مُشتغلاً على السريّ بين البصري والشعري

علي العامري يجلو «مراياه العميقة» بالحنّاء

صورة

افتتح في غاليري «رؤى» بالعاصمة الأردنية عمان، أخيراً، المعرض الشخصي الأول للشاعر والتشكيلي علي العامري، تحت عنوان «مرايا عميقة»، واشتمل على 35 لوحة على قماش وورق، استخدم فيها ألوان الأكريليك والأحبار والحناء، وذهبت جميعها في اتجاه فن «البورتريه»، وتحديداً وجه المرأة.

سيرة لونية

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/05/317942.JPG

علي العامري شاعر وفنان تشكيلي ولد في قرية وقّاص المحاذية لنهر الأردن، في الأول من أبريل 1962، وعاش طفولته في قرية مجاورة هي القليعات في الأغوار الشمالية (وادي الأردن). ومن أرض طفولته يشاهد جبال فلسطين، بعدما تم تهجير أهله من بيسان عام 1948، إثر الاحتلال الإسرائيلي.

درس الابتدائية والإعدادية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا».

وشارك في عدد من المعارض الجماعية، في الإمارات والكويت ومصر والولايات المتحدة الأميركية. كما شارك في ملتقيات للفن التشكيلي، منها ملتقى باتراس التشكيلي في اليونان، وهو مدير ملتقى دبي التشكيلي الدولي منذ عام 2013.

ترجمت قصائد له إلى اللغات الإنجليزية والألمانية والإيطالية والفرنسية والإسبانية.

المعرض الذي افتتحته الأميرة عالية الطباع، وسط حضور واسع لمثقفين وتشكيليين وزوّار ومهتمين، شهد أيضاً على هامشه ندوة حوارية حول المعرض، نظمها الـ«غاليري» الخميس الماضي، شارك فيها الشاعر يوسف عبدالعزيز والفنان إسماعيل الرفاعي ومدير تحرير مجلة «دبي الثقافية» الكاتب نواف يونس، وأدارها الفنان التشكيلي غسان مفاضلة، ناقشت تجربة الفنان، وتطرقت إلى بداياته، والمراحل التي مرت بها تجربته في صعيديها الشعري والتشكيلي، وشارك فيها الحضور، وكان بارزاً ما قاله الشاعر يوسف عبدالعزيز في تجربة العامري

متكهناً بأن «ذهاب الفنّان والشاعر علي العامري، باتّجاه رسم وجه المرأة، هو محاولةٌ منه للقبض على أسرار الأنوثة الباذخة والمحتَجبة. ولأنّ الوجه هو مرآة للجسد والرّوح معاً، فقد هيّأ عليّ فرشاته لتصطاد ظلال تلك الفتنة المعرِّشة، الحائمة في سفوح تلك الأرض الخرافية، أرض المرأة».

وأضاف عبدالعزيز «بالكثير من الحَيرة والارتباك يدخل العامري تلك الأرض الممسوسة، وينتخب عدداً من الوجوه ليرسمها، علّها تكون كافية، ليلخّص من خلالها قارّة عظيمة اسمها قارّة النساء. ثمّة فوارق بين وجه وآخر، اختلافات في الخطوط والخَلَجات، في معرضه (مرايا عميقة) ولكنّ هناك ما يجمعها ويوحّد بينها، ويحيلُها إلى ينبوع الأنوثة الفائض المتعدّد». ويذهب عبدالعزيز إلى أن العامري «مثل طفل يتعثّر بما هو مدهش وغريب، ويشرع فرشاته ليقبض ولو على قبس ضئيل من ذلك النّور البعيد الذي يتلألأ، في غمرة بحثه المحموم عن معنى الأنوثة، يكتشف عليّ بمزيد من اللوعة، أنّه في الواقع لا يقف أمام وجه حقيقي، بقدر ما يقف أمام قناع! كلّ وجه وله قناعه إذن! ووراء ذلك القناع يكمن كلّ ذلك البهتان الجميل، غير أنّ الحيرة تتواصل، فهو ما إن يقشّر ذلك القناع حتى يجد قناعاً آخر يختبئ خلفه، قناع وراء قناع وراء قناع! والمعنى الذي يبحث عنه غائرٌ في تلافيف تلك الأقنعة، لكأنّ الخطوط والألوان تضلّله، وهو إذ يحاول الوصول إلى المعنى يصل إلى أرض السّراب، ولعلّ أرض السّراب تلك هي أرض الفنّ». ويضيف «في الوجوه التي يرسمها العامري، أو في هذه الأقنعة التي نقف أمامها، نجد باستمرار تلك العيون الواسعة التي تتأمّل العالم، لكأنّها تقرأ طوالعها، وتستقرئ ما ينتظرها من مفاجآت، ولكنّها في الوقت نفسه، تبدو كأنّها تتأمّل داخلها الهائج المحتدم، وهكذا فهي تنظر إلى ذلك الدّاخل، وتتفرّس ملكوتها المكنون، كأنها تحرسه من شرور الخارج، وأحابيله الماكرة».

