في معرضه الأول في «فن آبورتيه» بدبي

عمر النجار.. واقعية تنتهي بالتجريد

صورة

يسعى الفنان الأردني الشاب عمر النجار إلى ترسيخ هوية فنية متميزة من خلال اعتماده على المزج بين الواقعية والتعبيرية في المعرض الفردي الأول له، الذي افتتح أخيراً في «فن آبورتيه» غاليري بدبي. يبرز النجار في المعرض الذي يضم نحو 10 لوحات تحت عنوان «مشاهد اللوحة»، مجموعة مشاهد اختارها من الأفلام والصور، بأسلوب واقعي يصل إلى المرحلة التجريدية في بعض اللوحات، بسبب الزخم في المشهد البصري واللغة اللونية التي تتقاطع بين نقل الواقع وتجريده.

شخوص ووجوه

تسيطر على أعمال النجار الشخوص والوجوه التي تحمل كل مكنونات الإنسان، بما فيه من حزن وألم وجمال وفرح، لكن اللافت في لوحاته هو تصويره للرجال فحسب، حيث تغيب الأنثى عن أعماله. ويبقى التساؤل حول غيابها وفق احتمالات عديدة، فهل هو خوف الفنان من دخول عالم الأنثى قبل الوصول إلى مرحلة النضوج الفني التي تتيح له ذلك، أم محاولة لعكس ملامح من حياته وهواجسه الشخصية من خلال شخوصه، ويبقى للزمن والسنوات المقبلة أن تحسم أسلوبه الثابت.


نقل صورة

يتعمد عمر النجار رسم مشاهد معينة من أفلام أو صور أو مجلات، فالمعرض يعتمد على نقله للصور بأسلوبه الخاص. ويعتبر هذا الأسلوب هو الأسلوب الذي تعتمده أيضاً شقيقته مروة النجار، التي قدمت معرضها الأخير بالأسلوب ذاته منذ فترة وجيزة. وعلى الرغم من اعتمادهما على الأسلوب ذاته لانتقاء المشاهد المرسومة، إلا أن لكل منهما أسلوبه ولوحته التي تقدم للمتلقي منهجاً فنياً خاصاً، فنجد كيف يميل اللون عند عمر بمراحل من الواقعية والتعبيرية إلى التجريدية، بينما يبقى محافظاً على الواقعية في لوحات مروة.

يقدم الشاب الأردني لغة لونية بسيطة تنطلق من مشاهد بسيطة، نجدها تنتمي إلى الحياة اليومية مستخدماً الألوان الزيتية، ومعتمداً على خلفيات لونية داكنة، يحاورها مع الإضاءة في البروتريه أو المشهد الذي يقدمه، ويصل في بعض اللوحات إلى التجريد الذي يظهر عمق إحساسه باللون. لا تخرج لوحته عن السياقين المكاني والزماني، الأمر الذي يزيد من وقعها وتأثيرها في المتلقي، لاسيما اللوحات التي تبدو راصدة للحزن أو الضياع. إن اللوحة التي يقدمها النجار مليئة بالمشاعر والأحاسيس، فهي كثيفة التعبير عن الهواجس التي يحملها الفنان الشاب ويسعى إلى ترجمتها عبر اللون، وتتغلب هذه القوة على القوة اللونية في كثير من اللوحات، حيث نشعر بفيض الانفعالات الوجدانية التي تحملها الأعمال، هذه الوجدانية العالية تقودنا إلى حالة من التأمل والتفكير العميق في محتواه الإنساني والجمالي.

