يتضمن سوقاً وعيادة بيطرية ووسائل صيد تقليدية وطيوراً محنطة

«متحف الصقـور» بدبي.. رحلة صيد في «مستطيل مكيف»

صورة

أدوات صيد تقليدية بأنواعها المختلفة، وأجواء محفزة لبدء مغامرة «القنص» بظروفه المختلفة، بل والتعرف عن قرب إلى أنواع الصقور المختلفة، التي طالما ارتبطت برحلات الأجداد والآباء لكسب قوت يومهم، خصوصاً لسكان البادية، لكن دون تكبد عناء الظروف الطبيعية القاسية، والأجواء غير المواتية، أو حتى أشعة الشمس الحارقة، لأننا باختصار في رحاب «متحف الصقور» بدبي.

إبحار

في الوقت الذي يتطلب فيه الإعداد لرحلة «قنص» إعداداً وترتيباً دقيقين، سواء من حيث تجهيز الأدوات المناسبة، أو اختيار الوقت الأجدى، فإن «متحف الصقور» بدبي، يوفر فرصة مشابهة، دون أن يكون مقتنصها، مضطراً لأن يلتزم بـ«مواسم» الصيد أو حتى جلب أدواته. ولا يحتاج زائر «متحف الصقور» إلا إلى توقيتات فتحه لأبوابه التي تمتد من الثامنة وحتى السادسة مساء، في حين يمتد وجود المرشدين السياحيين حتى الثانية مساء فقط، وهم الأشخاص المدربون لتحويل مقصد الزائر للمتحف، إلى ما يشبه رحلة «قنص» حقيقية، ولكن دون تكبد عناء ما يصادفه هواة هذا الموروث المحلي، وتجنيبهم العديد من العقبات التي تعترض المجاميع والأفراد في رحلات «القنص» البري.

فالزيارة تعد «إبحاراً»، باتجاه رحلة شيقة تتماس مع بعض مظاهر الموروث المحلي من جهة، وتنفتح أيضاً على الحاضر من جهة أخرى، من خلال استثمار دقة تشريح الطير، وتقديم الشرح العلمي لأشهر الأمراض التي تصادفه، وتؤثر في قدرته على القيام بمهام «القنص».

المتحف الذي يأخذ شكلاً مستطيلاً تقريباً، يبدو فيه البر بجمالياته بمثابة لوحة تشكيلية تحاكي طبيعته المتنوعة، يُعد أحد أهم المقاصد السياحية التقليدية التي تنبئ عن الوجه التراثي لدبي، هو إحدى المؤسسات المهمة التابعة لمركز الصقور والرياضات التراثية، المنضوية تحت مظلة إدارة التراث العمراني ببلدية دبي، ما يعني أنه مقصد سياحي مرشح دائماً لأن يكون ضمن دائرة، ليس فقط رواده من المواطنين والمقيمين، بل من زائري الإمارة أيضاً، الذين يتعرفون من خلاله إلى الكثير من أسرار «القنص»، وفق خصوصية الموروث المحلي.

ويتكامل مع المتحف في الموقع ذاته الكائن بمنطقة ند الشبا، بالقرب من مضمار وفندق «الميدان»، بدبي، مرفقان آخران رئيسان هما «السوق»، و«العيادة البيطرية»، وفي حين أن الأول يهتم عارضوه وتجاره بتوفير أدوات الصيد التي يحتاج إليها عشاق هذا المجال، الذي تحول إلى هواية الآن، وتواصل مع الموروث المحلي، بعد أن كان وسيلة رئيسة لكسب القوت، إلى جانب الصيد والغوص بالنسبة لأهل الساحل.

ويحتوي المتحف على 18 طيراً تم الاحتفاظ بهيئتها كاملة عن طريق التحنيط، لتضفي مزيداً من أجواء المعايشة للزائر، الذي يصبح بمقدوره تأمل سمات كل صقر على حدة، بنحو ربما يفوق إمكانية تدقيقه، في الصقر الحي، في حين تم توزيع المعلومات المدققة على أرجاء المتحف، حيث تنتشر لوحات تحوي سمات أنواع أشهر سلالات الصقور المنتشرة في الإمارات.

وتتضمن المعلومات أيضاً بالإضافة إلى سمات السلالات المختلفة، تفاصيل دقيقة عن حياة الصقور، وأشهر مواسم الصيد، وأدواته، سواء التقليدية منها والحديثة، التي يحتفظ المتحف بنماذج منها، بما فيها جهاز التتبع، فضلاً عن نماذج لأوكار الصقور، و«البرقع» حسب اصطلاحه المتداول بين هواة «القنص»، الذي يقوم مالك الصقر باستخدامه لتغطية رأس الصقر، حينما يعمد لإراحته، وغيرها من الأدوات.

