أكّد أنه يحترم جمهوره.. ويقدم ما يستحق أن يخلّد في ذاكرته

عبادي الجوهـــر: الساحة مملوءة بـ «أغانٍ تُشاهـد ولا تُسمع»

صورة

صاحب مسيرة طويلة مع الطرب، وإحساس يجمع ما بين رقة أوتار العود وأصالة نغمات «التخت الشرقي»، مازال يتمسك بإيقاعات الزمن الجميل رغم «الضجيج» الصاخب في الساحة والأغاني التي «تُشاهد ولا تُسمع»، ويرفض أشكال الهبوط الفني.. إنه المطرب والملحن السعودي عبادي الجوهر، الذي أكد أنه يحترم جمهوره، ولذا يصرّ على تقديم ما يليق بأذن المستمع العربي، وما يستحق أن يخلد في ذاكرته؛ كاشفاً في حواره مع «الإمارات اليوم» عن أنه يضع اللمسات الأخيرة على ألبوم غنائي جديد شارف على إنهائه، وهو عبارة عن جلسات طربية تعتمد العود وإيقاعات فنية حاول من خلالها العودة إلى هذا اللون الفني الجميل، بعد فترة انقطاع طويلة.

أحب الألقاب

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/07/8ae6c6c54e486ff2014ea7515d555d0fee%20(1).jpg

مع أنه محب للعود إلى درجة العشق، ويمتلك كل هذا الشغف تجاه هذه الآلة الموسيقية العريقة، إلا أن عبادي الجوهر لا يفضل لقب «أخطبوط العود»، هذا اللقب الذي أطلقه عليه الراحل طلال مداح، بل يفضل «أبوسارة» اللقب الأقرب إلى قلبه، على حد تعبيره، رغم أن بقية الألقاب الأخرى تعبر عن محبة الناس تماماً كلقب «سفير الحزن» الذي أطلقه عليه الأمير الشاعر عبدالرحمن بن مساعد.

في حب الإمارات

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/07/8ae6c6c54e486ff2014ea7515d555d0fee%20(2).jpg

أعرب الفنان السعودي عبادي الجوهر عن سعادته بالمشاركة، للمرة الأولى، في برنامج «أمير الشعراء» على مسرح شاطئ الراحة بأبوظبي، التي قدم فيها أوبريتاً غنائياً مع الفنان حسين الجسمي، مستذكراً علاقته القديمة والوطيدة بالإمارات منذ عام 1974: «أحرص دائماً على زيارة هذا البلد الجميل ولدي العديد من الأًصدقاء والأحبة الذين أزورهم بعيداً عن أجواء الحفلات والمشاركات الفنية، وسبق لي أن قدمت العديد من الأغاني وتعاونت مع العديد من الشعراء، كما قدمت أغنيتين من كلمات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وأتمنى أن يكون هناك تعاون فني بيني وبين مبدعي الإمارات في المستقبل».

وحمّل الجوهر مسؤولية ما وصلت إليه الساحة الفنية إلى قنوات فضائية تغض النظر عن اعتبارات كثيرة، إذ «أصبحت لدينا أغانٍ تشاهد ولا تسمع، أغانٍ مسفة وخالية من المحتوى، ولو كان لدينا قنوات فضائية تهتم بالمضامين الراقية لما شاهدنا هذا المد المتعالي لأشكال الهبوط».

واستدرك المطرب السعودي «لا أقصد التعميم هنا، لأن لدينا أسماء فنية تحافظ على اختياراتها؛ وتتعامل بحرص مع ذائقة الجمهور، وأعتقد أن الموضوع بيد وزارات الإعلام العربية، وبيد القنوات والمحطات التلفزيونية المتخصصة وبموضوع الرقابة على المصنفات الفنية بالتأكيد». ورأى أن العالم العربي يمتلك رصيداً من الفنانين الحقيقيين، والمواهب الصاعدة الجميلة التي لا تحتاج إلى المسابقات الغنائية وبرامج التصويت.

هوية شرقية

وفي الوقت الذي تطرح فيه الحداثة ألوانها على الساحة الفنية، يخشى عبادي الجوهر دخول التكنولوجيا على خط الموسيقى العربية، ويستبقي بعض الخوف على مستقبل الأغنية قائلاً بلهجة لا تخلو من الحرص: «لست ضد التطور والحداثة في الموسيقى والفن عموماً، ولكن لا استغناء برأيي عن آلات التخت الشرقي كالعود والناي والقانون؛ فالتجديد وارد ومستحب إن لم يمس بالمرتكزات، ويحافظ على هويتنا الفنية العربية، ولا يمكن أن ننكر اليوم قيمة التكنولوجيا التي ساعدتنا فعلياً كثيراً في مجال التسجيلات الفنية، ولكن تبقى قيمتها في حدود مساهمتها في تطوير أغنيتنا العربية دون إلغاء هويتها الشرقية».

