أشجار المدينة توفر «الواي فاي».. وشرطي المرور أصبح رجلاً آلياً

دبي.. أسطورة الصحراء والجوهرة الذكية

صورة

«أسطورة الصحراء والجوهرة الرقمية وسط الرمال».. هذا ما أضحت تعرف به دبي اليوم، بعد سنوات قضتها بعيداً عن الأعين والأنظار وسط الصحراء في طرف شبه الجزيرة العربية الشرقي، لتطوي بذلك صفحة من صفحات الماضي، وتفتح أخرى زاهرة مع اشراقة اتحاد دولة الإمارات عام 1971 لتنفض عن نفسها غبار السنين، ولتعلن عن بداية دوران توربين التنمية والتطوّر والرقي، ولتواصل عطاءها الحضاري الذي بدأته منذ الألف الثالث قبل الميلاد.

 لا حدود  للطموح

أكّد وسام لوتاه أن «طموح صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، لا يقف عند حدود، فبعد هذه الانجازات العالمية لم يقف متأملاً تلك الإنجازات التي تحققت، بل استدار وشمّر ليحقق إنجازات أخرى تحسب له، وبدأ يأمر المسؤولين لتطلق المدينة مساعيها لتصبح من أهم مراكز العالم للتكنولوجيا والفن والتصميم والأزياء، وهي المجالات التي ظلت تقليدياً خاضعة لهيمنة مدن قديمة خارج منطقة الخليج، وهو يعرف أن نجاح هذه الجهود مضمون لأن دبي معروفة بكونها مركزاً تجارياً ومصرفياً ومقصداً للتسوّق الفاخر، كما أن لدبي مقومات تجد المدن الأقدم صعوبة في توفيرها مثل الأمن وأسلوب الحياة العالمي وخطوط السفر الشاملة مع بقية العالم، وتنفق دبي مئات الملايين من الدولارات، وتستخدم أحدث التقنيات في جهودها عبر شركات شبه حكومية معتمدة الأسلوب نفسه الذي اتبعته بنجاح، لإعطاء دفعة للقطاعات الأخرى».


 من مدن المستقبل

 يقول السائح الألماني، ديفيد فريدريشس: إن «هذه زيارتي الأولى لمدينة دبي، وكم أنا سعيد بهذه الزيارة، لأني وجدت دبي مدينة تفوق الخيال، واعتبرها من مدن المستقبل التي يطمح العالم لبنائها مستقبلاً، لكنها سبقت العالم بخطوات كبيرة، فبمجرد أن تطأ قدمك أرض مطار دبي الدولي تجد كل حركة تقوم بها رقمية، وفي الطريق إلى الفندق تعرف أن سيارة الأجرة التي تستقلها ذكية».

 ويضيف: «عند خروجي إلى شوارع دبي، وجدت خدمة طلب المواصلات العامة رقمية، وزرت بعض أصدقائي ووجدتهم يقيمون في منازل رقمية، وعندما فكرت في السباحة ذهبت إلى شواطئ مدينة دبي، ووجدت نفسي وسط غابة من أشجار النخيل الذكية تعمل من خلال الطاقة الشمسية، من أجل تأمين الإنترنت المجاني لمرتادي المكان، ويمكنهم الجلوس تحت ظل تلك الأشجار الرقمية، وشحن هواتفهم الذكية والكمبيوترات مجاناً على مدار ساعات اليوم، وذلك في إطار خطة مدروسة بذكاء شديد لتحويل الإمارة إلى المدينة الذكية الأولى في العالم».

 ومع انطلاقتها المظفرة تبنّت مدينة دبي مسيرة رحلة العودة القوية للحاضر، متحصنة بالآمال التي عاشتها منذ شعرت بدفء الاتحاد، وعاشت حلم التطوّر والرقي، حتى غدت اليوم «أسطورة الصحراء والجوهرة الرقمية وسط الرمال».

