واحد من أعمال كثيرة تتبنى الفكرة كمشروع وطني

«القياضة».. تــــوثيق التراث أولـويـــة للمنتــج الإماراتـي

صورة

سؤال جوهري يفرض نفسه لدى متابعي الجزء الثاني من مسلسل القياضة، وهو: أيهما أولى لدى أسرة العمل، إبراز المحتوى الدرامي أم التوثيق لمظاهر الحياة الاجتماعية السائدة في منطقة دبا الفجيرة، وما ارتبط بها من ظاهرة «القياضة»، التي كان يتم فيها رواج تجاري ومقايضة للسلع أثناء استراحة الوفود المتنقلة، التي كانت تستجير بتلك المنطقة من ارتفاع درجة الحرارة وقوة أشعة الشمس.

مزيج الخبرة والشباب

يمزج «القياضة» في جزئه الثاني بين عناصر الخبرة من جهة، وعناصر الشباب من جهة أخرى، حيث أتيحت الفرصة للعديد من العناصر الشابة للمشاركة في العمل.

ويضم العمل، الذي يخرجه سلوم حداد، في طاقمه التمثيلي كلاً من عبير احمد، جمعة علي، فاطمة الحوسني، حسن رجب، عبدالله الباروني، بلال عبدالله، بدرية أحمد، ميثم بدر، أمل محمد، مروان عبدالله صالح، رانيا العلي، عبدالله مسعود، جمال السميطي، حمد حميدي، خالد البناي، شوق الفهد، صوغة، إبراهيم سالم، آلاء شاكر، حميد فارس وعبدالله سعيد بن حيدر.. وغيرهم.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/07/334582.JPG


الضنحاني: أولوية درامية

وصف منتج مسلسل القياضة وكاتبه، الشاعر محمد سعيد الضنحاني، الأعمال التراثية بـ«الأولوية الدرامية»، مضيفاً: «يجب أن تكون هذه الأولوية حاضرة، ليس مرحلياً فقط في الإنتاج المحلي الإماراتي أو في ما يتعلق بشركة إنتاج بعينها، بل بالشكل العام، وبعيداً عن فكرة «المواسم»، وهذا اللون تحديداً ما جعل لـ«القياضة» تميزاً هذا العام في باقة الدراما المحلية الرمضانية.

وتابع: «لدينا محاور وتفاصيل ثرية لم يتم الاقتراب منها، فضلاً عن استيعابها، والدراما المحلية تمتلك الأدوات القادرة على الذهاب بعيداً في هذا الاتجاه، بشرط أن يمثل ذلك مشروعاً متكاملاً، وليس مجرد طفرة موسمية أو وقتية، وهو ما نحرص عليه في شركة «أرى الإمارات»، من خلال مشروع متكامل للتوثيق التاريخي الدقيق للفجيرة، من خلال أعمال درامية راقية».

وأشار الضنحاني إلى أن العمل الدرامي عموماً لا يمكن أن يتجه إلى الكمال الفني، لافتاً إلى أنه يمتلك الكثير من الملاحظات النقدية عن مجمل المعروض الدرامي، بما في ذلك الجزء الثاني من مسلسل القياضة نفسه، وهي قراءات لا تنتقص من جودة الأعمال المقدمة، بقدر ما تسعى إلى حفز التطوير والتجويد المستمرين.

ومع اهتمام شركات الإنتاج المحلية بالأعمال التراثية، في الفترة الأخيرة، ومنها «ريح الشمال» الذي قدمته شركة جرناس، المملوكة للفنان أحمد الجسمي، على قناة «سما دبي»، عبر مواسم رمضانية عدة، وإنتاج شركة «ظبيان»، المملوكة للفنان سلطان النيادي، مسلسل «دروب المطايا»، وغيره، فضلاً عن عرض مسلسل «حبة رمل» العام الماضي على شاشة تلفزيون أبوظبي، فإن المسلسل الذي يعرض على قناة «سما دبي» يومياً خلال شهر رمضان الجاري، وأنتجته شركة «أرى الإمارات» المملوكة لمدير الديوان الأميري في الفجيرة، محمد سعيد الضنحاني، يحمل هذا العام لواء حضور المسلسلات التي تسعى إلى توثيق مظاهر الحياة الاجتماعية في المنطقة، خلال فترة ما قبل ظهور النفط.

وتؤشر استطلاعات المشاهدة المتواترة في المواسم الرمضانية المختلفة إلى أن هناك حرصاً من المشاهد المحلي على متابعة هذه النوعية من الأعمال، وهو القاسم المشترك على ما يبدو بين حرص شبكة قنوات دبي، ممثلة في شاشة «سما دبي»، على وجود عمل، على الأقل يمثل هذه النوعية من الأعمال، واتجاه شركة «أرى الإمارات» لاستيعاب الدراما التراثية بشكل أوسع، وهو ما تجلى في إنتاج جزأين، لمسلسل القياضة، فضلاً عن أعمال عديدة أخرى، منها «الغافة» وغيره.

