بدأت بسيطة وتطوّرت مع ازدهار الدولة

الأسواق القديمة.. حكايات من قلب المجتمع

صورة

التاريخ هو الهوية الحقيقية للأمم والشعوب، وهناك علامات فارقة في تاريخ الشعوب والدول لا يتشابه ما قبلها مع ما بعدها، كما في تاريخ الثاني من ديسمبر 1971، الذي يمثل في حقيقته جوهر تاريخ دولة الإمارات، واللبنة الأساسية التي بنيت عليها أسس قيام الدولة وتطورها ونموها، واستناداً إلى أهمية هذا التاريخ، وإلى حقيقة أن «تاريخ الإمارات المشرق لا يقل أهمية عن حاضرها الزاهي»، جاءت مبادرة «1971»، التي أطلقها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، بهدف الإسهام في توثيق تاريخ الدولة في جميع المجالات.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/03/31483_EY_01-03-2015_p28-p29-1.jpg

واستلهاماً لهذه المبادرة المهمة، تأتي هذه الصفحة الأسبوعية التي تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، للتعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها.


الأسواق هي روح المدن، وذاكرة المكان، فهي أكثر الأماكن ارتباطاً بالناس وحياتهم اليومية، ولذا تكتسب مع الوقت أهمية أكبر من كونها مكاناً للتبادل التجاري، فتتحول إلى وسيلة للتواصل الاجتماعي وملتقيات للسكان يلتقون فيها ويقضون أوقاتا طيبة، ويناقشون فيه ما يشغلهم من موضوعات. وفي الإمارات المتصالحة، قيام دولة الاتحاد، كانت الأسواق تشبه الحياة الاجتماعية في المكان في بساطتها، ومع الوقت وفي ظل اكتشاف النفط بدأت تتغير وتتطور مثل مختلف نواحي الحياة وأشكالها في الدولة.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/03/Zayed-bin-Sultan-Al-Nahyan-(1).jpg

يمكن رصد شكل الحياة وطبيعة العمل في الأسواق القديمة من خلال العديد من شهادات الأشخاص الذين عاصروا مراحل تطور الأسواق، وكانوا جزءاً منها، ومن هؤلاء رجل الأعمال الإماراتي جمعة الماجد، الذي يسرد بدايات عمله في التجارة في أسواق دبي، متطرقاً في حديثه إلى شكل السوق وسير العمل به، وشكل العلاقات المادية والتجارية، قائلاً: «كانت بداية عملي في مجال التجارة في شركة خالي أحمد بن ماجد الغرير في ديرة، ومن المهام الأولى التي وكلت بها جلب الرسائل من البريد الذي كان في سوق البانيان (الهنود) آنذاك، إذ كان موظف البريد ينادي بأسماء أصحاب الرسائل، ويقوم المندوبون بأخذ الرسائل الخاصة بمنتدبيهم، وعندما يحضر ضيوف المكتب كنت مسؤولاً عن ضيافتهم، فأقدم لهم الشاي والقهوة». ويضيف «بعد سنتين قرروا أن يعطوني دكاناً أعمل فيه بشكل مستقل رغم عدم وجود خبرة لدي في مجال التجارة ولاسيما الأقمشة، فأعطوني بضاعة بـ700 روبية، ومن البضاعة أقمشة وغتر ووزر، وكان علي الإذعان لرغبة خالي، لأن طاعة الصغير للكبير كانت مفهوماً سائداً، فإن كُلّف أحد بمهمة فليس له أن يقول لا أستطيع ذلك، وكان النظام في السوق أن يبيع تاجر الجملة البضاعة لأصحاب الدكاكين، ويدفعوا له جزءاً من قيمتها، ويدفعوا الجزء المتبقي على أقساط كل يوم سبت ويسمونها: (سبتية)، وكنت أنا من يقوم بتحصيل السبتية من الدكاكين».