البروتريه هو عالم النجار، ولا عجب في ذلك، فهو نقطة الانطلاق عند الكثير من الفنانين الشباب، لذا نجده يثابر على عرض تفاصيله من خلال الشخوص الذين هم الأساس الذي تنطلق منه اللوحة. الوجه هو الذي يقود إلى التعرف إلى الكثير مما تنطوي عليه الأعمال من انطواء وعزلة، أو ربما الضياع. يبدو أن الكائن الموجود في اللوحة في حالة وجدانية خاصة، فلا ينتشله الفنان من عزلته، بل نجده يتعمد وجودها ليوجد لدى المتلقي صدمة انفعالية. هؤلاء الشخوص الذين يبرز ملامحهم بأسلوب واقعي، نجدهم في لوحات أخرى يتحولون إلى أشكال تجريدية، حيث يتقشف الفنان في الشكل ويتعمد اختزال الملامح، ليجعل اللون سيد اللوحة. هذا اللون يتأرجح بين الظل والنور، حيث نجد الظلام يعانق النور في اللوحة، يتحاور معه، الأمر الذي يمنح العمل عمقاً إضافياً في الصياغة الفنية. يبدو أن الفنان الأردني متأثر بالبيئة والمحيط، فنجد ملامح الطبيعة، وإن بصيغة تجريدية حاضرة في بعض اللوحات، فتبدو المساحات اللونية الخضراء كما لو أنها غابات، بينما تمنحنا المساحات الزرقاء والبيضاء الاحساس بالأفق البعيد. وعلى الرغم من استخدامه ألواناً محددة في اللوحات ذات المشاهد الواقعية، إلا أن الخلفيات الداكنة، لاسيما السوداء، نجدها الغالبة، وكأنها الحزن الكامن أو الخفي، الذي يحاول أن يبني عليه. ولا يبحث النجار عن ترسيخ رسالة معينة واضحة في العمل الفني، فهو يسعى إلى الفن من أجل الفن، فهو يبحث عن قضية فنية فقط، ولا يعرف كيف يفسر جمالياتها، لكنه يعمل إلى أن تصبح مرضية له من الناحية الجمالية. وقال عمر النجار عن الأسلوب الذي يحاول ترسيخه من خلال معرضه الذي يستمر حتى الخامس من مايو، «حاولت نقل بعض المشاهد التي منها ما يعود الى مشهد فيلم، أو حتى صورة، فهناك تعبيرية معاصرة حديثة، وهي تنشأ في الوقت الحالي وتبرز في أعمال الكثير من الشباب».

وأضاف «أميل إلى اللوحة الواقعية وإلى الآن تحضر في لوحاتي، وأحيانا أجد أن المنظور يميل إلى ذلك، لكنها تميل إلى التعبيرية أو التجريدية بحسب الموضوع والحالة». واعتبر أن المشهد الذي يسعى إلى تجسده هو المشهد البصري الجاذب، الذي يحفز المتلقي على الوقوف والتعرف إليه عن قرب، وينشأ معه حوار. وحول المعرض الفردي الأول له، قال «المشاعر التي تنتاب الفنان في معرضه الأول تكمن في المسؤولية المتزايدة عليه، فيصبح الفنان أكثر انتقائية في الرسم، ويشعر بأن كل لوحة يرسمها وكأنها آخر لوحة له، لاسيما أن التحديات كبيرة مع الفنان الجديد في السوق الفنية، خصوصاً إن كرّس الفنان كل وقته للرسم». ورأى النجار أن توسع السوق الفنية وكثرة المعارض والمزادات تصعب الطريق على الفنان المبتدئ، فالبداية في مكان حافل بكل هذه الفعاليات الكبيرة تتطلب المثابرة كي يتمكن الفنان من إكمال الطريق، علما أن الظروف قد تقوده إلى عدم متابعة عمله الفني، وهناك أمثلة كثيرة على فنانين قادتهم الظروف إلى الوظيفة من أجل الفن، لأن المصاعب في البداية كثيرة.وأعرب عن كون المجتمع العربي يحتاج إلى المزيد من التثقيف البصري، منوهاً بكونها لا تقارن بالثقافة البصرية الغربية، مبيناً المزج العالي في الشرق الأوسط بين الفن والجانب المادي الاستثماري، دون أن يلغي وجود هذا الأمر في الغرب. وأردف قائلاً «قد أكون مطالباً بصورة نقية جداً عن الفن، لاسيما أن الفن يحمل لغة جمالية، وأن الفنان حين يبدأ بالبيع يصدم، ويرى أنه قبل البيع يكون نقياً أكثر». ورأى النجار أن الفن لا يغير التاريخ، ولا يحل مشكلات الدول السياسية، لذا لا يسعى إلى إبراز قضية في العمل بقدر بحثه عن الجمال، مشيراً إلى كونها تبرز وتوثق تطور البشر، الأمر الذي يكسب العمل عبر الزمن قيمة تاريخية كبيرة.

تويتر