ومن خلال الحلقات الـ13 الأولى للعمل، فإن المسلسل المستمد من قصة وأشعار محمد سعيد الضنحاني، وإخراج سلوم حداد، ويشارك فيه عدد كبير من الممثلين الإماراتيين والكويتيين بصفة خاصة، اتكأ على بيئة مفتوحة من خلال قرية تراثية تحاكي أجواء الستينات، مستكملاً الغوص في المكان ذاته، الذي شكل مساحة مكانية للجزء الأول، في حين دار عنصر الزمن دورة محسوبة، باتجاه نهايات الستينات.

البناء على شواهد حقيقية في منطقة البدية التراثية، بكل ما تحيل إليه من عبق الماضي، كان العنصر المحوري الأول الذي اتكأ عليه العمل، في حين كان الاستقصاء الدقيق لواقع المنطقة، ضلعاً رئيساً أيضاً يتواءم مع الاتجاه التوثيقي، وعلى الرغم من المحتوى الدرامي الثري للعمل من خلال المواءمة بين ملامح الدراما التراثية البحتة، والدراما الاجتماعية الرومانسية، إلا أن هاجس توثيق النمط الاجتماعي السائد، ظل الأبرز، من خلال العناية والتدقيق الشديدين، ليس في مفردات المكان والأزياء والإكسسوارات وملابس الشخصيات، بل أيضاً من خلال الألفاظ والتراكيب واهتمامات الناس، وأولوياتهم، وغير ذلك من عناصر العمل.

وعلى الرغم من أن مخرج العمل سلوم حداد كان قد صرح أثناء التصوير لـ«الإمارات اليوم» بأنه لن يكون هناك جزء ثالث من المسلسل، إلا أن مصادر داخل شركة «أرى الإمارات» المنتجة للعمل صرحت بأنه قد يتم الإعداد لجزء ثالث يتم عرضه الموسم المقبل.

وفنياً استثمر «القياضة» في جزئه الثاني عنصر التأقلم الذي ساد بين المخرج السوري سلوم حداد وسائر عناصر العمل، كما انعكست فيه أيضاً الخبرة التي كوّنها حداد عن طبيعة هذه النوعية من الأعمال، لاسيما أن جزأه الأول كان بمثابة تجربته الفنية الأولى.

ملامح الأدوار وطبيعتها أتاحت للعديد من الممثلين حضوراً فنياً مميزاً، خصوصاً الفنان جمعة علي، الذي يمثل العمل بالنسبة له تحولاً فنياً مهما، وتأكيداً على أن هذا الممثل الشاب قادر على تنويع أدائه، ولا يمكن حصره في الأدوار الكوميدية التي سعت بعض الاختيارات والترشيحات الأخيرة إلى حصره فيها.

وعلى الرغم من أن هناك ممثلين في العمل عرفوا باشتراكهم في العديد من الأعمال التراثية، إلا أن طبيعة الأدوار التي رشحوا لها كسرت نمطية إطلالتهم في أعمال مشابهة، ومنهم الفنانة فاطمة الحوسني التي تقدم أداء درامياً متميزاً في هذا الجزء، وكذلك مروان عبدالله وعبدالحميد البلوشي وأمل محمد.

ومع ندرة إطلالته الدرامية، تأتي إطلالة الفنان حسن رجب، بمثابة تنويع مهم لحضوره التلفزيوني، فرجب الذي ارتبط عطاؤه الفني بالمسرح، وحضوره التلفزيوني أميل إلى الكوميديا، لم يكن أسير الخط الأول للشخصية التي بدأها الفنان سيف الغانم في الجزء الأول، وتمكن من خلال خبرته، سواء التمثيلية أو الإخراجية، من إرسال رسالة إلى المشاهد بأن تغيير الممثل في ما يتعلق بدوره لم يكن تغييراً محدود التأثير، بسبب البصمة التمثيلية التي صاحبت أداءه، إن جاز التعبير.

من جانبه، يرى منتج العمل وكاتبه، محمد سعيد الضنحاني، أن «فريق العمل اشتغل على التفاصيل الدقيقة، مضموناً وصورة، لتقديم عمل يرتقي إلى أن يكون وثيقة حية عن الإمارات وشعبها منذ ستينات القرن الفائت، وقد لاحقنا تفاصيل تاريخية وتراثية تتعلق بنبض الحياة الإماراتية في تلك الفترة، بوصفها من صلب الدراما والمحرك الرئيس لها والسجل الحقيقي لتاريخ أي مرحلة زمنية في الآن ذاته».

يذكر أن حكاية الجزء الأول من مسلسل «القياضة» قامت على قصة حب تجمع سليمان ابن دبا الفجيرة بالصبية عليا، التي تأتي مع عائلتها أثناء فترة الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة، إلى مدينة دبا الفجيرة، وما يواجهه هذا الحب من معوقات تعكر صفوه، وفي الجزء الثاني من العمل، تمتد خطوط الحكاية نحو مسارب درامية جديدة، تشكل امتدادا لأحداث الجزء الأول من المسلسل، ومنها ما ينفتح على أحداث جديدة وشخصيات جديدة، ويدخل الجزء الثاني فضاءات درامية جديدة تمتد إلى أعالي الجبال في منطقة دبا الفجيرة.

تويتر