ويصف عبدالعزيز اشتغال العامري في لوحاته بالقول «بخفّة يَدٍ يطيّر فرشاته في فضاء اللوحات، لتطال ارتجافات الأعماق والأحلام المخبوءة التي تهجس بها وجوه تلك النّساء، لقد سهر وشقي من أجل أن يقدّمهنّ إلى المشاهد على هذه الصّورة التي تبدو عفويّةً وبسيطة، كأنّهنّ لسن نساء لوحات وأساطير، بقدر ما هنّ نساء حقيقيّات من لحم ودم». ولأنّ الجمال يشيخ ويتهدّم، أضاف عبدالعزيز، فقد لجأ العامري إلى فكرة اللوحة المنحوتة، وهي تلك الفكرة التي أقنعت الفنّان القديم في أن يحوّل الإنسان إلى هيئة تمثال، لا تطاله يدُ الدّهر بأذى، وقد عبّر عن هذه الفكرة بدقّة، الشاعر الجاهلي (تميم بن مقبل) حين قال: «ما أطيب العيشَ لو أنّ الفتى حجرٌ .. تنبو الحوادثُ عنهُ وهو ملمومُ». لقد جسّد عليّ وجوه النّساء التي رسمها على هيئة منحوتات، ولكنها منحوتات لاتزال تتنفّس وتحلم وتواصل الحياة. من جهته، قال العامري «ركزت في معرضي الشخصي الأول (مرايا عميقة) على موضوع الوجه الإنساني، وتحديداً وجه المرأة، كونه نبعاً تعبيرياً متجدداً ولا ينضب، وارتبط ذلك بالفراسة التي عرفها العرب قديماً، أرى الوجه ترجمان الخفاء، من خلاله أحاول رصد الضوء المستتر والعتمة المتخفية في أطلس الأعماق الإنسانية». ويذهب الى تفسير ذلك بالقول «ربما يمكن تفسير شغفي بالمطارات بتأمل الوجوه المتعددة الأشكال والحالات أيضاً، إذ يعد المطار عتبة بين مكانين، وخطّاً بين مستويين أرضي وسماوي، يجمع وجوهاً من مختلف دول العالم». وحول التقنيات المستخدمة في أعماله الأخيرة قال العامري «استخدمت في لوحات المعرض، على قماش وورق مواد متعددة، من بينها ألوان أكريليك وأحبار وحنّاء. وكان التجريب في المادة والتقنية يشكل متعة على تماس مع الأفكار والتأملات، بحيث يذوب الوقت في مسامات القماش والورق»، مضيفاً أن اللوحة تبدو له كائناً حيّاً، يحاورها وتحاوره «إذ إنها تبدأ بخطوط ونقاط لونية غائمة، مثلما تبدأ القصيدة بسطر غائم في الأبجدية. وبين النصين البصري والشعري خيط سريّ، مثل عروق فضة في حجر واحد».

تويتر