تختتم مسيرة 400 كيلومتر اليوم بالتزامن مع تولي حمدان بن محمد ولاية عهد دبي

رحلة الهجن الاستكشافية.. معاصرون على خطى الأجداد

صورة

17 رحّالة يطوون اليوم غمار رحلة استكشافية على متون الهجن، امتدت إلى مسافة 400 كيلومتر لمدة 10 أيام متواصلة، على خطى الأجداد، لكن بتوقيت معاصر هذه المرة، سالكين المسار نفسه الذي كانت تتبعه قوافلهم، مروراً بإمارات الدولة المختلفة، وصولاً إلى دبي، لتستقر في قلب القرية التراثية بالقرية العالمية، مساء اليوم، بالتزامن مع ذكرى تولي سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولاية عهد دبي.

الرحلة التي عايشتها في إحدى محطاتها «الإمارات اليوم» لم تكن كما قد يتداعى إلى الأذهان، رحلة يخرج فيها المشاركون بها عن المألوف، بمنحى ترفيهي بحت، بل جاءت لتستدعي في ذاكرة المشاركين بها، من خلال معايشة يومية، بعض المصاعب التي كان يجدها الآباء والأجداد، في حلهم وترحالهم، عبر بيئة صحراوية قاسية، سعياً وراء كسب قوت اليوم، سواء بأغراض التجارة والرعي، أو الترحال المستمر الذي كان أحد ثوابت الثقافة الصحراوية، لأسباب معظمها اقتصادية.

أحمد القاسمي: رونق خاص

على الرغم من تفضيله الرحلات الفردية، إلا أن قائد رحلة الهجن الاستكشافية، الرحّالة أحمد القاسمي، أكد أن للرحلات الجماعية، على مشقاتها، رونقها ومتعتها الخاصة.

وتابع: «أنا معتاد بشكل أكبر على الرحلات الفردية، التي أبقى فيها سيد قراري من حيث مواصلة المسير، أو الاستراحة، وخلاف ذلك من التفاصيل، والتزامي بمجموعة كبيرة من أعضاء الرحلة يجعلنا نفكر بشكل آخر، لا يتوقف فيه الأمر فقط على معيارنا الأساسي كرحالة، وهو قطع المسافة المطلوبة في أقل زمن ممكن».

وأضاف: «على الرغم من ذلك، فإن هذه الرحلة التي تضم أعضاء من فرنسا والهند وسلطنة عمان والسودان والسعودية، إضافة إلى الأعضاء الإماراتيين، بدت في غاية التشويق، وتمكن المنتمون إليها من استيعاب جوانب متعددة من ثقافة الصحراء، وفنون الترحال، في أجواء غلب عليها الإيثار والتعاون، لاسيما أن الرحلة ضمت عدداً من السيدات للمرة الأولى».


إبراهيم عبدالرحيم: صحراؤنا آمنة

أشاد مدير الفعاليات في مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، إبراهيم عبدالرحيم، بقدرة أعضاء رحلة الهجن الاستكشافية الثانية التي ينظمها المركز على تحمل مشاق الرحلة، وشغفهم باكتساب المعلومات الصحيحة والموثقة في ما يتعلق بكل موقع من المواقع التي سلكتها الرحلة. وبسؤاله عن مدى غياب أو حضور أحد الهواجس التي كانت تسيطر على المرتحلين عبر الصحراء سابقاً، وهو هاجس الأمان، قال إن «بلادنا - بفضل الله - آمنة، ونحن في مسيرتنا الطويلة، سواء في هذه الرحلة، أو رحلة العام الماضي، لم يكن لدينا أي هاجس يتعلق بهذا الشأن». وأضاف: «ما حرصنا عليه في مستهل الرحلة هو التأكد من معايير السلامة الذاتية، من خلال دورة لأساسيات التعامل مع الجمال، لاسيما أن الرحلة شملت أعضاء يمتطون الجمال للمرة الأولى، وبعضهم من السيدات اللائي أثبتن قدرة في هذا المجال مع مرور الوقت».