ويواصل الماجد ذكرياته التي وردت في كتاب «ذكريات الإمارات» الصادر عن الأرشيف الوطني: «استلمت الدكان وعملت مع بعض جيراني صداقة، وكنت أستشيرهم، لأنهم أكثر خبرة مني في ذلك السوق، لأن العرب أهل بحر: إما تاجر لؤلؤ أو غواص على اللؤلؤ، وفي نهاية السنة، وبناء على الجرد أوضحت الحسابات أنني ربحت 2000 روبية، وكان رأسمالها الأساسي 700 روبية، وكان ذلك الربح قياسياً لم أتوقعه، ويعود الفضل كله إلى خالي أحمد بن ماجد الغرير ــ رحمه الله ــ وأبنائه». ويذكر الماجد أن دكانه كان أول دكان يفتح صباحاً وآخر دكان يغلق مساء.

شهادة أخرى يقدمها الستر أ. ماكسكيل الذي عمل في شركة «غراي مكنزي وشركاؤه» العاملة آنذاك في مجال الشحن والتجارة في كل أرجاء الخليج، وبدأ ماكسكيل أعماله في الخليج العربي في 1954 وانتهت 1990، وهي الفترة التي شهدت تطورات في أنماط الحياة في الإمارات، موضحاً أن أول عمل له في الإمارات كان في دبي نهاية 1955، عندما عهد إليه بشؤون وكالة سفن خط الهند البريطانية، وفي 1957 نقل للعمل مديراً لفرع الشركة في دبي، واصفاً تلك الفترة بالرائعة، حيث شهدت تسارع إيقاع التنمية والتطوير. وأشار إلى أن عدد الوافدين لم يزد على 12، ولم يكن هناك هواتف. وكانت المولدات الخاصة هي المصدر الوحيد للكهرباء، وكان الماء يرد إلى المنازل على عربات تجرها الحمير، وتأتي بها من محطات خاصة لتحلية المياه. وفي منطقة الجمارك في دبي لم يكن سوى رافعة يدوية واحدة، أقصى طاقتها خمسة أطنان، وبزيادة شحنات البضائع طلب ماكسكيل من الشيخ راشد آل مكتوم رحمه الله، حاكم دبي في ذاك الوقت، رافعة متحركة، فكلفه الشيخ بشراء واحدة مناسبة. ويضيف «لم تكن لنا جسور متحركة، فقد تعين علينا عند وصول الرافعة على متن سفينة كبيرة ملء صندل بأكياس الحبوب حتى ترتكز الرافعة على القواعد الخشبية الموضوعة فوقها، وعلى الشاطئ في المنطقة الجمركية تعين تأمين الصندل عند قاعدة الرافعة اليدوية الثابتة، واستخدام أكياس الحبوب لدفع الرافعة صوب الشاطئ». وفي الفترة من منتصف 1959 حتى 1960، تواصل التوسع في عمليات التنقيب عن النفط، واستخراجه في كل أنحاء الإمارات، الأمر الذي تطلب إنزال شحنات من المعدات والأجهزة في كل من أبوظبي والضبعية، وأنحاء أخرى من الساحل في اتجاه الغرب.

أسواق دبي القديمة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/03/274356.jpg

تضم دبي عدداً من الأسواق القديمة التي كانت تعتبر مركزاً مهماً للنشاط الاقتصادي وساحة لعرض حاجات الناس، ومقصداً للقادمين إلى دبي من التجار للبيع والشراء، ويعتبر السوق الكبير ببر دبي، والسوق الكبير بديرة من أكبر أسواق دبي ومعلمين بارزين من معالمها. ويقع «السوق الكبير ببر دبي» الذي شيّد عام 1830، في المنطقة التي تحمل الاسم نفسه، ويضم ما يقارب 50 محلاً تقع على جانبي ممراته، وينتهي كلا جانبيه الشرقي والغربي ببوابة كبيرة. أما السوق الكبير بديرة، فتم تشييده في عام 1850م، ويعد أقدم وأهم الأسواق في منطقة ديرة، نظراً لاتصاله المباشر بالميناء الممتد على الخور، حيث يتم استقبال وتحميل السفن بالبضائع في رحلاتها البحرية إلى إفريقيا وشبه القارة الهندية، فكان السوق مسرحاً للمعاملات التجارية والتبادل التجاري وتوفير ما يلزم أطقم السفن التجارية. وتتميز دكاكين السوق بتصميمها المعماري التقليدي، حيث تعلوها أبراج الهواء التقليدية. وبشكل عام تتميز مباني الأسواق القديمة بطابعها الخاص وبنيت بخامات من البيئة، فجميع المحال الموجودة في تلك الأسواق التي تعود لما قبل 1960 مبنية بالأحجار المرجانية أو الصدفية والمونة الجصية، وتحرص بلدية دبي على ترميم جميع المباني التراثية بالمواد نفسها المستخدمة في البناء.

