجد في النص حكاية بالمعنى التقليدي للحكاية، فالنص في المسرحية هو جملة من المواقف والأفكار والصراعات يمر بها الزوجان وتطال مختلف جوانب حياتهما، مشيراً إلى أن التركيز في العمل كان على مصيرهما، والمصير هو العنصر الفاعل في الحكاية.

وأوضح لعزيزي أن اللغة التي استخدمت في العمل هي خليط من المحلية المغربية وبعض العربية الفصيحة، بالإضافة إلى الفرنسية والإسبانية بطابع محلي مغربي، لافتاً إلى أن العمل تضمن لغة الجسد.

من جانبه، أشار الناقد رسمي محاسنة، وأيده آخرون، إلى أن هذا العمل يطرح تساؤلاً مهماً على كل المسرحيين العرب: إلى متى ستبقى اللهجة المحلية عائقاً أمام الجمهور، وتحجب الرؤيا بين المتلقي وخشبة المسرح، وتحجب جماليات كثيرة، لافتاً إلى رمزية رفض المرآة من قبل الزوجين، «فما زلنا جميعاً كعرب نهرب من مواجهة أنفسنا».

فيما اعتبر آخرون، ومن بينهم أستاذ المسرح، محمد سيد أحمد، أن اللهجة ليست عائقاً، (مع أنها في هذا العمل مثلاً أفقدتنا فهم بعض المواقف والنكت)، مشيراً إلى أننا من خلال اللهجة نستطيع أن نعرف بعضنا بعضا أكثر، لافتاً إلى أن المرأة في العمل كانت إيجابية جداً وقادرة على التفوق على الرجل، بمعنى كان هناك تجاوز للنظرة التقليدية للمرأة ودورها.

وبدوره، أكد مؤلف العمل، أحمد سبياع، أن النقد هو تعبير عن مدى محبة وتقدير العمل والقائمين عليه، مشيراً إلى «أننا نحاول نحن الشباب الاجتهاد في عالم المسرح، ونقدر عالياً كل من يقدم لنا الرأي والمشورة والنصيحة والمعرفة والمعلومة التي تسهم في الارتقاء بالعمل».

تويتر