ورصدت «الإمارات اليوم» جانباً من تفاصيل الرحلة، عند اتجاهها إلى منطقة العشوش، بالقرب من منطقة الفقع، على طريق دبي - العين، إذ خيّم فريق الرحالة الذي يشرف على تنظيمه مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، من أجل التقاط الأنفاس، قبيل مواصلة الرحلة إلى الهدف المطلوب.

ولم يكن الطريق إلى «العشوش» يسيراً بالنسبة للقادمين من المدينة، لمتابعة خط سير الرحلة، إذ تعرض العديد من سيارات الدفع الرباعي للوقوع في فخاخ «عراقيب الصحراء»، وبدت الهجن وحدها، بحق، هي القادرة على قهر قسوة تلك التضاريس الوعرة، بشرط توافر الخبرة بخصوصية دروبها، وهو ما تحقق بالفعل لفريق رحلة الهجن الاستكشافية، الذين قادهم الرحّالة المعروف أحمد القاسمي، ورافقتهم خبرات حقيقية واعية بتفاصيل المكان.

ولم تخل رحلة الهجن الاستكشافية من الفطرة الإماراتية المرحبة دوماً بالآخر، ليشكل فريق الرحالة أنموذجاً مصغراً يحاكي تنوع المجتمع المحلي الدولة، وانفتاحه واستيعابه أبناء مختلف الثقافات، حتى في ما يتعلق بأحد جوانب خصوصيته، إذ ضم الفريق، إضافة إلى جمعه بين الجنسين، إلى جانب مشاركين من الإمارات، أعضاء من سلطنة عمان وفرنسا والهند والسودان واليمن.

استدعاء مظاهر البداوة، بكل تجلياتها البسيطة، يعد أحد ملامح الرحلة التي تبرز فيها أيضاً القيمة المعرفية والاستكشافية بجغرافية المواقع التي تسلكها القافلة، فضلاً عن العودة إلى نمط الحياة اليسيرة، غير المعقدة، التي يبقى فيها الجميع في انسجام مع آلية نظام الفريق الواحد، سواء في ما يتعلق بمواعيد بدء المسير، والتوقع، وتناول الطعام، وغيرها، أو ما يتخلل ذلك من أنشطة ترفيهية متنوعة.

وحافظ القائمون على الرحلة على النسق الذي بدأت من خلاله، على مدار الأيام الـ10، إذ يبدأ المسير يومياً في تمام الساعة السابعة والنصف حتى الساعة الثانية عشرة والنصف ظهراً، ثم اللجوء إلى استراحة لساعتين، لتستأنف الرحلة بعدها حتى المغيب، وصولاً إلى موقع المخيم المحدد سلفاً.

سياق مشابه

ويشرف على الرحلة على الصعيد الإداري، مدير إدارة الفعاليات في مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، إبراهيم عبدالرحيم، الذي يرى أن الرحلة بمثابة فرصة مهمة لنشر العديد من جوانب الموروث المحلي في إطار رحلة عملية متكاملة، تضع المشاركين فيها في سياق مشابه لما كان يحياه الأجداد، قبل مرحلة حقبة اكتشاف النفط في المنطقة.

ورأى عبدالرحيم أن وجود العنصر النسائي في هذه الرحلة التي يحافظ على إقامتها مركز حمدان بن محمد للعام الثاني على التوالي، يؤكد مدى الإحساس بالأمن والأمان، والطمأنينة، في رحلة تعد صعبة بالمقاييس الأولية، لكنها، بفضل الله، أضحت يسيرة، من خلال الإعداد المسبق لها بشكل دقيق، وتعاون المشاركين فيها، من أجل الوصول إلى الأهداف المطلوبة، وقطع المسافة في الوقت المحدد.