هناك أيضاً أسواق أخرى مثل: سوق الفرضة، وسوق اللؤلؤ «سوق الطواويش»، وسوق الحرير، وسوق الذهب، وسوق الملابس، وسوق السمك، وسوق الأطعمة.

السوق المركزي في أبوظبي

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/03/274369.jpg

يرجع تاريخ السوق المركزي القديم في أبوظبي، الذي خططه المهندس المعماري المصري عبدالرحمن مخلوف، إلى عام 1968، وكان السوق يقع في منطقة وسط البلد، وضم في البداية 200 من المحال التجارية. ومع الوقت اصبح مركز جذب لسكان المدينة، وملتقى لكثير منهم خصوصاً العمال من الجنسيات الآسيوية، وحتى بعد بناء مراكز تسوق وظهور محال مختلفة في أبوظبي، ظل السوق مقصداً لكثير من العائلات التي تذهب إليه مع اقتراب موعد الإجازات السنوية لشراء هدايا الأهل قبل السفر. وكانت نهاية السوق في مارس 2005، عندما شب حريق كبير أتى على جزء كبير من محاله، ما سرّع من عملية هدم السوق ليحل محله حالياً برجان يتضمنان مبنيي المركز التجاري العالمي، والسوق المركزي الجديد، من تصميم المعماري المعروف نورمان فوستر، بينما توزع باعة السوق القديم بين الجهة المقابلة للسوق في شارع حمدان، وسوق مدينة زايد التجاري والمنطقة المحيطة به.

أيضاً تضم العين عدداً من الأسواق القديمة منها سوق القطارة الذي يعود إلى منتصف القرن الـ 20، وأعيد افتتاح السوق ليصبح مقصداً سياحياً.

ويصف الستر أ. ماكسكيل أبوظبي التي انتقل إلى العمل بها في 1960، بالمكان المختلف، إذ لم تعد قرية لصيد السمك، وكان حجم الجالية الأجنبية ضئيلاً جداً، واقتصرت المحال على السلع الأساسية تقريباً، وعاما بعد عام تأسست محال مثل متجر «جاشنمال» الشامل، التي كانت توفر سلعاً أساسية مثل المفروشات، والأدوات الكهربائية، والصحف، وإن كانت صحف اليوم السابق أو ما قبله، ثم تأسس محل «سبينس» الذي كان يوفر المأكولات المبردة والمحفوظة، وافتتحت محال بالسوق لبيع السمك والخضراوات.

بينما تقدم إدنا غرين، وهي بريطانية حضرت إلى أبوظبي في 1961 مع زوجها الذي كان يعمل في بنك الشرق المحدود، وأقامت فيها حتى 1967، وصفاً لسوق أبوظبي عام 1961، قائلة: «كان السوق يتألف من عدد قليل من المحال التي تبيع البصل المجفف، والقليل من البطاطا، وعند أحد الأطراف علقت سمكة كبيرة، قيل لي أن ثمة شائعة تفيد بأنها حورية البحر». موضحة ان السوق كان يتعامل آنذاك بالآنة والبيسة (الآنة عملة هندية تساوي 1/16 روبية، وكل آنة تساوي 16 بيسة)، وكانت الروبية تستخدم كذلك.