وحينما قصد الرحالة الغربيون مدينة دبي في القرن الـ19، والنصف الأول من القرن الـ20، تحدثوا عن شظف العيش الذي كان منتشراً، ولكن لم يشر أي منهم إلى أن إنسان المنطقة يمكن أن ينجز شيئاً ليأتي الرد من أهلها.. فاليوم في وسط مدينة دبي يرتفع برج خليفة شامخاً (أعلى برج على وجه الكرة الأرضية)، الذي يعد أحد أهم معالم الجذب السياحي في العالم، وتم تصنيفه واحداً من أكبر ثلاثة مواقع التقاط السيلفي، أو ما يسمى بـ«الصور الذاتية في العالم»، حسب موقع «اتراكشن تكس» السياحي.

ولم يقف طموح صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، عند إنشاء برج خليفة، بل أراد أن تكون دبي أول مدينة ذكية ورقمية في الشرق الأوسط.

 مرحلة جديدة

 ويقول المدير التنفيذي لمؤسسة حكومة دبي الذكية، وسام لوتاه: «استكمالاً لاستراتيجية تحويل مدينة دبي إلى مدينة ذكية، أصدر صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، في شهر نوفمبر الماضي، عدداً من التشريعات والأطر القانونية المؤسسية، إيذاناً ببدء مرحلة جديدة من التطوّر النوعي في الإمارة، عنوانها التحوّل إلى المدينة الأذكى عالمياً، من خلال منظومة مؤسسية واضحة تشمل القطاعين الحكومي والخاص، تتابعها وتطوّرها فرق عمل متخصصة، لترسيخ مرجعية جديدة في التحوّل الذكي».

 ويضيف: «وبفضل الرؤية الثاقبة لسموّه تشهد مدينة دبي سباقاً في مجال الابتكار وذكاء التكنولوجيا الرقمي، إذ تشهد المدينة ثورة في تقديم أفضل الابتكارات المعتمدة على أحدث التطبيقات الذكية التي تساعد على تقديم أفضل الخدمات وأسرعها دون عناء.. فلقد أصبح شرطي المرور رجلاً آلياً، والتسوّق يتم عبر المول الذكي، وحتى الأشجار توفر خدمة (الواي فاي)، وسيارة الجمارك برمائية، إلى جانب السباق الذي يدور رحاه في المدينة بين دوائرها الحكومية لتقديم جميع خدماتها للعميل، من خلال جهاز الهاتف الذكي وهو جالس في منزله أو في مكتبه دون عناء الذهاب والانتظار في الطوابير، وغير ذلك».

ويشير لوتاه إلى أن «القيادة الملهمة والذكاء الحكومي يقودان دبي لتكون أول مدينة ذكية ورقمية في الشرق الأوسط، وهذه الثورة الرقمية الكبرى لم تأت من فراغ، ولم تكن محض مصادفة، بل هي إرادة قيادة جريئة تستشرف المستقبل وتريد أن تقوده»، لافتاً إلى أن «هذه القيادة تمثلت بصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، الذي ألهم شعبه وألهم المقيمين في دبي والإمارات، للعمل وفق مقولته الشهيرة (أن لا شيء مستحيلاً، وأن البقاء للأفضل، وأن المركز الأول للمجتهدين فقط)».

ويوضح أن «هذه المقولات الحكيمة كانت ولاتزال نهج عمل يومياً يقوم به سموّه على مدار الساعة، وفي كل مكان دون توقف أو كلل، حتى استطاع أن يجعله ثقافة يومية لشعبه والمقيمين في الإمارات عموماً»، مؤكّداً أن «(مؤسسة حكومة دبي الذكية) تعدّ مبادرة رائدة على صعيد المنطقة، تقوم على توفير وتقديم خدمات حكومية إلكترونية وذكية إبداعية لجميع فئات المجتمع.»

 ماضٍ وحاضر

 حتى منتصف القرن الماضي، لم يكن في دبي شبكة طرق، بل إن طرقها كانت عبارة عن ممرات ومدقات ترابية ضيقة لا تسمح بمرور السيارات، حيث استخدم الأهالي «العَبرة»، وهي عبارة عن قارب صغير يسير بالتجديف ينقل الناس من ضفة إلى أخرى للانتقال بين ضفتي الخور.

