نساء بورما.. بين "تشاوبادي"و"رخصة الاغتصاب"

تدفع المرأة في بورما، فاتورة تدهور الوضع العام في هذا البلد الذي يعيش على وقع الفوضى والصراعات والحروب، وذلك من حساب حقوقها الإنسانية المنتهكة من طرف التقاليد الاجتماعية، وحكم النظام العسكري الذي يستخدم الاغتصاب كوسيلة حرب مباحة، إضافة إلى هدر الكرامة في المخيمات وملاجئ حدود الدول المجاورة، حيث تتحول إلى بضاعة متاجرة.

"تشاوبادي".. طهارة أم نجس

يقضي تقليد في بورما، يعرف باسم "تشاوبادي"، بحجز النساء خلال دورات الحيض في حظائر الأبقار، حيث يمنعن من دخول المنازل أو المعابد، ويتعرضن في جزء من هذا التقليد للدغات ثعابين. ويقال إن هذا التقليد القديم مأخوذ من عقيدة هندوسية، تعتبر أن النساء في فترات الحيض نجسات.وقد لقيت نساء كثيرات حتفهن جراء لدغ الثعابين أو البرد أو النزيف الشديد خلال فترة العزلة، بينما تعرض بعضهن للاغتصاب.وتشير بيانات رسمية إلى أن نحو 24 سيدة، يلقين حتفهن كل عام خلال فترات احتجازهن.وأقدمت أخيرا نساء يعشن في منطقة نائية في بورما بمساعدة ناشطات حقوقيات على تحطيم 36 حظيرة "تشاوبادي"، كانت بمثابة سجن لاحتجازهن طوال فترات الحيض كمحاولة للتمرد على هذا التقليد.

اغتصاب مرخص

تشتكي النساء من أقليات عرقية عديدة في شمال شرق بورما من تعرضهن للاغتصاب وانتهاك أعراضهن من قبل عسكريين منحرفين أخلاقياً يتلذذون بإلحاق الأذى والإهانة بالمرأة والابتهاج بممارسة القسوة المفرطة ضدها، وذلك على نحو تقول فيه مجموعات لحقوق الإنسان إنه يبدو وكأنه عمل مسموح به ومنظم، حيث كشف تقرير موثق لشبكة "شان" لحقوق الإنسان عن 625 حالة اغتصاب ارتكبها أفراد من القوات العسكرية في شرق بورما في الفترة ما بين عامي 1996 و2001. وذكر التقرير أن أحد مرتكبي هذه الجرائم لم يمثل أمام أي محكمة ولم يوجه إليه أي اتهام.

والكثير من الشهود وأقوال النساء الضحايا، تثبت صحة هذه التقارير، وكذلك تفيد شهادات مجموعات أقلية عرقية عن تعرض النساء للاغتصاب وانتهاك العرض في معسكرات العمل الإجبارية وفي المزارع، وكذلك في منازلهن وخلال محاولتهن الفرار إلى تايلاند المجاورة.

وبسبب تمركز الوحدات العسكرية في العادة بالقرب من القرى والبلدات الصغيرة، فإن النساء اللاتي يتعرضن لهذه الممارسات يستطعن التعرف على هوية الذين ارتكبوا هذه الجرائم بحقهن من أرقامهم العسكرية المثبتة على ملابسهم الرسمية.

والتقارير الواردة من بورما بشأن حالات الاغتصاب، تكاد تكون يومية، ومما لا شك فيه أن القادة العسكريين في بورما على علم تام بما يحدث، لكن اللجنة السياسية في البلاد تنخرط في تفكير مزدوج، حيث إنها رفضت التقارير، لكنها بادرت في الوقت ذاته إلى إنشاء لجنة تحقيق خاصة بها، غير أن سلوك هذه اللجنة، وطريقة اختيار أعضائها لم تترك أي مجال للثقة في مصداقيتها.

وكانت الخارجية الأميركية، أصدرت في ديسمبر الماضي، بياناً قالت فيه بأنها تشعر بالرعب من التقارير الخاصة بهذه الجرائم وأن المقابلات الخاصة التي اجرتها في أماكن متفرقة في بورما تبنت حقيقة ماجاء في تلك الاتهامات مضيفة أن محققيها تحدثوا إلى أكثر من عشر نساء أوضحن بأنهن تعرضن من قبل جنود يورمين خلال السنوات الخمس الماضية.وأوضح بيان الخارجية الأميركية أن كافة الضحايا وهن دون سن الخامسة عشرة لحقت بهن أضرار نفسية كبيرة وتشوش ذهني وأصبحن يتحدثن على الدوام همساً.

