شكّل خطّ الدفاع الأول عن جزيرة أبوظبي

برج المقطع.. حارس أمين على بوابة العاصمة

صورة

التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/04/5532210)%20(1).jpg

واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.


برج المقطع، أو بوابة أبوظبي ومركز حمايتها الأول، أمامه كانت القوافل تصطف انتظاراً للجزر وانحسار الماء حتى تتمكن من العبور إلى الجزيرة، ومنه كانت تنطلق إشارت التحذير والإنذار في حال الاشتباه باقتراب أي خطر يتهدد أبوظبي، وفيه كانت أول نقطة للجمارك والجوازات في المدينة، لكل هذا، يمثّل برج المقطع، مثل غيره من الأبراج والقلاع والحصون، علامة بارزة في تاريخ أبوظبي والإمارات تستحق التوقف عندها.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/04/5532210)%20(2).jpg

يقع برج المقطع وسط المنطقة الواقعة بين مدينة أبوظبي واليابسة، وتسمى بمنطقة المقطع. ويرجع ذكر هذه المنطقة إلى بداية القرن الـ20، وفق ما ذكر في بعض المصادر، من بينها كتاب «دليل الخليج الجغرافي» تأليف ج . ج. لوريمر، الذي يصف المكان بـ«المخاضة»، مشيراً إلى أنه يبعد عن داخل مدينة أبوظبي 10 أميال في اتجاه العين، وكان الناس يجتازون المقطع سيراً على الأقدام في أوقات انخفاض المد. وذكر الكتاب أن هناك قلعة مبنية على الضفة الرملية للخليج، وتتحكم في الممر المؤدي إلى البحر الرئيس.

بينما ذكر استطلاع لمجلة العربي عام 1961، أن في أبوظبي برجاً حجرياً في وسط الماء في مدخل الإمارة، وبني للدفاع عنها. وتم إنشاء جسر حجري بجواره لربط أبوظبي باليابسة طوله 200 متر، لتسير عليه الجمال والسيارات، وكان يقيم في البرج ثلاثة أشخاص، ينزل أحدهم ليمسك بزمام القافلة ليرشدها إلى المناطق الجافة بعيداً عن الوحل. وفي عام 1950؛ بني مخفر للشرطة.

والأرجح أن البرج كان موجوداً قبل عام 1908، وهناك آراء تذهب إلى تزامن بناء البرج مع بناء قصر الحصن، ورغم عدم وجود وثائق تدعم هذا الرأي، إلا أن عناصر البناء المستخدمة فيه تشير إلى أن طريقة بنائه تتشابه كلياً مع طريقة بناء الحصن بأبوظبي، وذلك من استعمال حجارة الجرف الصخري القريب له المتخذ شكل قطع مستطيلة صغيرة (صلايف)، وطريقة صف وربط هذه الحجارة بمادة الجص تتشابه في كلا البنائين، بحسب ما يذكر الباحث والكاتب ناصر العبودي في كتابه «ترميم برج المقطع بأبوظبي».

كما أن الشكل العام للبرج يتشابه مع البرج الشمالي لحصن أبوظبي والبرج الذي يقع في يسار مقر سكن حكام أبوظبي من حيث الشكل، إلا أن برج الحصن أكبر وأوسع قاعدة. ويتشابه أيضاً مع برج «الجبس» الذي يشكل جزءاً من حصن القواسم بالشارقة، وذلك لدفن الطابق الأرضي بالحجارة لبرج المقطع وبالرمال لبرج القواسم، بسبب توافر وقرب المواد الخام (الحجارة). هذه الافتراضات ترجح أن البرج ربما أنشئ في زمن إنشاء حصن أبوظبي، أو ربما بعده، بالنظر إلى طريقة بنائه بالاعتماد على مواد البناء وهندسته المتشابهة ومقارنته مع مبانٍ تاريخية أخرى بدولة الإمارات.

قلاع وأبراج

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/04/5532210)%20(4).jpg

تميزت الحصون في الإمارات بأنها بنيت بأيد محلية، واعتمدت على الحجر الرملي والمرجان والأحجار البحرية في المناطق الساحلية، في حين استخدم حجر الكلس والجص والطين في المناطق البرية، وفي المناطق الجبلية استخدمت الحجارة لبناء الأبراج والجدران، أما في الواحات فقد بنيت الحصون من الحجر المصنوع من الطين والقش.

وتتشابه المباني العسكرية القديمة في عمارتها وتصميمها، فالقلعة أو الحصن، غالباً ما تكون بناء له أسوار عالية وجدران قوية، وبه أبراج دائرية أو مربعة، وفي أركانها فتحات علوية تسمح بإدخال البنادق، وتتكون أحياناً من طابقين، وتحتوي في الداخل على بعض المرافق الحيوية. أما بالأبراج فهي تبنى عادة خارج البلد وتكون المسافة الفاصلة بين برج وآخر. ويبنى البرج على شكل دائري أو مربع، والبرج المربع يطلق عليه المربعة، وهي تعد خط الدفاع الأول، وهناك الأسوار التي شيدت في بعض المدن، مثل رأس الخيمة والشارقة وأم القيوين وعجمان، وهي جدار ضخم وطويل، وله بوابة أو أكثر، ويقوم الرجال بالوقوف على الأبراج لمراقبة الحدود وحراستها.