وأضاف «واقع الرحلة نجح بالفعل في نقل تجربة أجدادنا في السفر والترحال إلى مختلف الجنسيات المشاركة، فضلاً عن أبناء الإمارات الذين لم يعاصروا تلك الظروف من قبل، ليتعرفوا من خلال الرحلة إلى الصعوبات والتحديات التي كانت تواجه الأجداد، فضلاً عن الدراية الكاملة بما يمكن أن نطلق عليه ثقافة الصحراء من خلال تزويدهم بنقاشات ثرية عن النسق القيمي الذي صاحب رحلات الأجداد الشاقة في دروب الصحراء».

تفاصيل

حول تفاصيل الرحلة، قال قائدها الرحّالة أحمد القاسمي إن «الرحلة تطوي مسيرة 400 كيلومتر تقريباً في غضون 10 أيام متصلة، بمعدل 40 كيلومتراً يومياً، وهو أقل بـ10 كيلومترات عن ما تم إعلانه قبل انطلاقة الرحلة، مراعاة لعوامل كثيرة، في مقدمتها أن بعض أعضاء الرحلة لم تكن لديهم أدنى خبرة بركوب الهجن، وهو الحاجز النفسي الذي تم كسره تباعاً، إضافة إلى الدورة التدريبية التي سبقت الانطلاقة».

وأضاف القاسمي، الذي يمتلك خبرة طويلة في هذا المجال، أن «من النادر أن يشارك في رحلات جماعية على ظهور الهجن، بسبب صعوبة هذا النوع من الرحلات، بخلاف الرحلات الفردية التي اعتادها، ويبقى قرار مواصلة المسير من عدمه دائماً فردياً، وليس جماعياً».

وأعرب عن سعادته بالروح الإيجابية التي سادت جميع أعضاء الفريق، وشغفهم الكبير بالحصول على المعرفة، وتمتعهم بشغف الرحلة، وما يحيط بها من ملابسات، تجعل الجميع وكأنهم في رحلة عكس اتجاه الزمان والمكان.

وإضافة إلى القاسمي يقوم محمد بن تريم بمد أعضاء الرحلة بالعديد من المعلومات حول خصوصية الأماكن التي يترددون عليها، إذ يشغل بن تريم منصب باحث أول في الحياة البرية في مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، فضلاً عن كونه خبيراً في شؤون الترحال عبر الصحراء، لذلك تولى تقديم النصائح للمشاركين، مع تحديد خط سير الرحلة.

ومن موقعها كمديرة أحد المطاعم الحديثة بدبي، قررت الفرنسية شارلوت سالزين معايشة خصوصية البيئة الصحراوية الإماراتية عملياً، بمشاركتها في «الرحلة»، مضيفة «حينما علمت بأن المشاركة مفتوحة للجميع، لم أتردد في التواصل مع مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، وزاد إصراري على المشاركة حينما التقيت محمد بن تريم الذي قدم شرحاً مفصلاً عن الرحلة التي أتاحت لي ركوب الجمل للمرة الأولى في حياتي، لأتجاوز فشل جميع رحلات السفاري السابقة التي كانت يمنعني فيها خشية السقوط». وخلافاً للفرنسية شارلوت، قدم الهندي فيصل عبدالعزيز من خارج الدولة خصيصاً للمشاركة في هذا الحدث، وهو أيضاً ممن يمتطون ظهور الجمال للمرة الأولى، لذلك يشير إلى أن عملية كسر حاجز الخوف من التعامل مع الجمل كانت التجربة الصعب بالنسبة إليه. بينما يؤكد إبراهيم الجسمي (من أم القيوين) أنه بعد أيام قليلة من الرحلة أصبح كل مشارك يقوم بالاعتناء بجمله الخاص بشكل تام، سواء بالنسبة للمشاركين الإماراتيين والعرب، أو سواهم. وأضاف «أصبحت الفرنسية شارلوت، والهندي فيصل عبدالعزيز، وغيرهما، يقومون بأنفسهم بتركيب السُّرج، والتأكد من سلامتها، وتقديم الطعام إلى جمالهم، وتبييتها في المساء، في موقع آمن، كما أصبحت هناك علاقة حقيقية تربط كلاً منهم بجمالهم، وأتصور أن الساعة الأخيرة في الرحلة ستكون في غاية التأثير للطرفين».

تويتر