الإجهاض.. حل قاتل

معظم ضحايا الاغتصاب والعنف الجنسي في بورما، يعانون من الصدمة، إما الجسدية أو النفسية أو كليهما. كما تواجه النساء اللواتي تعرضن للاغتصاب مجموعة كبيرة من المشاكل الصحية والجسدية بما في ذلك التعرض لفيروس نقص المناعة "الإيدز" والأمراض الجنسية، وكذا الأمراض العقلية، حيث تعاني الضحية من الآثار المدمرة الناجمة عن الاكتئاب والخجل والغضب، والأرق، وفي بعض الحالات، الانتحار.


كما أن قانون العقوبات في بورما يجرم الإجهاض في جميع الحالات، ولا يعطي هذا القانون الصارم استثناءات لحالات الاغتصاب، مما يجبر الضحية على استكشاف الطرق الخطرة لتخلص من الحمل الإجباري والتي تشكل خطر على حياتها في الغالب..وبحسب تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن "واحد من ثلاثة حالات الحمل تنتهي في بورما الى الإجهاض، أي نحو 750 ألف عملية إجهاض تجري كل سنة، ونحو 2000 حالة إجهاض يومي..وتشير التقديرات إلى أن 50 بالمئة من وفيات الأمهات هو نتيجة الإجهاض غير الاَمن. ومن المرجع أن يرتفع هذا العدد بكثير في المناطق الإثنية والريفية، حيث تعتمد النساء فقط على الأدوية التقليدية..

البغاء.. خيار حتمي


هربا من المصاعب الاقتصادية اليومية في بورما، التي هي نتيجة سوء الإدارة الاقتصادية على مدى 30 عاما، أجبرت العديد من النساء والفتيات الصغيرات للانتقال إلى دول الجوار بحثا عن لقمة العيش، بعقود عمل غالبا ما تكون وهمية، حيث تجد المرأة نفسها في بيوت الدعارة التايلاندية مقابل قروش قليلة..وحسب بعض التقارير، فإن المرأة البورمية تشكل الجزء الأكبر من تجارة الجسد في تايلاند، حيث تعمل اكثر من 40 ألف امرأة وفتاة في بيوت البغاء والدعارة في تايلاند، ويقود هذا العمل أفراد من الشرطة والجيش في بورما، حيث تهرب عصابات منظمة عددا من النساء والفتيات الأقل من 14 سنة عبر الحدود إلى المدن التايلاندية، ليتم بيعهن في الدعارة القسرية بـ 100 دولار إلى 600 دولار أميركي..

حديقة حيوان بشرية

عندما تحولت الحرب إلى جحيم لا يطاق في قريتها، لم تجد الفتاة البورمية "مو ديتي بدا" سوى الهرب. وعلى مدى أربعة أيام ظلت الفتاة تسلك الطرق المتعرجة بين الجبال تاركة وراءها كل ما يربطها بقريتها ملتمسة السلامة في مخيم للاجئين في تايلاند.حسب ما روته لصحيفة "نيويوك تايم"، غير أن مو ديتي البالغة من العمر 15 عاما وصلت إلى المخيم بميزة جعلتها مفضلة على آلاف اللاجئات البورميات الأخريات اللواتي يعبرن الحدود البورمية التايلاندية. فشكلها الغريب يجعل السياح يدفعون المال مقابل الالتقاء بها والتقاط صور تذكارية معها.

فعنق مو ديتي يبدو طويلا على غير المألوف بسبب وجود حلقات نحاسية تم البدء في وضعها هناك منذ أن كانت في سن السادسة، حيث توضع أول حلقة في عنق البنت عندما تبلغ الخامسة من عمرها، وكلما كبرت الفتاة توضع لها حلقة أخرى أكبر بدلا عن السابقة، لتضغط المنطقة مابين الترقوة والضلوع وبالتالي تطول الرقبة لتبدو كرقبة الزرافة. ويلحق ها التقليد إيذاء جسدي بالنساء والفتيات من خلال ارتداء الحلقات الثقيلة، والتي يمكن أن يصل وزنها إلى 10 كيلوغرامات. ومن بين 120 من سكان المخيم الذي تعيش فيه مو ديتي فإن أكثر من 30 من الإناث يتزين بالحلقات النحاسية. والمطلوب من هؤلاء النسوة انتظار السياح من الفجر وحتى الغسق وأن يكسبن قوتهن من بيع تذاكر الدخول والقمصان والصور التذكارية. وفي حين يطلق وكلاء السياحة على هذه الظاهرة "سياحة الأعناق الطويلة"، تفضل منظمات حقوق الإنسان عبارة "حديقة الحيوان البشرية".

تويتر