350

كان سوق ديرة في دبي يتكون من 350 محلاً تجارياً، بحسب ما ذكر كثير من الرحالة الغربيين، وبذلك يعد أكبر سوق في المنطقة.

2.5

مساحة «ياس مول»، الذي تم تطويره من قبل شركة الدار العقارية 2.5 مليون قدم مربعة، حيث يتألف من ثلاثة طوابق تضم 370 محلاً لمبيعات التجزئة، من ضمنها 60 مطعماً من مختلف المأكولات العالمية، إلى جانب المرافق الترفيهية، ومواقف للسيارات تتسع لنحو 10 آلاف سيارة.

200

ضمّ السوق المركزي القديم في أبوظبي، 200 من المحال التجارية عند بداية إنشائه عام 1968، في منطقة وسط البلد.

180

أطلق صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، خلال 2014، مشروع «مول العالم» أكبر مركز تسوّق من نوعه في العالم، حيث سيتم تجهيزه لاستقبال 180 مليون زائر سنوياً.

سوق نايف

يُعد «سوق نايف» من أقدم الأسواق في دبي، وأكثرها شعبية، وكان يسمى من قبل بـ«سوق الصنادق»، قبل أن تجرى فيه عمليات تطوير وتحديث في الثمانينات، ويشهد إقبالاً كثيفاً من فئات اجتماعية وجنسيات مختلفة، بسبب تنوع البضائع المعروضة في متاجره، وتدني أسعارها نسبةً إلى غيره من الأسواق. وقد أُطلق عليه اسم «نايف» بسبب تمركزه حول «قلعة نايف» الموجودة في منطقة ديرة.

وفي 2008 شب حريق في السوق أدى إلى احتراق أغلبية المحال فيه. وتم تدشين سوق نايف الجديد في 2010، بعد إعادة بنائه بالكامل من كل النواحي التصميمية والخدمية، ويتسم المبنى الجديد بطابع عصري ممزوج بتصميم تراثي.

«العرصة» أقدم الأسواق

يُعد سوق العرصة أحد أقدم الأسواق الشعبية في دولة الإمارات العربية المتحدة، وكان في ما مضى (قبل أكثر من نصف قرن) نقطة التقاء رحلات تجار البدو وجمالهم المحملة بالبضائع. وتم إعادة ترميم السوق الذي يحتوي حالياً على جميع المشغولات اليدوية الشرقية. هنا يمكنك أن تتجول على طول الأزقة المكيفة، وللسوق أبواب خشبية كبيرة وجدران مشيدة من الحجر المرجاني والفوانيس المعلقة عليها. ويضم السوق أكثر من 70 متجراً تعرض الكثير من المشغولات اليدوية المحلية والمستوردة، والمقتنيات ذات القيمة التاريخية، والتحف الخشبية والصناديق العربية المطعمة باللؤلؤ، وأباريق القهوة النحاسية، والمصوغات اليدوية والمجوهرات التراثية، والعطور والبخور، والملابس المصنوعة يدوياً، والسلال المصنوعة من سعف النخيل، والأعشاب الطبية، والسجاد والهدايا التذكارية.

والعرصة هي مساحة الأرض الواسعة الكائنة بين البيوت، وسمي السوق بهذا الاسم للسبب ذاته فهو يقع بمحاذاة الأرض الواقعة بين بيت النابودة (متحف الشارقة للتراث حالياً) ومجلس إبراهيم المدفع، كما يجاور الساحل ليكون قريباً من مرفأ السفن والقوارب المحملة بالبضائع، ولذا يعد السوق المركز التجاري لإمارة الشارقة القديمة، حيث كان تجار اللؤلؤ وسفن الغوص يقصدونه من كل دول الخليج لعقد الصفقات. كما كانت القوافل تأتي إليه من مختلف بوادي الإمارات للتبادل التجاري السائد آنذاك بين البادية والمدينة، حيث كانت المنتجات الزراعية ترد إليه من مصادر عدة مثل الموز والمانجو والتمور.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر