معرض لثائر هلال في أيام غاليري بدبي

«علامات فارقــــة».. الطبيعة بين استدعاء الذاكرة وتجســـيد الواقع

صورة

لم يخرج الفنان ثائر هلال عن أسلوبه التجريدي في اللوحة، يحافظ على حياة لونية خاصة تنطلق من الكانفاس الذي يتحدى بياضه عبر مجموعة من المواد، والتي يكون منها في الختام العديد من الطبقات تتشكل وفق عملية تكرارية. يقدم هلال في معرضه الذي افتتح أخيراً في أيام غاليري بعنوان «علامات فارقة» الجبل والنهر بأسلوب تجريدي يشكل من خلاله جمال الطبيعة والخراب الذي ألحق بها في آن معاً، ليبرز جمال المنطقة التي عاش بها، ويرصدها عبر استدعاء للذاكرة وتجسيد للواقع الحالي.

سيرة لونية

ولد الفنان ثائر هلال في سورية عام 1976، وتخرج في كلية الفنون قبل أن ينتقل الى الشارقة في عام 1990. قدم مجموعة من المعارض الفردية والجماعية بين القاهرة وبيروت ودمشق ودبي. حصل على مجموعة من الجوائز، منها الجائزة الذهبية في بينالي طهران عام 2005. وقد ترك تأثيره في المجال الفني في الإمارات، ولاسيما أنه من كوادر كلية الفنون في الشارقة.


تجريد

يعد ثائر هلال من الفنانين الذين يستخدمون التجريد في الفن العربي المعاصر، ويعد من الأسماء البارزة في الفن السوري المعاصر، نظراً لاعتماده على أسلوب فني يقوم على الحركة الديناميكية التي ترتبط بالبيئة والثقافة والمكان الذي تنتمي اليه. تقوم أعماله على التقسيم الدقيق للفراغ، كما أنه يعتمد أسلوب التكرار، ما يجعل أعماله قريبة الى حد كبير من ملامح الفنون الاسلامية التي تعتمد على بناء العمل من وحدات تنتمي الى كلٍ أكبر وأوسع يؤدي الى الفكر السامي.

اتخذ هلال من الطبيعة ملهما أساسيا له في المعرض الذي يستمر حتى 10 يناير. بين الجبال والأنهار للقلمون والعاصي، تتباين الألوان والتضاريس في اللوحة، فهو يمنحها صلابة وقسوة تتأتى من السطوح البارزة والخشنة التي يثقلها بمعاناة أهل هذه الارض، بينما نجد انسيابية وسلاسة المياه في الطرف الآخر من الأعمال. واللافت أن ما يحاول أن يقدمه هلال هو حكايات هذه الأرض، فالذكريات التي تعج بها هذه الأماكن حاضرة بقوة، وكذلك نتلمس رغبته في جعل الماضي نقطة الانطلاق للرسم، فنجده أعلى استعادة الزمن الجميل الذي لم يشهد كل هذا الخراب الذي ألحق ببلده. يجمع الحنين بالذكريات والألم، فهي ذكريات مصحوبة بمعرفة تاريخ البلد، كونه جزءاً من تكوينه الداخلي، والتعبير عنه يأتي معقدا كثيرا ولاسيما انه تعبير عن شيء يعرفه حد الالتصاق به.

يقارن هلال بين الخراب والجمال بأسلوب عالي الرمزية، فهو يحرص على إبراز مكامن الجمال في الطبيعة والبيئة التي ترتبط بأماكن معروفة، منها «معلولا»، ثم نجد أنه لا يلبث أن يبرز الخراب الذي نتج عن البشر، وتحدي الطبيعة لكل هذا التخريب المتعمد ومقاومتها له. هذه المقاومة التي يبرزها هلال في الطبيعة، تماهٍ حقيقي لمقاومة الانسان عموماً في مجتمع يعاني الكثير من الآفات والمشكلات الكفيلة بنزع ما هو جميل بداخله، لكنه ينازع كل يوم في وجه الخراب.

