أحيت حفلاً غنائياً في دبي وأكدت الحاجة إلى الحـــــب فــي هذه المرحلة التي يتسيّدها العنف

تانيا صالح: مـــــــموِّل الإرهاب والفن الهابـــط جهة واحدة

صورة

صورة جمالية عن الحب تقدمها الفنانة تانيا صالح في ألبومها الجديد الذي يحمل عنوان «شوية صور»، والذي تقدم من خلاله مفهومها عن الحب بشكله الكلي والمطلق، حيث تعتبر أننا في أمس الحاجة إليه اليوم. تدرك صاحبة الصوت الساحر والغناء المتزن، الذي تجمع فيه بين الموسيقى التراثية والغربية، أن دربها ليس سهلاً، لكنها تعتبره مسؤولية ملقاة على عاتقها، وعلى عاتق فنانين يسيرون في طريق متشابه الخطوات. قدمت حفلاً غنائياً أمس في دبي، ضمن فعاليات مهرجان دبي للتسوق، الذي شهد حضوراً لافتاً، وكان لنا معها حوار، تحدثت خلاله عن جديدها، والوضع الفني في المنطقة.

تأثر

تأثرت صالح بالعديد من الفنانين، لكنها تقول إن أكثر من أثر فيها هم فيروز والأخوان الرحباني. وكانت تستمع إلى عمالقة الزمن الجميل، ومنهم سيد درويش، وعبدالوهاب، وأسمهان، وأم كلثوم، وليلى مراد، وشادية، وكارم محمود، وعبدالحليم حافظ، وسعاد محمد، ونجاح سلام، ووديع الصافي، وصباح، وكل من قدموا فناً حقيقياً، أما من المطربين الجدد فليس هناك من يؤثر فيها.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2015/01/257086.jpg


سيرة غنائية

تعتبر تانيا صالح من الجيل الشاب الذي يبحث في الموسيقى ويقدم ما هو مختلف. درست الفن التشكيلي، وتعمل في التلحين والتأليف والغناء. أصدرت أول ألبوم غنائي لها عام 2002 بعنوان «تانيا صالح»، ثم في عام 2011 صدر ألبوم «في وحدة»، وطرحت أخيراً ألبوم «شوية صور».


فن تشكيلي

درست تانيا صالح الفن التشكيلي في الجامعة، وبالنسبة إليها الفن البصري مهم جداً، فالشعوب وتاريخها بقيا من خلال الإثر الفني، فالأهرامات والتماثيل والعمارة الإسلامية والشعر هي التي تعبر عن الشعوب. ولفتت إلى أن «الفن هو ما نتركه للأجيال المقبلة، وهو لا يمكن أن يلغى أو يصبح ترفاً، لأننا كشعوب يجب أن نبقى في التاريخ ولا نمحى، فالرسم صورة أقدمها للناس من خلال الكليبات، فهو صناعة تاريخ».

انطلاقاً من الحفل في دبي، قالت الفنانة اللبنانية «يسعدني أن هناك جهة رسمية يمكنها أن تموّل حفلاً مجانياً للناس، وهذا لا يحدث في كل مكان، واحترم أن الإمارات تعيش حالة من السلام مع الجميع، وأشكر كل المنظمين على استضافتي». وبينما قدمت ألبومها الجديد، قائلة إن «الألبوم الجديد هو حالة حب جديدة، وهو حب هادئ، يطرح مجموعة من الأسئلة، ويأخذ أشكالاً عدة، للحبيب والولد والأرض والوطن والناس والحياة، إنه الحب كمفهوم كبير». أما الموسيقى في الألبوم، فهي شرقية، وتحمل تأثيراً كبيراً من البرازيل، وقد اختارت صالح هذا المزج بين النوعين من الموسيقى، لرغبتها في مخاطبة اللبناني المقيم في الخارج، وكذلك العربي في كل أنحاء العالم، ولتوسيع السوق الذي تصدر فيه موسيقاها، علماً بأنه بات يسير الانتشار حول العالم من خلال توافر الاغنيات عبر الإنترنت.

واعتبرت صالح أن هناك حاجة للحب، وهناك حاجة ملحة للعودة إلى الإحساس الرومنطيقي والقيم، فاليوم تحيطنا مشاهد القتل والعنف، لكن كبشر رسالتنا هي المحبة وليست القتل. ولفتت إلى أن الصورة التي تروج عن العرب سيئة في الغرب، علماً بأن هناك حضارة وثقافة في العالم العربي، ولا يجب تقديم عكس هذه الصورة.

أما الثورات التي تحدث في العالم العربي، فلفتت صالح إلى أنه على الرغم من كونها لم تنجح في التغيير أو تحقيق الهدف الذي قامت من أجله، لكن الشعوب لم تعد كما كانت قبلها، وهذا بلا شك ولّد الكثير من التغييرات في الموسيقى والشعر والكتابة، فالتجربة باتت أغنى.

ورأت صاحبة أغنية «ما قلنا شي»، أن الفن والموسيقى ليسا في المكان الصحيح حالياً، إذ إن الكثير من الفنانات يتم تقديمهن سلعاً يقدمن إيحاءات عبر الكليبات، وهي الصورة الممولة والوحيدة اليوم في العالم العربي، علما بأنه في العالم الغربي توجد هذه الصورة بمحاذاة صورة الفن الراقي.