ويروي الجوهر حكاياته مع الجوائز والتكريمات، وبشيء من الفرح يتحدث عن تكريمه من قبل السلطان قابوس بن سعيد، وسعادته بوسام العلوم والفنون الذي ناله في مهرجان العود، وتشرفه بالتكريم الذي خصته به وزارة الإعلام والثقافة السعودية في اليوم الوطني، مروراً بمهرجان الإسكندرية الدولي للأغنية العربية، ودرجة الدكتوراه الفخرية التي نالها من أكاديمية الفنون بالقاهرة، إلى جانب كل من الفنانين عبدالله الرويشد وحسين الجسمي. ويصف هذا التكريم قائلاً: «لهذا التكريم وقع كبير في نفسي بعد مسيرة فنية طويلة تقارب 45 عاماً، خصوصاً أنه صادر عن أكاديمية فنية عربية منحت آخر شهاداتها الفخرية لموسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب في عام 1975، وهذا ما يدفعني اليوم للمزيد من العمل والاستمرار في هذا المجال، ويعطيني الدافع أنا وزملائي المكرمين لمواصلة طريق النجاح، وتقديم أعمال فنية جديدة تليق بمستوى المستمع العربي، وتستحق أن تخلد في ذاكرته».

مع وردة

ويستذكر «أبو سارة» ظروف لقائه الأخير مع الفنانة الراحلة وردة الجزائرية أثناء تقديم أغنية «زمن ما هو زماني»، الذي يعتبر أول ديتو غنائي يسجله الجوهر مع الفنانة الراحلة بعد صداقة بدأت منذ سبعينات القرن الماضي، وتزامنت مع أيام الراحل بليغ حمدي. وقال الفنان السعودي: «عُرض عليّ نصّ هذه الأغنية الذي تمت كتابته خصيصاً للفنانة وردة، فطلبت رأيها ولحسن الحظ رحبت بالفكرة الجديدة، وكان اللقاء في القاهرة التي احتضنت جلساتنا الفنية المطولة وتفاصيل التنسيق الخاصة بتسجيل الأغنية، وذلك على الرغم من معاناتها في الفترة الأخيرة من بعض المشكلات الصحية». ويضيف: «استمتعت برفقة الراحلة أثناء البروفات وأثناء تسجيل العمل في الاستديو وخلال فترة تصوير الأغنية، وكان الوقوف إلى جانب هذه القامة الفنية التي ستظل راسخة في قلوبنا ومسامعنا شرفاً كبيراً، وعلامة مميزة في مسيرتي الفنية، رغم أنني كنت أتمنى أن يجمعني هذا الدويتو الاستثنائي بالجمهور وبالفنانة على خشبة المسرح؛ لكن إرادة الله سبقت هذا الحلم».

وفي سياق حديثه عن ذكريات «وردة»، يكشف عبادي الجوهرعن بعض كواليس «زمن ماهو زماني»: «كشفت لي هذه الأغنية ليس فقط عن الجوانب الفنية المتميزة التي يعلمها كثيرون عن وردة، وإنما عن جوانب إنسانية جميلة في شخصية وردة وطيبتها ورحابة صدرها؛ إذ كانت رحمها الله تسأل عني باستمرار في الاستوديو في كل مرة كنت أغيب فيها لبعض الوقت، وتطلب مني الوجود باستمرار معها، كما كانت مستمعة متمهلة في حكمها وشديدة الثقة بآرائي الفنية، وتستشيرني باستمرار عند الحاجة إلى إعادة التسجيل، وتهتم بمعرفة مواطن الخلل، وتعتبرني (الوحيد الذي يقول لها إحساسه دون مجاملة)».

 

حكايات العود

ما حكايات الجوهر مع «العود»، وهل صحيح أن لدى الفنان أكثر من 50 عوداً فنياً؟ سؤال أجاب عنه الفنان السعودي بالنفي والابتسام، مؤكداً أن المسألة لا علاقة لها بالعدد، وإنما بالنوعية التي يركز على اختيارها، كلما تعلق الأمر بهذه الآلة التي يمتلك منها 36 قطعة، لكل قطعة منها حكاية تتحدث عن حبه للعود وهواية جمع القطع النفيسة منه، على حد تعبيره، إذ يقول: «لدي أربعة أعواد أحب العزف عليها، لكنني أعترف بأنني أحب اقتناء أي آلة عود جميلة تحمل ذكرى معينة أو قيمة فنية وإنسانية خاصة، كعود الموسيقار محمد القصبجي المصنوع في عام 1911، الذي اقتنيته منذ ثمانينات القرن الماضي، وعزفت عليه أغنية واحدة فحسب، وعود الفنان السعودي الكبير طلال مداح، رحمه الله، الذي نلت شرف الاحتفاظ به».