 وكانت الخطوة الثانية التي قرر المغفور له مؤسس دبي الحديثة، الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، (طيب الله ثراه)، اتخاذها هي إنشاء جسر يربط بين ديرة وبردبي، وبدأت الأشغال في بناء جسر آل مكتوم ذي الاتجاهين، وانتهى العمل في بناء أول جسر يربط بين ديرة وبردبي في عام 1962. وقام الشيخ راشد بافتتاحه في ذلك العام معلناً بداية مرحلة جديدة من الحياة في المدينة.

ومن أهم المعابر الموجودة حالياً على خور دبي «معبر الخليج التجاري» و«نفق الشندغة» و«جسر آل مكتوم» و«جسر القرهود» و«الجسر العائم».

 

وفي هذا الشأن يقول وسام لوتاه: «في الماضي كان أقصى طموح للمدينة هو الربط بين أحيائها بالطرق الترابية الضيقة، لكن الآن وتنفيذاً لرؤية وتوجيهات صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، سيتم الربط والتكامل بين الجهات الحكومية بسحابة ذكية، ومن هذا المنطلق أطلقت (مؤسسة حكومة دبي الذكية)، في أكتوبر الماضي، خلال مشاركتها في معرض جيتكس 2015 السحابة الذكية لحكومة دبي، تماشياً مع طبيعة المرحلة الحالية، التي تمر بها إمارة دبي للتحوّل نحو الحكومة الذكية، والوصول إلى المدينة الأذكى عالمياً».

 ويضيف: «ستقدم السحابة الذكية بنية تحتية ذكية مشتركة، تتيح لجميع الجهات الحكومية في إمارة دبي الوصول وبمنتهى السهولة إلى قائمة من موارد تقنية المعلومات التي تحتاجها تلك الجهات، ما يوفر عليها النفقات المالية، والجهد لبناء تلك الموارد بشكل منفرد، وتهدف هذه المنصّة إلى توفير بيئة تشغيل مرنة افتراضية تغني كل جهة حكومية عن امتلاك بنية تحتية لتقنية المعلومات على حدة».

تطبيق

 ويشير إلى أن «تطبيق (دبي الآن)، يعدّ المنصّة الموحّدة الأولى للخدمات الحكومية، من خلال الأجهزة الذكية التي تغني المتعاملين من الجمهور عن التنقل بين المواقع، لأن التطبيقات الحكومية الذكية تتيح لهم نافذة للوصول بعدد كبير من الخدمات الحكومية الذكية المختارة من 22 جهة حكومية مشتركة في التطبيق حتى الآن، من خلال مجموعة الباقات الخدماتية التي يحتويها، التي يصل عددها إلى 53 خدمة حتى الآن، بنيت على رغبات الجمهور، وجرى تجميعها ضمن باقات فرعية مصنّفة بدورها تحت 11 فئة».

 وأظهرت آخر الإحصاءات أن عدد مرات الدخول لتطبيق «دبي الآن» وصل إلى مليونين ونصف المليون مرة، وأن عدد المتعاملين الذين قاموا بتحميله من متجري «أبل» و«غوغل بلاي» بلغ نحو 66 ألف مسجل حتى الآن.

ومرّ تطوّر مدينة دبي بمراحل عدة، فبعد أن كانت قرية صغيرة على ساحل الخليج غدت مدينة مزدهرة وعالمية، ثم أصبحت أكبر مركز تجاري للاستيراد وإعادة التصدير في الشرق الأوسط، وهذا التطوّر انعكس على السكان، فبعد أن كان المجتمع تجارياً صغيراً أصبح المجتمع متعدّد المطالب، واخيراً مجتمعاً حديثاً سريع النمو ذا هوية عالمية متعدّدة الثقافات، تجمعها الأبراج وناطحات السحاب المميزة في الشرق الأوسط والعالم أجمع.

تويتر