يعمد الفنان السوري تضمين العمل الجوانب النفسية، فهو يستدعي الجمال، ليكون مظهراً من مظاهر التحدي لكمية كبيرة من القبح الذي أصبح متفشياً في بلده بسبب الأزمات والانقسامات. لم يهرب هلال من هذا الواقع الأليم، بل حاول ان يترك عمله صرخة جمالية إيجابية في وجه الأصوات المخربة التي تحاول أن تعلو، ليؤكد قدرة الطبيعة على تحدي كل ما يجلبه العالم الخارجي لها من سوء.

يأخذنا الفنان السوري عبر ألوانه المتباينة الى مناطق متعددة، فهو يتجول بين الأودية والجبال في مناطق عدة منها القلمون ومعلولا، وكذلك الحياة المائية في نهر العاصي، وذلك عبر اللون الذي يتدرج ويتداخل في اللوحة، بعد امتزاجه بالكثير من المواد التي تشكل الطبقات، منها الرمال والورق المطحون، فتصبح اللوحة زاخرة بالمناطق الوعرة والاخرى المسطحة. ويعتبر هذا الاسلوب التجريبي هو الاساس في عمل هلال الذي يلجأ اليوم في معرضه الى إضافة مواد جديدة على اللوحة، ليكسبها بعداً جمالياً جديداً يتجلى في الأبعاد الثلاثية التي تظهر كنتوءات على سطح اللوحة. يكسر هلال من خلال العمل قاعدة اللوحة الثنائية الأبعاد، ويرحل في أسلوب جديد يمكنه من أخذ المادة التي يعمل عليها الى أبعد من حدودها، ولكن هذا النوع من الإنتاج الفني يتطلب الكثير من المراحل والوقت، فهو يحتاج الى ان يترك اللوحة ويهجرها لفترات حتى يتمكن من استكمال عمله عليه في مرحلة لاحقة. وقال هلال عن معرضه لـ«الإمارات اليوم»، «إن الثيمة الموجودة في المعرض مزدوجة، وقد أخذت النهر والجبل، فالجبل أي منطقة القلمون، هي التي ترعرعت بها، وتحسست الصخر والتراب، وأستطيع أن أفهم ما فيها، بينما المنطقة الثانية فهي منطقة العاصي، هي رمز مهم للرسم وأعرفها رغم أني لم أعش فيها». وأضاف «عملت على المكان، ولكنها حكاية الناس والبشر وأهم من الطبيعة، فهناك إسقاط على طبيعة المكان، فالطبيعة موجودة في كل مكان ويمكن تصويرها في أي وقت». ورأى هلال أن الكائن الحي الذي عاش بين الصخر والقساوة والخشونة التي عاش بها أهم من الطبيعة، فالأخيرة هي المفتاح كي يقرأ المرء التاريخ البشري الذي مر على المنطقة. واعتبر أن التغيير في النهج والعمل يأتي تلقائياً، ولاسيما حين يتعامل الفنان مع مكان يخصه كثيرا.

أما العاصي الذي لم يترعرع فيه هلال، فقد أكد أنه يعرف الكثير من المعلومات عن المكان الذي يجعله ملهماً بالنسبة له، وما يهم في الختام هو استخدام المعلومات والتجارب والاستفادة منها. ورأى ان المبالغة في السطح الخشن والصلب، والمشهد الصعب، تجعل اللوحة تشبه الناس الذين عاشوا بها وتشبهه، فهي منطقة جبلية وأيام الثلج يتعايشون ببساطة مع المكان لكن لديهم الكثير من القيم، فتصويرهم يكون من خلال السطح الخشن واللوحة المجردة، وهم يشبهون التراب والصخر. أما المواد التي أستخدمها فهي ورق مطحون ورمل ومواد صناعية واكريليك ودهانات، واستغرق العمل الواحد أشهراً طويلة. وشدد هلال على ان العمل ليس مجرد ساعات في المرسم بل هو الفكرة، ولهذا يصعب إحصاء ساعات العمل، فأحياناً العمل ينجز بوقت قصير لكنه يستغرق كفكرة زمنا طويلا. ورأى ان التكرار هو تأكيد وإيقاع للناس وحياتهم ويشبه نبض القلب وشيء دائماً يقول إني موجود ومستمر الى ما لا نهاية، فهو يشبه الحياة، فهي عملية استمرارية في العيش والابتكار، وعلى الإنسان أن يعرف كيف يستمتع به كي لا يصيبه الملل وكي يتمكن من تطوير مهاراته.

تويتر