وعن مجموعة الألحان التي قدمها لزملائه الفنانين، ومنها تحديداً أغنيته الشهيرة «قد الحروف» التي كان من المفترض أن تقدمها نجاة الصغيرة، لكن أسباباً كثيرة جعلتها تستقر عند الفنانة أصالة التي وصف الفنان أداءها بالاحترافي، متمنياً أن يجمعهما تعاون مستقبلي، نافياً فكرة تقديم ألحان جاهزة؛ أضاف الجوهر: «لست ملحناً (متخصصاً) وأعترف بأنني اعتذرت عن تقديم ألحاني لأصوات لم تقنعني، وأعتبر أنني لحنت لأصدقائي الذين تربطني بهم قناعة فنية، وعلاقة مودة واحترام كتعاوني مع أصالة والراحل طلال مداح، وتعاوني الأخير مع الفنانة التونسية منيرة حمدي».

وحول تعاونه مع المطربة المصرية آمال ماهر، التي اختارها لدويتو من كلمات الراحل حسين السيد، يقول: «لو لم تكن آمال هي الاسم المطروح للغناء لما كنت قدمت هذا الدويتو من الأساس، وأنا سعيد للغاية لتقديم هذه الأغنية الطربية التي نالت استحسان الكثيرين»، واصفاً آمال ماهر بالموهبة الفنية الاستثنائية، وصوت «أكبر من الألحان» التي تقدم لها في الوقت الحالي: «آمال ماهر فنانة ينتظرها مستقبل زاهر وجمهور متعطش إلى الأعمال الطربية التي تخلد مسيرة الفنان بعيداً عن الشهرة السريعة».

سفير الحزن

لا تنتهي حكايات عبادي الجوهر مع الحزن؛ بداية من وفاة والدته إلى وفاة زوجته وشقيقه عبدالرحمن، وصولاً إلى صديقه الذي رحل أخيراً، وذكر الفنان بطعم الألم والفراق الذي يصفه، قائلاً: «الموت سنّة الحياة ولكل إنسان مساحات حزن خاصة، وربما كان هذا الألم أحياناً دافعاً للإبداع إذا أطلق الإنسان العنان للأحزان الدفينة داخله. ومررت بفترات صعبة في حياتي قررت فيها الاعتزال، لكن محبة الجمهور أعادتني إلى الفن من جديد، ولا أنكر شعوري بأهمية الرجوع إلى جمهور قدم لي النجاح ووهبني الحب والتقدير».

لا يتوقف حزن الجوهر عند الموت وألم الفقد، بل يتعداه إلى شجن أكبر على حال الأغنية العربية التي لا يلوم فيها أنصاف الفنانين، على حد تعبيره، بل يحمّل المسؤولية للقنوات الفضائية التي تغض النظر عن اعتبارات كثيرة، في تقديم هذه المواهب.

بعيداً عن «الهواة»

«الإمارات اليوم» سألت عبادي الجوهر عن أسباب ابتعاده عن برامج المسابقات الغنائية المخصصة للهواة، رغم أنها باتت تسجل مشاركة أسماء فنية كبيرة، فقال: «أحمل تحفظاً دائماً على هذه النوعية من البرامج التجارية التي لا تهتم بتقديم المطربين والأعمال الفنية الحقيقية، ومازلت أسأل نفسي عن الهدف من وراء إطلاقها.. في الوقت الذي أرفض فيه أن أكون مجرد ديكور إضافي لأصحابها، وفي غياب الدعم الفني الحقيقي للمواهب بعد عرض هذه البرامج والتأطير الفني الذي يستوجبه طرحهم على الساحة الفنية بشكل يبرز مواهبهم، بعيداً عن تصويت الجمهور الذي تدخل فيه اعتبارات الجنسية على خط الموهبة الحقيقية.. أقول دائماً إن الفنان الحقيقي والأصوات الواعدة التي يمتلكها الوطن العربي عموماً ليست بحاجة إلى هذه البرامج التي لا تصنع فنانين حقيقيين».

استراحة روحانية

ويرى الجوهر أن شهر رمضان تحديداً ليس شهراً للفن والغناء، وإنما للعبادة والتواصل مع الأهل والأقارب والأصحاب بعد قضاء عام كامل في السفر والتنقل من بلد إلى بلد: «أعتبر الشهر الفضيل استراحة روحانية، وفترة هدوء وسكينة بعد أشهر من العمل المتواصل والتنقل والارتباطات الفنية والانسانية، وسأكون على العهد من جديد مع جمهوري لتقديم الجديد، إذ سأعمل بعد العيد على تصوير أغنية جديدة في قطر، كما لدي فكرة حفل غنائي في سلطنة عمان، بالإضافة إلى اللمسات الأخيرة للألبوم الغنائي الجديد الذي شارفت على إنهائه».

تويتر