«وشائج» الحرف واللون لمكي وتاج السر.. و«تحية ومحبة» بريشة الخاجة

بين «الندوة» و«العويس».. 96 لوحة تشكيلية تحتفي بـ «اليوم الوطني»

الأعمال التشكيلية المحتفية بـ«اليوم الوطني» وجدت اهتماماً ملحوظاً من الأوساط الثقافية في الدولة. تصوير: تشاندرا بالان

من يقطع بأن التشكيل فن نخبوي يحلق في خيالات بعيدة عن نبض المجتمع، وانشغالات شرائحه الأعظم، سيجد قناعاته معرضة لشك غير يسير، حينما يلمس هذا التفاعل الكبير مع أصحاب الريشة والألوان بأجواء الاحتفالات بـ«اليوم الوطني»، و«يوم الشهيد».

تناغم يواكب «الخصوصية»

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/11/401955.jpg

على الرغم من أنه لم يكن معرضا «شخصياً» لأحدهما، إلا أن الشخصية الفنية لكل من الفنانين: الإماراتية نجاة مكي، والسوداني تاج السر حسن، كانت حاضرة، وبقوة، في المعرض الفني الذي جمعهما بعنوان «وشائج»، ضمن برنامج مؤسسة العويس الثقافية، احتفاء بـ«اليوم الوطني».

المعرض الذي جاء ضمن أجندة وفعاليات ثقافية متنوعة، جاء ليناغم بين جماليات الحرف من جهة، ممثلاً في الإبداعات الحروفية لتاج السر، وجماليات التشكيل اللوني الثري عبر ريشة الفنانة نجاة مكي، ومع اختلاف الأدوات، ووحدة المحتوى الذي دار في فضاء نخبة مختارة من الأشعار التي أبدعت في حب الوطن، وتمجيد شهدائه ورموزه، نسج العمل أيضاً وحدته الفنية، محتفظاً بالسمات الفنية لكل المشاركين في صياغته الجمالية.

وحتى في غياب الدلالات المحيلة لهوية المعرض بشكل مباشر، لن يجد متذوق الأعمال صعوبة في الاستدلال على أن هنا رائحة ألوان مكي المرتشفة من خصوصية البيئة المحلية، وأن أسلوب تاج السر حسن هو المهيمن على حروف القصائد المزينة للأعمال التشكيلة، لأن جماعية الإبداع لتلك الأعمال التي صيغت خصيصاً احتفاء بـ«الاتحاد»، لم تُغيِّب البصمة الشخصية لمبدعيها، في إطار من التناغم الجمالي الجماعي.

 

وما بين ندوة الثقافة والعلوم، ومؤسسة العويس الثقافية، وهما اثنتان من أنشط المؤسسات الثقافية في دبي خصوصاً، والإمارات بصفة عامة، تمت استضافة 96 لوحة، من خلال مجموعتين رئيسيتين: أولهما استضافته «الندوة»، من خلال 40 عملاً للفنانة منى الخاجة، والأخرى 56 لوحة استضافتها العويس، من خلال مشروع فني مبتكر ومشترك بين الفنانة الدكتورة نجاة مكي، والفنان السوداني تاج السر حسن.

 

كلا العملين استقطبا احتفاءً ملحوظاً على مستوى المشاهدة، وحظيا بافتتاح يقترب من صيغة افتتاح المعارض الرسمية، سواء للقيمة الفنية للفنانين المشاركين، أو لأهمية المناسبة التي يحتفي بها المعرضان، على الرغم من أن افتتاح «تحية ومحبة» كان في سياق أسبوع حافل بالفعاليات المتنوعة، تباينت ما بين الندوات والورش الأكاديمية الأمسيات الشعرية والمحاضرات، وغيرها في المؤسسة الثقافية ذاتها، الأمر نفسه الذي صادفه معرض «وشائج»، الذي تم تنظيمه ضمن يوم حافل بالفعالية النقدية والأدبية أيضاً في مؤسسة العويس الثقافية.

ليس جديداً أن يحتفي التشكيليون بفرحة الوطن، خصوصاً في أجواء احتفالات «اليوم الوطني»، وما تثيره من أجواء تمزج بين مشاعر الفرحة من جهة، ومشاعر الانتماء للوطن من جهة أخرى، لكن الجامع الرئيس بين التجربتين، أن كلاً منهما يمثل مشروعاً فنياً عكف الفنان، في حالة «تحية ومحبة»، أو الفنانان في حالة «وشائج»، على إنجازه عبر مساحة زمنية غير قصيرة، فبعض أعمال الخاجة المعروضة تعود إلى ما قبل عام 2010، على أقل تقدير، ويساير بعضها حداثة زمنية تالية، في حين أن الأعمال التي جمعت بين تاج السر حسن ونجاة مكي استغرقت ما بين عام وعامين لإتمامها، رغم أن فكرة المشروع الفني المشترك الذي يكون «الوطن» هو ثيمته الكبرى، قد رافقتهما قبل ذلك.