ويلفت انتباه الزائر وجود سيارة كلاسيكية من الطراز القديم، تتوسط المتحف، وهي سيارة «لاند روفر»، مهداة للمتحف من قبل سمو الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي وزير المالية، مخصصة للقنص، وهي سيارة سموه الشخصية التي كان يستخدمها للقنص لسنوات طويلة.

 

«البر» لوحة تشكيلية

«البر» لوحة تشكيلية عملاقة.. هكذا يبدو الأمر في متحف الصقور، الذي يتكامل فيه المشهد، بين صقور محنطة، وعوالمها، من خلال رسوم جمالية وأيضاً توضيحية، وكأن الزائر أمام عمل تشكيلي تتكامل فيه الصقور المحنطة، مع عوالمها المرسومة بعناية، فضلاً عن نماذج من معدات الصيد.

العنصر الآخر للمشهد المحاكي لواقع رحلة القنص يحضر أيضاً، ولكن من خلال شاشة عرض تستوعبها قاعة مخصصة، تستقبل نحو 100 شخص ليتعايشوا مع حكاية «القنص» بالصقور، بطرائقها المحلية، وتفاصيلها المروية، فإذا كانت الصقور بالأساس هي أهم عنصر في رحلة الصيد، فإنها أيضاً تبقى الهدف، أو «الطريدة» المراد الإيقاع بها، وهو ما يبرز في قسم الحبارى، خصوصاً الصقر «الوحشي»، الذي يمكن أن يقع في شباك القناص الماهر، إذا ما كان خبيراً بأنجع وسائل اصطياده، عن طريق طريدته الأكثر إيثاراً لديه وهي «الحبارى».

 

الحبارى.. المراوغ

للحبارى تفاصيل كثيرة ترتبط بـ«القنص»، كما يروي المرشد السياحي الأول بإدارة التراث العمراني ببلدية دبي، خالد الظاهري، الذي يشير إلى أنه أصعب الطرائد التي يمكن أن يسعى لاصطيادها الصقور الماهرة، نظراً لسرعتها، وقدرتها على المراوغة، واتباعها تكتيكاً خاصاً للهروب، يعتمد على مفاجأتها الصقر في تغيير اتجاهاتها بسرعة وخفة فائقتين، فضلاً عن أنها تعمد إلى الهروب في اتجاه رأسي تتعامد عليه أشعة الشمس، ما يصعب من مهمة إبصارها بدقة، وتحديدها كهدف أثناء مطاردة الصقر لها.

ويضيف: «نسعى لأن نوفر المعلومة الصحيحة مصحوبة بشواهدها للزائر، ليس في ما يتعلق بالصقور فقط، بل أيضاً ما يرتبط بها من تفاصيل، وغالباً ما نلاحظ تحمساً وتطلعاً لاستجلاء تلك الحقائق».

ويتابع: «من المعلومات الشائعة المغلوطة على سبيل المثال، ما يرتبط منها بأوكار الصقور، فالصقور البرية لا تبني عششها، كسائر الطيور، بل تسعى إلى أن تتخذ من الأوكار والعشش التي هجرها طيور أخرى، مستقراً لها، وربما اكتفت بمجرد فتحة ما تصلح لأن تكون مبيتاً لها، وموقعاً تضع فيه بيضها، الذي يتراوح عادة بين بيضتين إلى خمس، إذ يبدأ موسم التكاثر من أكتوبر، ويمتد حتى فبراير من كل عام».

 

الحمام.. الأسهل

طير الحمام، هو الأيسر اصطياداً بالنسبة للصقر، حسب الظاهري، الذي يشير إلى أن المتحف احتفى ببعض مظاهر الحياة البدوية، باعتبارها البيئة الأكثر اهتماماً بتربية الصقور، لافتاً إلى أن دورة حياة الصقر تفرض مواقيت معينة لمواسم الصيد، حيث لا ينبغي الدفع بالصقر في صيد خلال تبديل الريش، وما يصاحبها من مظاهر، لا يكون فيها الطير بكامل لياقته وقدرته على اللحاق بالطريدة.

ويلفت الظاهري إلى أن أقسام المتحف المختلفة الذي يتولى إدارته زميله محسن المهري، ابتداء من قسم الصقور المحنطة، إلى قسم أدوات الصيد، فضلاً عن القسم العلاجي بفرعيه الشعبي والحديث، والوسائل التوضيحية للصيد، وتشريح جسم الصقر، والقسم المخصص لوسائل الصيد التقليدية، جميعها تتداخل وتتكامل، بحيث تبقى رحلة الزائر لمتحف الصقور بمثابة إبحار حقيقي في رحلة «قنص» حية في البر بواسطة «الصقور».

وجدد الظاهري الدعوة إلى طلبة المدارس والجامعات لأجل تنظيم زيارات خاصة بالمتحف، مشيراً إلى أن مختلف المؤسسات التعليمية التي قصدت موقعه بالفعل، حظيت بترحيب وبرامج شيقة أشرف على إنجازها أسرة «متحف الصقور».

تويتر