وأشارت إلى أن من يمول الإرهاب هو نفسه من يمول هذا النوع من الموسيقى، وكأن هناك مخططاً للتسطيح وتدمير الثقافة والحضارة، وهو نوع من الإرهاب الثقافي، فهي لم تحصل يوماً على تمويل أو حتى مجرد عرض لتمويل ألبوم أو حتى أغنية، مشيرة إلى وجود مجموعة من الفرق في البلدان العربية، تحاول أن تقدم ما هو راقٍ ومميز موسيقياً، ومع الوقت ستطغى، لأن التمويل للفنانات من قبل الشركات بدأ يخف. ورأت أن الصورة التي تعكسها الفيديو كليبات التي تصور ليست واقعية، فكل ما يعرض في الأغنيات هو سيارات فخمة، ونساء محشوات بالبوتوكس والكثير من الفخامة في الفنادق والمنازل، موضحة أن من الصعب اليوم أن تربي أولادها على الفن العربي، بل هي مجبرة على تنشئة أولادها على الفن الغربي، لأنه يقدم الفن الراقي.

إلى جانب الغناء، تكتب صالح أغنياتها، وتقوم بالتلحين، فهي تعتمد على نفسها، وتعمل على الصورة التي تخرج بها للناس، خصوصا أنهاً «مستقلة، وليست هناك من شركة إنتاج تدعمها»، لكن ألبومها الجديد ضم بعض الأغنيات من كلمات شعراء، ومنهم الشاعر عصام الحاج علي، وقصيدة للشاعر محمود درويش، وهي «هي لا تحبك أنت».

ولفتت صالح إلى أنها لم تكن تعتزم الغناء لمحمود درويش، فهو شاعر عظيم، والكثر غنوا له، لاسيما الشعر السياسي، ولكن ما جعلها تغني القصيدة هي أنها تعبر عن المرأة العربية ومشاعرها، ومشكلاتها الجنسية والاجتماعية والعاطفية، وبلسان رجل، وهذا لا يحدث كثيراً. وأوضحت أن المجتمع العربي ذكوري، لكن المرأة لها الحق في أن تتكلم، لذا فإن الأغنية تأتي تقديراً لشعر محمود درويش، وكذلك تقديراً للمرأة.

العديد يطلقون على صالح تسمية «الفنانة الملتزمة»، لكنها أشارت إلى كونها لا تحب هذا المسمى، حيث ترى أن الكلمة تعني الالتزام بقضية معينة، لكنها فعلياً تؤمن بالمحبة التسامح والإنسان والمساواة، فالقضايا تتغير معطياتها، لذا فإن العناوين الكبيرة تعرض المرء لتغيير الموقف. وأردفت «ألتزم المحبة والخير والصدق والتسامح بين الناس، لأن الكثير من الذين يرددون الشعارات ليسوا صادقين». أما محاكاتها لبعض القضايا السياسية من خلال أغنية «في وحدة»، فتردها إلى كونها أرادت الحديث عن حالة بعيداً على السياسة. وتابعت «تحقيق الوحدة في لبنان من الأمور الصعبة، لأن هناك 18 طائفة، وكل طائفة تتبع بلداً وتنتمي إلى بلد، إضافة إلى أن هناك حاجة فعلية للوحدة في البلدان العربية، فهي غير موحدة، والأخيرة باتت حلماً، علماً بأن التوحد قوة، لكنه صعب إلى حد ما، طالما أننا كشعوب مع أنفسنا لسنا موحدين».

هذا النوع من الغناء الذي ترقض أن تسميه صالح ملتزماً، يحتاج إلى الكثير من المحاربة، كما وصفته «أعمل كثيراً كي تصل أغنيتي إلى الجمهور، وتصل إلى الإذاعات، وكذلك لأن مدخولي ليس كبيراً فليس لدي مدير أعمال، لذا أجبر على القيام بكل تفاصيل إنجاز عملي وحدي، من بداية الكتابة والتلحين والغناء، وصولاً إلى التوزيع والتسويق، لكن بد من وجود أشخاص يحاربون مثلي لتغيير هذه الصورة السائدة عن الفن العربي اليوم».

تمزج صالح بين النكهة الشرقية والغربية، وقالت عن ذلك «درست في مدرسة تدرس ثلاث لغات، وبالتالي شعرت بحاجة للتقرب من الثقافات الثلاث، وكذلك تأثرت بما يسمع أهلي، واستمعت كثيراً إلى الجاز، كما أنني لم أبق ضمن الإيقاع الشرقي، فأنا أحب الآلات الشرقية والغربية، وقد امتزجت بطريقة طبيعية وسلسة، من دون أن يطغى أحدها على الآخر». ورأت ان الموسيقى خرجت من إسبانيا، حيث أصل الديانات المتعددة، وما تقدمه ليس جديداً، فهو تناغم حضارات، وتحاول أن تعرف ما يحدث في العالم كله كي تنمي ما لديها من مهارات، فالتراث جميل، لكن لا يمكن أن نبقى عالقين في التاريخ والماضي. أما خوضها تجربة الكتابة والتلحين، فنوهت إلى أن هذه التجربة ليست غريبة في العالم الغربي على امرأة، لذا تراها من الأمور الطبيعية، وتعبر عن فكرها، لاسيما أنها لا تأخذ كثيراً من شعر الرجل الذي يعبر عن المرأة، فكتابة المرأة لقضاياها ومشاعرها تجعلها أصدق في التعبير، كما أنها بالنسبة إليها أقل تكلفة، خصوصاً أنها لا تلقى الدعم المادي لذلك. وأضافت «الموسيقى المستقلة مهمة جداً، فيجب الخروج من التركيبة الموحدة، فليس هناك ما هو جديد في العالم العربي، بسبب التركيبة السائدة، وكل ما يقدم متشابه منذ عشرات السنوات، وهذه الحال في السينما أيضاً، فالسينما المستقلة هي التي تعبر عن الناس، بينما اليوم هناك أفلام مقاولات في السينما».

تويتر