وجود أعمال متنوعة تم إنجازها في فترات زمنية متباعدة، تقارب السبع سنوات في أعمال الخاجة، أفرزت تبايناً كذلك في أسلوب معالجتها وتطويعها الألون، فما بين انطباعية سادت الأعمال الأقدم، من خلال احتفاء صارخ بالألوان ودلالاتها وإيحاءاتها النفسية المبتهجة بالفرح، نجدها أكثر تجريدية في أعمال تعود إلى العامين الأخيرين، وهي معظم الأعمال التي ضمها «تحية ومحبة».

رغم ذلك، ظلت الخاجة وفيّة في لوحاتها إلى حالة الاحتفاء الشديد بالمورث المحلي، خصوصاً ما يرتبط منه بتفاصيل التراث العمراني، ومفرداته المتنوعة، فضلاً عن مفردات البيئة المحلية، سواء الصحراوية أو البحرية، كما كانت البيئة المحلية أيضاً حاضرة، من خلال الأزياء النسائية، ممثلة في الثياب التقليدية، وغيرها من التفاصيل التي تغوص بالأجواء النفسية في عبق الموروث، في ظل احتفاء لوني مبهر.

الحرف يتحد مع التشكيل احتفاءً بـ«اليوم الوطني»، و«يوم الشهيد»، عبر مشروع فني مبتكر، يجمع ما بين الخطاط تاج السر حسن، الذي سعى إلى تفجير الإمكانات الدلالية للحرف، في ظلال ومشهدية لونية صاغتها نجاة مكي، مستلهمين نخبة من الأشعار الوطنية التي اختاراها من بين نتاج شعري دار في بوتقة الشعر المحتفي بالوطن، والممجد لأبطاله ورموزه وقيمه، وهي أشعار معظمها يعود لكل من: سلطان بن علي العويس، وراشد شرار، وإبراهيم الهاشمي، وصالحة غابش، وعلي الخوار، وإبراهيم محمد إبراهيم، ومبارك العقيلي، وخالد البدور، وعوشة بنت خليفة السويدي، وغيرهم.

«الوشائج» تحيل معنوياً ومادياً، حسب الدكتورة نجاة مكي، في المعرض الذي ضم 56 عملاً مختلفاً، إلى تلك العلاقة الوثيقة بين الأجناس الإبداعية المختلفة، التي تحضر في هذا المعرض عبر تلاحم الشعر مع الحرف واللون، من أجل غرض واحد هو الاحتفاء بالوطن، وهي وشائج ملائمة لحالة الاحتفال بـ«الاتحاد»، الذي يبقى هو أصل الإنجاز، في الفن ، ممثلاً بنموذج نتاج المعرض، كما هو في الواقع، ممثلاً بواقع «الاتحاد»، وروحه، لذلك كان هناك حرص أن تكون هناك وحدة فنية أخرى، بمقاييس الفن التشكيلي هذه المرة، ممثلة في وحدة الأدوات المستخدمة، «قماش وإكريليك»، في مختلف الأعمال، فضلاً عن وحدة إطارها الهندسي المربع.

الثنائية الفنية التي جمعت نجاة مكي وتاج السر حسن، لم تغيب الشخصية الفنية لا يهمان على حساب الآخر، فالاحتفاء الشديد بالبيئة المحلية التي تعد أبرز سمات أعمال مكي، ظلت حاضرة بذات الزخم المعروف عنها، وهو أمر عضده أيضاً اختياراتها للألوان التي تحاكي عوالم تلك البيئات المتنوعة، ما بين الأزرق المحلي للبيئة البحرية والساحلية، والأصفر المستدعي لعوالم البيئة الصحراوية.

البراعة في توظيف امتدادات الأحرف المختلفة، خصوصاً في بدايات ونهايات الكلمات، وتوظيف ذلك في إطار جمالي، فضلاً عن التطويع الهندسي للفراغات والكتل، وتوزيع الكلمات وفق رؤى جمالية، سمات أيضاً حافظ عليها تاج السر في إبداعاته، التي سعى فيها لأن تكون الخيارات اللونية متوائمة دوماً مع المضمون الشعري المستعار، وهي مواءمة انسجمت معها أيضاً الفضاءات والظلال والخلفيات التي أبدعتها ريشة نجاة مكي.

تويتر