دور حيوي

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/04/5532210)%20(5).jpg

بعد تولي المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مقاليد الحكم عام 1966 في أبوظبي، كان تحسين شبكة المواصلات بين جزيرة أبوظبي والمناطق الداخلية من الإمارة يشكل إحدى أولويات برنامج عمل الحكومة، ومن بينها تشييد جسر المقطع، الذي شيد عام 1968، ليحافظ طوال الفترة الماضية على مكانته الحيوية حلقة وصل رئيسة بين جزيرة أبوظبي والمناطق البرية خارجها، وزادت أهمية الجسر مع ارتفاع وتيرة التنمية والتطور التي شهدتها أبوظبي، إذ لعب دوراً حيوياً مهماً في تيسير الانتقال، وتذليل حركة الشركات العاملة في عمق الصحراء، ما أتاح زيادة الإنتاج اليومي من النفط بشكل كبير.

حد للمعاناة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/04/5532210)%20(3).jpg

جاء بناء جسر المقطع ليضع حداً لمعاناة سكان أبوظبي والقادمين إليها من عبور منطقة السبخة التي بني برج المقطع إلى جانبها، خصوصاً في أوقات المد، إذ كثيراً ما كانت القوافل تتعرض لخطر غرق أحد إبلها، أو وقوعه في البرك والمستنقعات أثناء عبور القافلة، ومع بداية استخدام السيارات في المنطقة، كثيراً ما كانت تغرز في السبخة أثناء عبور المنطقة، ما يتطلب انتظار الجزر لسحبها.

 

وبناء البرج هو بناء محلي صرف، فهو يسبق فن العمارة المقتبس من بلاد أخرى، واعتمد هذا الأسلوب في البناء الذي كان يقوم به سكان الإمارات قديماً، على البرج المخروطي، وهو متكرر في عدد من الأبنية المعروفةـ مثل حصن أم القيوين وحصن رأس الخيمة، ومربعة بيت الشامسي، ومربعة الخان في الشارقة. وبني البرج على مرتفع صخري من حجارة رمال مضغوطة. واستخدم البرج للحراسة حتى منتصف هذا القرن، والهدف منه هو مراقبة الداخلين للمدينة من هذه الجهة، نظراً لسهولة العبور منه لضحالة المياه، لذا كان على كل من يدخل أبوظبي العبور من هذه النقطة، وبذلك يعد البرج هو حصن المراقبة وخط الدفاع الأول عن المدينة، ومنه كان يخرج التنبيه للحصن الرئيس «قصر الحصن» في حال وجود أي خطر، وكان هذا الإنذار بإطلاق قذائف المدفع الموجود بداخل البرج، أو باستعمال البندقية «التفق» حسب الطلقات المتفق عليها وقتها، أما الدخول إلى البرج فكان يتم من خلال درج مصنوع من الحبال يرفع عند دخول الحراس فيه.

إلى جانب كونه من أهم معالم أبوظبي؛ عاصر برج المقطع أحداثاً تاريخية كثيرة، وكان موضع اهتمام حكام أبوظبي على مر العصور، باعتباره شاهداً حضارياً مميزاً لمدينة أبوظبي، ونموذجاً بارزاً على النمط المعماري المحلي، قبل ظهور الأنماط الأخرى التي وردت من الخارج، وقد استخدمت في بنائه الحجارة البحرية المتوافرة بالقرب منه من جهة الشرق والحص المحلي، بينما استخدمت جذوع النخيل في أعلى فتحاته الأربع (النوافذ والباب).

وفي فترة الستينات، ومع ازدياد حركة السيارات، أقيم ممر صخري رملي للسيارات المارة إلى أبوظبي. وأنشئت وحدة حراسة وجمارك في منتصف القرن الماضي، وهو مخفر المقطع الذي أزيل بعد إنشاء جسر المقطع، وجاء بناء المخفر على شكل مربع يتكون من طابقين. ويذكر ديفيد غيلسبي، وهو مصرفي بريطاني جاء لإقامة فرع للبنك العثماني في أبوظبي وإدارته، في شهادته عن الفترة التي قضاها في أبوظبي والإمارات المتصالحة، أن أحد جوازات السفر القديمة التي يحتفظ بها يتضمن تـأشيرة لدخول الإمارات المتصالحة، وهي صادرة في أبوظبي في 17 مايو 1962. وفي جواز آخر لاحظ وجود ختم باللغة العربية خاص بدائرة الجوازات والشرطة في المقطع، ويحمل تاريخ 17 يناير 1964، إذ كانت بالمقطع نقطة مراجعة. ويعد طريق المقطع في أبوظبي أول طريق معبد في أبوظبي، لتسهيل حركة الدخول والخروج منها، إلى أن بُني جسر المقطع عام 1968 ليحل محل هذه الطريق.

أما برج المقطع فأقيم به مركز استعلامات للزوار الذين يتفقدون هذا المكان الأثري، كما رمّم على أكثر من مرحلة.

أرقام وأحداث

1908

التاريخ المرجح لإنشاء برج المقطع فيه، وإن كانت لا توجد وثائق واضحة تؤكد ذلك.

 

1950

تاريخ إنشاء مخفر للشرطة إلى جانب برج المقطع.

 

200

أنشئ طريق يمتد على مسافة 200 متر في منطقة المقطع ليسهّل حركة العبور من وإلى أبوظبي.

1968

العام الذي أنشئ فيه جسر المقطع ليفتح الطريق أمام النهضة العمرانية الكبيرة في أبوظبي.

جسور

ترتبط جزيرة أبوظبي باليابسة عن طريق أربعة جسور: جسر المقطع وجسر المصفح وجسر الشيخ زايد وجسر الشيخ خليفة الذي يصل المدينة بجزيرة السعديات، وهذه الجسور كانت ضرورية لمواجهة حركة التنمية المزايدة التي تشهدها أبوظبي، وزيادة تعداد السكان بها، وفي الوقت نفسه حافظت على استمرار أبوظبي جزيرة منفصلة، تحدها مياه البحر من كل الجهات، ولذلك فقد كثرت فيها الشواطئ والمتنزهات المطلة على البحر.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

 

 

تويتر