مناضل أخلص للمقاومة والفن.. ورحل ملفوفاً بعلم فلسطين

غسان مطر.. «باي باي يا فدائي»

غسان مطر اسمه الحقيقي عرفات داوود حسن البطري. أرشيفية

غاب عن عالمنا، أول من أمس، في العاصمة المصرية القاهرة، الفنان والمناضل الفلسطيني غسان مطر، بعد معاناة مع المرض، عن عمر ناهز الـ77 عاماً، امتزج فيها حبه ونضاله من أجل فلسطين، وقضية المقاومة، بإخلاصه للفن؛ إذ لمع ممثلاً شارك في كثير من الأعمال المسرحية والسينمائية والتلفزيونية.

مسيرة متمرد

نعت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) عضو المجلسين الوطني والمركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، غسان مطر. وجاء في بيان صدر عن مفوضية الإعلام والثقافة، أول من أمس: «ننعى إلى جماهير شعبنا الفلسطيني، غسان مطر، الذي ارتقت روحه إلى بارئها». وأضاف البيان: «لقد أمضى مطر مسيرة عمره متمرداً على واقع شعبه، فانتمى إلى الحركة، ونشط في مسيرة الثورة الكفاحية، وكذلك في ميادين الإعلام والفنون، ليستقر على درب العطاء في السينما». وحيّت «فتح» روح مطر الذي مثل شريحة الفنانين الفلسطينيين، واجتهد مع زملائه لتطوير هذا النوع من الفنون وتوظيفه في خدمة القضية.


أحد أبرز الممثلين

نعت سفارة فلسطين في العاصمة المصرية القاهرة، أول من أمس، غسان مطر الذي منحه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وسام الاستحقاق والتميز في ديسمبر 2013. وقالت في بيان: «تتقدم سفارة دولة فلسطين بالقاهرة بأصدق التعازى القلبية والمؤاساة الأخوية الصادقة لأبناء شعبنا الفلسطينى وقيادته وعائلة الفقيد وأصدقائه ومحبيه، سائلين المولى عز وجل أن يتغمد الراحل الكبير بعظيم عفوه، ويجتبيه بواسع مغفرته، ويسكنه مقعد صدق في أعلى عليين».

يشار إلى أن مطر اعتبر أحد أبرز الممثلين الفلسطينيين، وشغل منصب رئيس اتحاد الفنانين الفلسطينيين، ونائب رئيس اتحاد الفنانين العرب.

وشيّع غسان مطر ملفوفاً بعلم بلاده، من مسجد مصطفى محمود بمنطقة المهندسين، بعد صلاة ظهر أمس.

قدم مطر (اسمه الحقيقي عرفات داوود حسن البطري) نحو 100 عمل ما بين فيلم ومسلسل ومسرحية، وتفوّق في تقديم دور الشرير، فاحتل مكانة متميزة بالسينما المصرية، وحظي بإشادات النقاد، كما اشتهر بلازمته المعروفة «باي باي يا كوتش».

ولد مطر في عام 1938، بمنطقة يافا، وهجّر مع عائلته ضمن العائلات الفلسطينة التي هجّرت على يد العصابات الصهيونية عام 1948، وعاش طفولته في مخيم بشمال لبنان، ثم استقر بمدينة طرابلس، وشهد أثناء تهجيره عدداً من المذابح الإسرائيلية.

لم يكن مطر يرغب في التمثيل، وكان يتمنى أن يكون ضابطاً في جيش التحرير الفلسطيني، لكن واقعة معينة حالت دون ذلك، إذ اتهم في الخمسينات بتحريض العرب على عمل تفجيرات تعاطفاً مع مصر التي كانت تتعرض لعدوان إنجليزي فرنسي إسرائيلي أثناء حرب السويس عام 1956، وألقي القبض على مطر في لبنان، فكتبت الواقعة في السجل العدلي الخاص به.

بعد الخلاف الذي حدث بين الرئيس اللبناني كميل شمعون، وجمال عبدالناصر، خطب الأخير، أن على كل شاب عربي مقاومة هذا الاستعماري، فذهب «غسان» مع عدد من أصدقائه إلى سورية، وجاؤوا بشحنة سلاح محمّلة على 21 بغلاً، ومعدات بث إذاعة محلية، وأسسوا إذاعة.

استبدل مطر طموحه الثوري بأن يكون فدائياً بالعمل مذيعاً في راديو الثورة أولاً، ثم في الإذاعة، وتعرّف في ذلك الوقت إلى قيادات الثورة الفلسطينية، مثل الزعيم الراحل ياسر عرفات، ورئيس الجبهة الديمقراطية نايف حواتمة، الذي كان يكتب له بيانات العاصفة، واكتسب عضوية المجلس الوطني الفلسطيني، ثم اقترب بالتوازي مع عالم الفن والصحافة. فصل غسان مطر من التلفزيون اللبناني بعد رفضه إيقاف البث المباشر لحفل للمطرب الراحل عبدالحليم حافظ، أدى فيه أغنية «فدائي»، التي قال مطر لاحقاً إن «كتابتها كانت فكرته، إذ أسر بها إلى عبدالحليم الذي أبلغ بدوره رغبته إلى عبدالرحمن الأبنودي».

بعدها تفرّغ مطر ليكتب سيناريو أول فيلم فلسطيني له بعنوان «كلنا فدائية» عام 1969، وتلاها فيلم «الفلسطيني الثائر».

أثناء تصويره أحد الأفلام، وبعد انخراطه في عالم التمثيل، تلقى مطر نبأ فقدانه أسرته المكونة من أمه وزوجته وابنه (جيفارا) في حرب المخيمات الفلسطينية عام 1985، أثناء تمثيله في مسلسل «محمد رسول الله»، فقابل الصدمة بالتماسك.

انتقل مطر بعد محطته اللبنانية إلى تونس ثم إلى مصر، إذ كان دخوله إلى عالم الفن من أوسع أبوابه، وقدم مجموعة من المسرحيات والأعمال السينمائية والتلفزيونية، ووصل مجموع الأعمال التي شارك فيها 100 فيلم ومسلسل ومسرحية.

اختار غسان مطر لنفسه هذا الاسم نوعاً من التمويه، لأنه كان يتعامل مع نفسه كـ«فدائي» فلسطيني، ولم يخبر زوجته باسمه الحقيقي، إلا قبل يوم واحد من زواجه. كان آخر أعمال مطر ظهوره ضيف شرف في مسلسل «إمبراطورية مين»، مع الفنانة التونسية هند صبري نهاية 2014.

تويتر